وأما (آنذرتهم) ففيها ألفان "ألف" (أنذرت) وهي مقطوعة؛ لأنه يقول: "ينذر" فـ "الياء" مضمومة، ثم جعلت معها ألف الاستفهام؛ فلذلك مددت وخففت الآخرة منهما؛ لأنه لا تلتقي همزتان. وقال: (أفلا تبصرون) : (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين) . وقال بعضهم: "إنه على قوله: (أفلا تبصرون) وجعل قوله: (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين) بدلا من : (تبصرون) . لأن ذلك: كأن عنده بصرا منهم أن يكون عندهم هكذا". وهذه "أم" التي تكون في معنى "أيهما؟".
[ ص: 32 ] وقد قال قوم: "إنها يمانية" وذلك أن أهل اليمن يزيدون "أم" في جميع الكلام، وأما ما سمعنا من [أهل] اليمن فيجعلون "أم" مكان "الألف واللام" الزائدتين؛ يقولون: "رأيت أمرجل" و "قام أمرجل" يريدون: "الرجل".
ولا يشبه أن يكون: (أم أنا خير) على لغة أهل اليمن . وقد زعم أبو زيد أنه سمع أعرابيا فصيحا ينشدهم:
(12) يا دهن أم كان مشي رقصا بل قد تكون مشيتي ترقصا
فسأله فقال: "معناه: ما كان مشيي رقصا فـ "أم" ها هنا زائدة. وهذا لا يعرف، وقال علقمة بن عبدة : (13) وما القلب أم ما ذكره ربعية يخط لها من ثرمداء قليب
[ ص: 33 ]
(14) فيا ظبية الوعساء بين جلاجل وبين النقا أأنت أم أم سالم
ولها موضع آخر تكون فيه منقطعة من الكلام كأنك تميل إلى أوله؛ قال: (لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه) . وهذا لم يكن قبله استفهام، وهذا قول العرب: "إنها لإبل" ثم يقول: "أم شاء؟"، "لقد كان كذا وكذا أم حدثت نفسي؟"، ومثل قول الشاعر: [ ] : الأخطل
(15) كذبتك عينك أم رأيت بواسط غلس الظلام من الرباب خيالا
وليس لـ "أم" غير هذين الموضعين.
[ ص: 34 ] لأنه أراد أن ينبه، ثم ذكر ما قالوا عليه، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، ليقبح ما قالوا عليه، نحو قولك للرجل: "ألخير أحب إليك أم الشر؟" وأنت تعلم أنه يقول: "الخير"، ولكن أردت أن تقبح عنده ما صنع.
وأما قوله: (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) فقد نهاه عن الآثم والكفور جميعا. وقد قال بعض الفقهاء: إن "أو" تكون بمنزلة الواو؛ وقال [ النمر بن تولب ]:
(16) يهينون من حقروا شيئه وإن كان فيهم يفي أو يبر
[ ص: 35 ] وقد قال قوم: "إنما" "أو" ها هنا بمنزلة "بل"، وقد يقول الرجل: "لأذهبن إلى كذا وكذا" ثم يبدو له بعد فيقول: "أو أقعد"، فقال ها هنا : "أرسلناه إلى مائة ألف عند الناس" ثم قال: "أو يزيدون عند الناس" أي: أن الناس لا يشكون أنهم قد زادوا.
والوجه الآخر هكذا؛ أي: "فكذا حال الناس فيهم أي: أن الناس يشكون فيهم، وكذا حال "أم" المنقطعة؛ إن شئت جعلتها على: "بل" فهو مذهب حسن. وقال متمم بن نويرة :
(17) فلو كان البكاء يرد شيئا بكيت على جبير أو عفاق
على المرأين إذ هلكا جميعا بشأنهما وحزن واشتياق
(18) فقلت البثي شهرين أو نصف ثالث إلى ذاك ما قد غيبتني غيابيا
قالوا: ومثل الفاء في قوله: (أفلم يهد لهم) وقوله: (أفلم يدبروا القول) .
[ ص: 36 ] وإن شئت جعلت هذه الفاءات زائدة. وإن شئت جعلتها جوابا لشيء كنحو ما يقولون: "قد جاءني فلان" فتقول: "أفلم أقض حاجته؟" فجعل هذه الفاء معلقة بما قبلها.