تنبيهات : الأول: وإلا يلزم عليه أن يكون في: أنت صديقي - التفات. الثاني: شرطه أن يكون في جملتين، صرح به صاحب الكشاف وغيره. الثالث: ذكر شرط الالتفات أن يكون الضمير في المنتقل إليه عائدا في نفس الأمر إلى المنتقل عنه، التنوخي في الأقصى القريب، وابن الأثير وغيرهما، نوعا غريبا من الالتفات، وهو بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله أو تكلمه، كقوله: غير المغضوب عليهم بعد أنعمت ، فإن المعني غير الذين غضبت عليهم. وتوقف فيه صاحب عروس الأفراح. الرابع: قال ابن أبي الإصبع: جاء في القرآن من الالتفات قسم غريب جدا لم أظفر في الشعر بمثاله، وهو أن يقدم المتكلم في كلامه مذكورين مرتين، ثم يخبر عن الأول منهما، وينصرف عن الإخبار عنه إلى الإخبار عن الثاني، ثم يعود إلى الإخبار عن الأول، كقوله: إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد . انصرف عن الإخبار عن الإنسان إلى الإخبار عن ربه تعالى، ثم قال منصرفا عن الإخبار عن ربه إلى الإخبار عن نفسه: وإنه لحب الخير لشديد . [ ص: 291 ] قال: وهذا يحسن أن يسمى التفات الضمائر. الخامس: يقرب من الالتفات نقل الكلام من خطاب الواحد أو الاثنين أو الجمع إلى الخطاب الآخر، ذكره التنوخي وابن الأثير، وهو ستة أقسام أيضا: مثاله من الواحد إلى الاثنين: قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض . وإلى الجمع: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء . ومن الاثنين إلى الواحد: فمن ربكما يا موسى . فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى . وإلى الجمع: وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة . ومن الجمع إلى الواحد: وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين . وإلى الاثنين: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا ... إلى قوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان . السادس: ويقرب منه أيضا - الالتفات من الماضي أو المضارع أو الأمر إلى آخر: مثاله من الماضي إلى المضارع: أرسل الرياح فتثير سحابا . خر من السماء فتخطفه الطير . إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله . وإلى الأمر: قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس الحج: 130. ومن المضارع إلى الماضي: ويوم ينفخ في الصور ففزع . ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم . [ ص: 292 ] وإلى الأمر: قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون . ومن الأمر إلى الماضي: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا . وإلى المضارع: وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون .
الإطراد وهو أن يذكر المتكلم أسماء آباء الممدوح مرتبة على حكم ترتيبها في الولادة. قال ابن أبي الإصبع: ومنه في القرآن قوله تعالى - حكاية عن يوسف: واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب - قال: وإنما لم يأت به على الترتيب الألوف، فإن العادة الابتداء بالأب ثم بالجد ثم الجد الأعلى، لأنه لم يرد هنا مجرد ذكر الآباء، وإنما ذكرهم ليذكر ملتهم التي اتبعها، فبدأ بصاحب الملة، ثم بمن أخذها عنه أولا فأولا على الترتيب. ومثله قول أولاد يعقوب: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق .
الانسجام هو أن يكون الكلام لخلوه عن العقدة متحدرا كتحدر الماء المنسجم، ويكاد لسهولة تركيبه وعذوبة ألفاظه أن يسيل رقة. والقرآن كله كذلك. قال أهل البديع: وإذا قوي الانسجام في النثر جاءت فقراته موزونة بلا قصد، لقوة انسجامه. ومن ذلك ما وقع في القرآن موزونا، فمنه من بحر الطويل: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر . ومن المديد: واصنع الفلك بأعيننا . [ ص: 293 ] ومن البسيط: فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم . ومن الوافر: ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين . ومن الكامل: والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم . ومن الهزج: فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا . ومن الرجز: ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا . ومن الرمل: وجفان كالجواب وقدور راسيات . ومن السريع: أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها . ومن المنسرح: إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه . ومن الخفيف: لا يكادون يفقهون حديثا . ومن المضارع: يوم التناد يوم تولون مدبرين . ومن المقتضب: في قلوبهم مرض . ومن المجتث: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم . ومن المتقارب: وأملي لهم إن كيدي متين . الإدماج قال ابن أبي الإصبع: هو أن يدمج المتكلم غرضا في غرض، أو بديعا في بديع، بحيث لا يظهر في الكلام إلا أحد الغرضين أو أحد البديعين، كقوله: له الحمد في الأولى والآخرة . أدمجت المطابقة في المبالغة، [ ص: 294 ] لأن انفراده تعالى بالحمد في الآخرة - وهي الوقت الذي لا يحمد فيه سواه - مبالغة في الوصف بالانفراد بالحمد، وهو وإن خرج مخرج المبالغة في الظاهر فالأمر فيه حقيقة في الباطن، فإنه رب الحمد والمنفرد به في الدارين. انتهى. قلت: والأولى في هذه أن يقال: إن الآية من إدماج غرض في غرض، فإن الغرض منها تفرده تعالى بوصف الحمد، فأدمج فيه الإشارة إلى البعث والجزاء.
الافتنان هو الإتيان في كلام بفنين مختلفين، كالجمع بين الفخر والتعزية في قوله: كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام . فإنه تعالى عزى جميع المخلوقات من الإنس والجن والملائكة وسائر أصناف ما هو قابل للحياة، وتمدح بالبقاء بعد فناء الموجودات في عشر لفظات، مع وصفه تعالى ذاته وانفراده بالبقاء بالجلال والإكرام سبحانه. ومنه: ثم ننجي الذين اتقوا . جمع فيها بين هناء وعزاء.
الاقتدار هو أن يبرز المتكلم المعنى الواحد في عدة صور، اقتدارا منه على نظم الكلام وتركيبه، وعلى صياغة قوالب المعاني والأغراض، فتارة يأتي به في لفظ الاستعارة، وتارة في صورة الإرداف، وحينا في مخرج الإيجاز، ومرة في قالب الحقيقة. قال ابن أبي الإصبع: وعلى هذا أتت جميع قصص القرآن، فإنك ترى القصة الواحدة التي لا تختلف معانيها تأتي في صور مختلفة وقوالب من الألفاظ متعددة، حتى لا تكاد تشتبه في موضعين منه، ولا بد أن تجد الفرق بين صورها ظاهرا.