الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
( وأمر ) بضم فكسر ( مدع ) بضم ففتح مثقلا ، أي أمره القاضي ونعته بنعت كاشف حقيقته فقال ( تجرد ) بفتحات مثقلا ، أي خلا ( قوله عن مصدق ) بضم ففتح فكسر مثقلا ، وصلة أمر ( بالكلام ) nindex.php?page=treesubj&link=20318_15107ويأمر المدعى عليه بالسكوت حتى يتم كلام المدعي . ابن عرفة nindex.php?page=treesubj&link=15395_15355المدعي من عريت دعواه عن مرجح غير شهادة ، والمدعى عليه من اقترنت دعواه به ، فقول nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب المدعي من تجرد قوله عن مصدق يبطل عكسه بالمدعي ومعه بينته ونحوه لابن شاس ، وفي المقدمات عن nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب المدعي من قال قد كان ، والمدعى عليه من قال لم يكن ، ومن عرفهما لا يلتبس عليه الحكم . ابن رشد ليس هذا على عمومه في كل موضع ، إنما يصح إذا nindex.php?page=treesubj&link=27367تجردت دعوى المدعي في قوله قد كان من سبب يدل على صدق دعواه ، فإن كان له سبب يدل على تصديق دعواه أقوى من سبب المدعى عليه القائل لم يكن كمن حاز شيئا عن غير مدة الحيازة . في وجه مدعي الشركة يقبل قوله مع يمينه وهو يقول قد كان ، والمدعى عليه يقول لم يكن ، وكذا المودع يدعي في الوديعة القول قوله وهو يقول قد كان المودع يقول لم يكن .
( وإلا ) أي وإن nindex.php?page=treesubj&link=15357لم يتبين للقاضي المدعي من المدعى عليه ولم يتفقا على أن أحدهما بعينه مدع والآخر مدعى عليه ( فالجالب ) صاحبه للقاضي هو الذي يؤمر بالكلام أولا لدلالة جلبه على أنه المدعي ( وإلا ) أي وإن لم يعلم الجالب وادعى كل منهما أنه المدعي ( أقرع ) القاضي بينهما ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=13270ابن شعبان ولابن عبد الحكم يقدم أيهما شاء . الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=12321لأشهب في المجموعة إن جلس الخصمان بين يديه فلا بأس أن يقول مالكما أو ما خصومتكما أو يسكت ليبتدياه ، فإن تكلم المدعي أسكت الآخر حتى يسمع حجة المدعي ، [ ص: 309 ] ثم يسكته ويستنطق الآخر ليفهم حجة كل منهما ، ولا يبتدئ أحدهما فيقول ما تقول أو مالك إلا أن يكون علم أنه المدعي ، ولا بأس أن يقول أيكما المدعي ، فإن قال أحدهما أنا وسكت الآخر فلا بأس أن يسأله عن دعواه ، وأحب إلي أن لا يسأله حتى يقر خصمه بذلك ، وإن قال كل منهما للآخر هذا المدعي أقامهما عنه حتى يأتيه أحدهما فيكون هو الطالب ، وقاله nindex.php?page=showalam&ids=12322أصبغ .
ابن عبد الحكم إن ادعى كل منهما أنه المدعي ، فإن كان أحدهما جلب الآخر فالجالب المدعي ، وإن لم يدر الجالب بدأ بأيهما شاء ، وإن كان أحدهما ضعيفا فأحب إلي أن يبتدئ بالآخر . اللخمي إن صرفهما لدعوى كل منهما أنه الطالب فأبى أحدهما الانصراف بدأ به ، وإن بقي كل منهما متعلقا بالآخر أقرع بينهما ، وإن كان لكل منهما على الآخر طلب وتشاحا في الابتداء أقرع بينهما وقيل الحاكم بالخيار ، واستحب ابن عبد الحكم أن يبتدئ بالنظر لأضعفهما .
وإذا أمر المدعي بالكلام ( فيدعي ) المدعي ( ب ) شيء ( معلوم ) قدره وجنسه وصفته لا مجهول ( محقق ) بضم ففتحتين مثقلا لا مظنون ولا مشكوك ولا موهوم ( قال ) nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري من عند نفسه ( وكذا ) أي المعلوم في صحة الدعوى به ( شيء ) أو حق أو مال ترتب لي في ذمته من بيع أو قرض ، وجهلت قدره لنسيانه بطول مدته ( وإلا ) أي وإن لم يكن معلوما ، بل مجهولا كشيء أو مظنونا ( لم تسمع كأظن ) أن لي عنده كذا ، أو في ظني وأحرى أشك . ابن شاس nindex.php?page=treesubj&link=15429_15289الدعوى المسموعة هي الصحيحة وهي أن تكون معلومة صحيحة ، فلو nindex.php?page=treesubj&link=15289قال لي عليه شيء لم تقبل دعواه . ابن عرفة هذا نقل الشيخ عن عبد الملك ونقله nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري عن المذهب قال وعندي لو قال الطالب أتيقن عمارة ذمة المطلوب بشيء أجهل مبلغه وأريد جوابه يذكره مفصلا أو إنكاره جملة لزمه الجواب . ابن شاس وكذلك لو قال أظن أن لي عليك شيئا فلا تقبل دعواه أيضا . [ ص: 310 ] ابن عرفة فاختصره nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب بقوله nindex.php?page=treesubj&link=15289وشرط المدعى به أن يكون معلوما محققا فقبله شارحاه ولم يذكرا فيه خلافا ، وسمع القرينان من دخل بزوجته ثم مات فطلبت صداقها حلف الورثة ما نعلم أنه بقي عليه صداق . ابن رشد فإن نكلوا عن اليمين حلفت الزوجة أنها لم تقبض صداقها واستوجبته لا على أن الورثة علموا أنها لم تقبضه فرجعت هذه اليمين على غير ما نكل عليه الورثة ، ولها نظائر . الحط ابن فرحون الشرط الأول أن تكون معلومة ، فلو قال لي عليه شيء فلا تسمع دعواه لأنها مجهولة قاله ابن شاس ، ولعله يريد إذا كان يعلم قدر حقه وامتنع من بيانه ، وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري في هذه الدعوى وعندي أن هذا الطالب لو أيقن بعمارة ذمة المطلوب بشيء وجهل مبلغه وأراد من خصمه أن يجاوبه عن ذلك بإقرار بما ادعى به على وجه التفصيل وذكر المبلغ والجنس لزم المدعى عليه الجواب . أما لو قال لي عليه شيء من فضلة حساب لا أعلم قدره وقامت له بينة أنهما تحاسبا وبقيت له عنده بقية لا علم لهم بقدرها فدعواه في هذه الصورة مسموعة ، وكذلك لو nindex.php?page=treesubj&link=15289ادعى حقا له في هذه الدار أو الأرض وقامت له بينة أن له فيها حقا لا يعلمون قدره ، فهي دعوى مسموعة وسيأتي كثير من هذا المعنى في باب القضاء بالشهادة الناقصة ا هـ .
فقوله أما إلخ يدل على أن هذا يسمع بلا خلاف ، فهو مخصص لقوله معلوم وقوله بمعلوم محقق نحوه nindex.php?page=showalam&ids=12671لابن الحاجب ، فأورد عليه ابن عرفة توجيه يمين التهمة بها على القول به ومسائل المدونة وغيرها صريحة في أنه تسمع nindex.php?page=treesubj&link=15289الدعوى بالمجهول إذا كان لا يعلم قدره ، ففي آخر كتاب الشفعة من المدونة ومن ادعى حقا في دار بيد رجل فصالحه منه ، فإن جهلاه جميعا جاز ذلك ، وإن عرف المدعي دعواه منها فليسمه ، فإن لم يسمه بطل الصلح ولا شفعة فيه ا هـ .
وقال المتيطي في كتاب الصلح لو nindex.php?page=treesubj&link=27367_16260_16253شهد الشهود للقائم في الدار المقوم فيها بحصة لا يعرفون مبلغها ، ففي كتاب ابن حبيب في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رضي الله تعالى عنهما أن يقال للمشهود له سم ما شئت واحلف عليه وخذه ، فإن أبى أخرجت الدار من المطلوب [ ص: 311 ] ووقفت حتى يقر بشيء ، قال nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف وقد كنا نقول وأكثر أصحابنا إنه إذا لم تعرف الشهود الحصة فلا شهادة لهم ولا يلزم المطلوب شيء حتى قال ذلك nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رضي الله عنه فرجعنا إلى قوله واستمرت الأحكام على ذلك .
( وكفاه ) أي المدعي في بيان سبب المدعى به قوله ( بعت ) شيئا للمدعى عليه بدينار مثلا ولم أقبضه منه ( و ) كفى nindex.php?page=treesubj&link=27367قول امرأة مدعية على رجل بصداق وأنكره ( تزوجت ) المدعى عليه بعشرة دنانير ولم أقبضها منه ، قالوا وبمعنى أو ( وحمل ) بضم فكسر البيع أو التزوج الذي أطلقه المدعي ( على ) البيع أو التزوج ( الصحيح ) باستيفاء أركانه وشروطه ، لأنه الأصل والغالب في عقود المسلمين . ابن شاس إذا nindex.php?page=treesubj&link=15301_27367ادعى في النكاح أنه تزوجها تزوجا صحيحا سمعت دعواه ولا يشترط أن يقوم بولي وبرضاها ، بل لو أطلق سمع أيضا ، وكذا في البيع ، بل لو قال هي زوجتي لكفاه الإطلاق ( وإلا ) أي وإن لم يبين المدعي سبب ما ادعى به ( فليسأله ) أي المدعي ( الحاكم عن السبب ) للمدعى به لاحتمال عدم إيجابه شيئا أصلا nindex.php?page=treesubj&link=4454_4456كبيع مسلم خمرا أو خنزيرا أو إيجابه أقل من المدعى به كربا .
( تنبيهات )
الأول : الحط ليس من تمام صحة الدعوى أن يذكر السبب . يؤخذ هذا من قول المصنف بعد هذا ولمدعى عليه السؤال عن السبب ، وإذا لم يلزم ذلك فأحرى أن لا يكون من شرط صحتها ذكر تسليم المبيع إذا كان مثليا وهو واضح ، بخلاف الشهادة على ما ذكره ابن فرحون فيما ينبغي له في أداء الشهادة والله أعلم .
طفي فيه نظر ، إذ صحتها متوقفة على ذلك ففي المجموعة عن nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب إن nindex.php?page=treesubj&link=27367أبى المدعي أن يذكر السبب ولم يدع نسيانه فلا يسأل المطلوب عن شيء ونحوه في كتاب nindex.php?page=showalam&ids=13211ابن سحنون . الشارح ووجهه أن السبب الذي يذكره المدعي قد يكون فاسدا فلا يترتب على المدعى عليه بسببه غرامة . ا هـ . وقال ابن عرفة [ ص: 312 ] ظاهر قول nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري ومن نقل عنه توجه دعوى المدعي بإيجاب جوابه خصمه بمجرد قوله لي عند هذا ألف درهم وليس كذلك ، بل لا بد من بيان ما به تقررت له عليه من سلف أو معاوضة أو بت عطية أو عدة . ا هـ . ولا حجة له في قوله ولمدعى عليه السؤال عن السبب ، لأن الأصل أن السائل هو الحاكم ، فإن لم يبينه له فلا تسمع الدعوى ، فإن غفل الحاكم عنه قام المدعى عليه مقامه ، هذا الذي عليه الأئمة كالمتيطي وغيره خلاف ما تقدم عن الشارح ، ففي المتيطية عن ابن حارث يجب على القاضي أن يقول للمدعي من أين وجب لك ما ادعيت به وعلى هذا شرح عج وغيره ، والله أعلم . البناني بل الظاهر ما قاله الحط ، إذ لو أن ذكره من تمام صحة الدعوى ما قبل نسيانه ولبطلت الدعوى إذا لم يذكره ولم يسأل عنه وليس كذلك فيهما ، ولا دليل له في كلام المجموعة لاحتمال أنه لما قويت التهمة بامتناعه عن ذكره بعد السؤال عنه لم يكلف المطلوب بالجواب ، والله أعلم .
الثاني : ابن فرحون الثاني nindex.php?page=treesubj&link=24671_15297_15293من شروط المدعى به أن يكون مما أقر به المدعى عليه لزمه ، كمن nindex.php?page=treesubj&link=24671_24669ادعى على رجل بهبة وقلنا إنها تلزم بالقول فيلزم المدعى عليه الجواب ، وإن قلنا بقول المخالف والشاذ عندنا أنها لا تلزم بالقول فلا يلزم المدعى عليه الجواب ، وكذا العدة على عدم لزومها والوصية .
الثالث : ابن فرحون فصل في تصحيح الدعوى والمدعى به أنواع ، فإن كان شيئا معينا وهو بيد المدعى عليه فتصحيح الدعوى أن يبين ما يدعي به ، ويذكر أنه في يد المطلوب بطريق الغصب أو العداء أو الوديعة أو العارية أو الرهن أو الإجارة أو المساقاة أو غير ذلك ، ولا يشترط في المدعي أن يسأل الحاكم النظر بينهما بما يوجب الشرع . الحط قوله أو غير ذلك يدخل فيه nindex.php?page=treesubj&link=15271قوله ضاع أو سرق مني ولا أدري بماذا وصل إلى هذا الذي هو في يده ، وهذا مستفاد من نصوص أهل المذهب .
الرابع : البناني قوله بمعلوم محقق زاد غير المصنف أن تكون الدعوى معتبرة يتعلق بها غرض صحيح لا تكذبها العادة ، وتكون مما لو أقر بها المدعى عليه تلزمه ، [ ص: 313 ] واحترز بمعتبرة من دعوى نحو القمحة والشعيرة وبغرض صحيح من دعوى أجرة على محرم وبقوله لا تكذبها العادة من nindex.php?page=treesubj&link=16327_15289دعوى دار بيد حائز يتصرف فيها عشر سنين والمدعي حاضر ساكت ، وبالأخير من دعوى الهبة على عدم لزومها بالقول والوعد كذلك والوصية .
الخامس : اقتضى كلام تت أن فرض المسألة أنه من ادعى شيئا يكفيه في بيان سببه بعت وتزوجت فقط وليس كذلك ، بل فرضها أن من ادعى بيع شيء أو اشتراءه كفاه بعت أو اشتريت ، وكذا من ادعى تزوج امرأة فيكفيه تزوجتها ، ففي الجواهر إذا ادعى في النكاح أنه تزوجها تزوجا صحيحا سمعت دعواه ، ولا يشترط أن يقول بولي وبرضاها ، بل لو أطلق تسمع أيضا . وكذا في البيع ، بل لو قال هي زوجتي لكفاه الإطلاق . ا هـ . وبه شرح " ق " كلام المصنف ، وهكذا فرض المسألة الشارح ، لكن في المتيطي عن ابن حارث يجب على القاضي أن يقول للمدعي من أين وجب لك ما ادعيت به ، فإن قال من بيع أو سلف أو ضمان أو تعد أو شبهة فلا يكلف أكثر من ذلك . ا هـ . فعليه يأتي تقرير تت ، ويلائم قوله وإلا فليسأله إلخ . تت وإن لم يذكر السبب إلخ ، وقال الشارح الذي ذكره الأشياخ أن nindex.php?page=treesubj&link=15395المدعى عليه هو الذي يسأل المدعي عن السبب ، وإلا يحمل أنه أراد وإن لم يتنبه المدعى عليه لذلك ، فإن الحاكم يقوم مقامه .