وقوله : إن امرؤ هلك ليس له ولد ؛ جاز مع " إن " ؛ تقديم الاسم قبل الفعل؛ لأن " إن " ؛ لا تعمل في الماضي؛ ولأنها أم الجزاء؛ والنحويون يذهبون إلى أن معها فعلا مضمرا؛ الذي ظهر يفسره؛ والمعنى : " إن هلك امرؤ هلك " ؛ وقوله : يبين الله لكم أن تضلوا ؛ قيل فيها قولان؛ قال بعضهم : المعنى : يبين الله لكم ألا تضلوا " ؛ [ ص: 137 ] فأضمرت " لا " ؛ وقال البصريون : إن " لا " ؛ لا تضمر؛ وإن المعنى : " يبين الله لكم كراهة أن تضلوا " ؛ ولكن حذفت " كراهة " ؛ لأن في الكلام دليلا عليها؛ وإنما جاز الحذف عندهم على حد قوله : واسأل القرية ؛ والمعنى : واسأل أهل القرية؛ فحذف الأول جائز؛ ويبقى المضاف يدل على المحذوف؛ قالوا : فأما حذف " لا " ؛ وهي حرف جاء لمعنى النفي؛ فلا يجوز؛ ولكن " لا " ؛ تدخل في الكلام مؤكدة؛ وهي لغو؛ كقوله : لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون ؛ ومثله قول الشاعر :
وما ألوم البيض ألا تسخرا ... لما رأين الشمط القفندرا
المعنى : وما ألوم البيض أن تسخر؛ ومثل دخول " لا " ؛ توكيدا قوله - عز وجل - : لا أقسم بيوم القيامة ؛ و لا أقسم بهذا البلد ؛ فإن قال قائل : أفيجوز أن تقول : " لا أحلف عليك " ؛ تريد : " أحلف عليك " ؟ قيل : " لا " ؛ لأن " لا " ؛ إنما تلغى إذا مضى صدر الكلام على غير النفي؛ فإذا بنيت الكلام على النفي فقد نقضت الإيجاب؛ وإنما جاز أن تلغى " لا " ؛ في أول السورة؛ لأن القرآن كله كالسورة الواحدة؛ ألا ترى أن جواب الشيء قد [ ص: 138 ] يقع وبينهما سور؟ كما قال - جل وعز - جوابا لقوله : وقالوا يا أيها الذي نـزل عليه الذكر إنك لمجنون - فقال : ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون ؛ ومثله في القرآن كثير.