الوجه الحادي والعشرون فلا تزيده تلاوته إلا حلاوة، ولا تزيده إلا محبة، ولا يزال غضا طريا، وغيره من الكلام - ولو بلغ في الحسن والبلاغة مبلغه - يمل مع الترديد، ويعادى إذا أعيد، لأن إعادة الحديث على القلب أثقل من الحديد، وكتابنا بحمد الله يستلذ به في الخلوات، ويؤنس به في الأزمات، وسواه من الكتب لا يوجد فيها ذلك، حتى أحدث لها أصحابها لحونا وطربا يستجلبون بتلك اللحون تنشيطهم على قراءتها، ولهذا من وجوه إعجازه (أن سامعه لا يمجه وقارئه لا يمله فتلذ له الأسماع وتشغف له القلوب) وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن بأنه لا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عبره، ولا تفنى عجائبه، ليس بالهزل، لا يشبع منه العلماء، ولا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، هو الذي لم تنته الجن حين سمعته أن قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به . من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن خاصم به فلج، ومن قسم به أقسط، ومن عمل به أجر، ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم، ومن طلب الهدى من غيره أضله الله، ومن حكم بغيره قصمه الله، هو الذكر الحكيم، والنور المبين، والصراط المستقيم، وحبل الله المتين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، ولا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستعتب. [ ص: 185 ] ونحوه عن وقال فيه: ابن مسعود، ولا يختلف ولا يتشانأ، فيه نبأ الأولين والآخرين. وفي الحديث: قال الله لمحمد عليه السلام: إني منزل عليك توراة حديثة، تفتح به أعينا عميا، وآذنا صما، وقلوبا غلفا، فيها ينابيع العلم، وفهم الحكمة.