بسم الله الرحمن الرحيم
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة [1] يكن في موضع جزم بلم، وعلامة الجزم فيه حذف الضمة من النون، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين، فإن قيل: قد تحركت النون فلم لا ردت الواو؟ فالجواب أنها حركة عارضة غير ثابتة، فكأنها لم يكن، ولا تعرج على قول من قال: حذفت الواو والضمة للجزم، ولا يجوز عند الخليل وسيبويه والكسائي حذف النون على لغة من قال: ( لم يك زيد جالسا ) لأنها قد تحركت، وأجاز غيرهم حذفها كما قال: والفراء
581 - ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل
( والمشركين ) عطف على ( أهل ) ولو كان عطفا على الذين لكان مرفوعا ( منفكين ) خبر ( يكن ) في معناه قولان: قال : منفكين بارحين، [ ص: 272 ] وبرح وزال في منهاج واحد. وقال غيره: منفكين متفرقين. قال عطاء : معنى القول الأول لم يكن الكفار زائلين عما هم عليه حتى يجيئهم الرسول فيبين لهم ضلالتهم. ومعنى القول الثاني: لم يكن الكفار متفرقين إلا من بعد أن جاءهم الرسول؛ لأنهم فارقوا ما عندهم من صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - فكفروا بعد البيان، وهذا القول في العربية أولى؛ لأن منفكين لو كان بمعنى زائلين لاحتاج إلى خبر، ولكن يكون من انفك الشيء من الشيء أي فارقه، كما قال أبو جعفر ذو الرمة :
582 - قلائص ما تنفك إلا مناخة على الخسف أو يرمي بها بلدا قفرا
وزعم أن الأصمعي ذا الرمة أخطأ في هذا.
قال : تأول أبو جعفر ( ما تنفك ) ما تزال، والصواب ما قال الأصمعي قال: أخطأ المازني ، و( ما تنفك ) كلام تام، ثم قال: ( إلا مناخة ) على الاستثناء المنقطع ( الأصمعي حتى تأتيهم البينة