وقال علي بن سليمان : لما كانتا متعلقتين بما بعدهما، وقيل: لما لم يتصرفا بوجوه الإعراب ولم يتمكنا وجب لهما البناء، فهذه ثلاثة أجوبة.
فإن قيل: لم وجبت لهما الحركة؟ فالجواب أن قال: وأما المتمكن الذي جعل في موضع بمنزلة غير المتمكن فقولهم: أبدأ بهذا أول ويا حكم أقبل، وشرح هذا أن أول وقبل وبعد لما وجب ألا يعربن في موضع وقد كن يعربن في غيره كره أن يخلين من حركة فضممن. سيبويه
فإن قيل: فلم لا فتحن أو كسرن؟ في هذا السؤال خمسة أجوبة: منها: أن الظروف يدخلها النصب والخفض إذا لم تعتل فلا يدخلها الرفع، فلما اعتلت ضمت؛ لأن الضمة من جنس الرفع الذي لا يدخلها في حال سلامتها. وقيل: لما أشبهت المنادى المفرد أعطيت حركته. وقيل: لما كانت غاية أعطيت غاية الحركات. فهذه ثلاثة أجوبة في الضم للبصريين، لا نعلم لهم غيرها.
والجوابان الآخران للكوفيين، قال : لما تضمنت قبل وبعد معنيين ضمتا. قال الفراء : وشرح هذا أنهما تضمنتا معناهما في أنفسهما ومعنى ما بعدهما فأعطيتا أثقل الحركات. وقال أبو جعفر هشام : لم يجز أن يفتحا فيكونا كأنهما مضافتان إلى ما بعدهما، ولا يكسران فيكونا كالمضاف إلى [ ص: 259 ] المخاطب فلم يبق إلا الضم.
قال : فهذه تسعة أجوبة، وأجاز أبو جعفر : آتيك بعد يا هذا بالضم والتنوين، وأنشد: الفراء
576 - ونحن قتلنا الأزد أزد شنوءة فما شربوا بعد على لذة خمرا
قال : وهذا خارج عما جاء به القرآن وكلام العرب والمعقول، لا حجة له في البيت إن كان يعرف قائله؛ لأنه بغير تنوين جائز عند أهل العلم بالعروض كما أنشدوا: أبو جعفر
577 - شاقتك أحداج سليمى بعاقل فعيناك للبين تجودان بالدمع
وأجاز أيضا: رأيتك بعدا يا هذا، قال : فهذا نظير ذلك أن يكون أراد النكرة. وأجاز أبو جعفر هشام : رأيتك بعد يا هذا، جعله منصوبا وأضمر المضاف إليه، فكأنه زعم أن قد نطق به لما كان في النية.
وزعم الفراء أن المعنى: فمن يكذبك بعد بالدين. قال والأخفش : وهذا لا يعرج عليه، ولا تقع ( ما ) بمعنى ( من ) إلا في شذوذ، والمعنى ههنا صحيح، أي: فما يحملك يا أيها المكذب؟ فأي شيء يحملك على [ ص: 260 ] التكذيب بعد ظهور البراهين والدلائل بالدين الذي جاء بخبره من أظهر البراهين؟ أبو جعفر