وقوله : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ؛ كثر اختلاف الناس في تأويل هذه الآية؛ والعمل بها؛ وجملتها أنها مال من الأموال التي فرض الله - جل ثناؤه - فيها الفروض؛ والأموال التي جرى فيها ذكر الفروض للفقراء والمساكين ومن أشبههم ثلاثة أصناف؛ سمى الله كل صنف منها؛ فسمى ما كان من الأموال التي يأخدها المسلمون من المشركين في حال الحرب أنفالا وغنائم؛ وسمي ما صار إلى المسلمين مما لم يؤخذ في الحرب من الخراج؛ والجزية " فيئا " ؛ وسمي ما خرج من أموال المسلمين [ ص: 414 ] - كالزكاة؛ وما نذووا من نذر؛ وتقربوا به إلى الله - جل وعز - " صدقة " ؛ فهذه جملة تسمية الأموال؛ ونحن نبين في هذه الآية ما قاله جمهور الفقهاء؛ وما توجبه اللغة؛ إن شاء الله؛ قال أبو إسحاق : أجمعت الفقهاء أن أربعة أخماس لأهل الحرب خاصة؛ والخمس الذي سمي في قوله : الغنيمة فأن لله خمسه وللرسول ؛ إلى آخر الآية؛ في الاختلاف؛ فأما الشافعي فذكر أن هذا الخمس مقسوم على ما سمى الله - جل وعز - من أهل قسمته؛ وجعل قوله : فأن لله خمسه ؛ افتتاح كلام؛ قال أبو إسحاق ؛ وأحسب معنى " افتتاح كلام " ؛ عنده في هذا أن الأشياء كلها لله - عز وجل -؛ فابتدأ وافتتح الكلام؛ فإن قال قائل : " فأن لله خمسه " ؛ كما قال : يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ؛ ثم قسم هذا الخمس على خمسة أنصباء؛ خمس للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وخمس ليتامى المسلمين؛ لا ليتامى آل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وخمس في المساكين - مساكين المسلمين؛ لا مساكين النبي - صلى الله عليه وسلم - وخمس لابن السبيل؛ ولا يرى أن يترك صنفا من هذه الأصناف بغير حظ في القسمة؛ قال الشافعي أبو إسحاق : وبلغني أنه يرى أن يفضل بعضهم على بعض على قدر الحاجة؛ ويرى في سهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يصرف إلى ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرفه فيه؛ والذي روي أنه كان يصرف الخمس في عدد للمسلمين؛ نحو اتخاذ [ ص: 415 ] السلاح الذي تقوى به شوكتهم؛ فهذا مذهب الشافعي؛ وهو على لفظ ما في الكتاب؛ فأما - ومن قال بقوله -؛ فيقسم هذا الخمس على ثلاثة أصناف؛ يسقط ما للرسول من القسمة؛ وما لذوي القربى؛ وحجته في هذا أن أبو حنيفة أبا بكر؛ لم يعطيا سهم ذوي القربى؛ وأن وعمر؛ - صلى الله عليه وسلم - ذهب بوفاته؛ لأن الأنبياء لا تورث؛ فيقسم على اليتامى؛ والمساكين؛ وابن السبيل؛ على قدر حاجة كل فريق منهم؛ ويعطي بعضا دون بعض منهم خاصة؛ إلا أنه لا يخرج القسم عن هؤلاء الثلاثة؛ وأما مذهب سهم النبي فيروى أن قوله في هذا الخمس؛ وفي مالك؛ أنه إنما ذكر هؤلاء المسمون لأنهم من أهم من يدفع إليهم؛ فهو يجيز أن يقسم بينهم؛ ويجيز أن يعطي بعضا دون بعض؛ ويجوز أن يخرجهم من القسم إن كان أمر غيرهم أهم من أمرهم؛ فيفعل هذا على قدر الحاجة؛ وحجته في هذا أن أمر الصدقات لم يزل يجري في الاستعمال على ما يراه الناس؛ وقال الله - عز وجل - : الفيء؛ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ؛ فلو أن رجلا وجبت عليه خمسة دراهم لأخرجها إلى صنف من هذه؛ أو إلى ما شاء من هذه الأصناف؛ ولو كان ذكر التسمية يوجب الحق للجماعة؛ لما جاز أن يخص واحد دون غيره؛ ولا أن ينقص واحد مما يعطى غيره؛ [ ص: 416 ] قال أبو إسحاق : من حجج في أن ذكر هؤلاء إنما وقع للخصوص؛ قوله (تعالى) : مالك من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ؛ فذكر جملة الملائكة؛ فقد دخل جبريل وميكال في الجملة؛ وذكرا باسميهما؛ لخصوصهما؛ وكذلك ذكر هؤلاء في القسمة؛ والفيء؛ والصدقة؛ لأنهم من أهم من يصرف إليه الأموال من البر؛ والصدقة؛ قال أبو إسحاق : ومن الحجة لمالك أيضا قول الله - عز وجل - : يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ؛ فللرجل أن ينفق في البر على هذه الأصناف؛ وعلى صنف منها؛ وله أن يخرج عن هذه الأصناف؛ لا اختلاف بين الناس في ذلك؛ قال أبو إسحاق : هذا جملة ما علمناه من أقوال الفقهاء في هذه الآية.
وقوله - عز وجل - : إن كنتم آمنتم بالله وما أنـزلنا على عبدنا ؛ يجوز أن يكون " إن كنتم " ؛ معلقة بقوله : فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير ؛ إن كنتم آمنتم بالله وما أنـزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ؛ فأيقنوا أن الله نصركم إذ كنتم قد شاهدتم من نصره ما شاهدتم؛ ويجوز أن يكون " إن كنتم آمنتم بالله " ؛ معناها : اعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول؛ يأمران فيه بما يريدان؛ إن كنتم آمنتم بالله فاقبلوا ما أمرتم به في الغنيمة. وقوله - جل وعز - : يوم الفرقان ؛ هو يوم " بدر " ؛ لأن الله - عز وجل - أظهر فيه من نصره بإرداف الملائكة [ ص: 417 ] والإمداد بهم للمسلمين؛ ما كان فيه فرقان بين الحق والباطل؛