وقوله :
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له بشق وتحتي شقها لم يحول ويوما على ظهر الكثيب تعذرت
علي وآلت حلفة لم تحلل
فالبيت الأول غاية في الفحش ، ونهاية في السخف ، وأي فائدة لذكره لعشيقته كيف كان يركب هذه القبائح ، ويذهب هذه المذاهب ، ويرد هذه الموارد ؟ ! إن هذا ليبغضه إلى كل من سمع كلامه ، ويوجب له المقت ! وهو - لو صدق - لكان قبيحا ، فكيف : ويجوز أن يكون كاذبا ؟ !
ثم ليس في البيت لفظ بديع ، ولا معنى حسن .
وهذا البيت متصل بالبيت الذي قبله ، من ذكر المرضع التي لها ولد محول .
[ ص: 168 ] فأما البيت الثاني وهو قوله : " ويوما " يتعجب منه بأنها تشددت وتعسرت عليه وحلفت عليه ، فهو كلام رديء النسج ، لا فائدة لذكره لنا أن حبيبته تمنعت عليه يوما بموضع يسميه ويصفه !
وأنت تجد في شعر المحدثين من هذا الجنس في التغزل ما يذوب معه اللب ، وتطرب عليه النفس . وهذا مما تستنكره النفس ، ويشمئز منه القلب ، وليس فيه شيء من الإحسان والحسن ! !
* *
وَقَوْلُهُ :
إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ بِشِقٍّ وَتَحْتِي شِقُّهَا لَمْ يُحَوَّلِ وَيَوْمًا عَلَى ظَهْرِ الْكَثِيبِ تَعَذَّرَتْ
عَلَيَّ وَآلَتْ حِلْفَةً لَمْ تُحَلَّلِ
فَالْبَيْتُ الْأَوَّلُ غَايَةٌ فِي الْفُحْشِ ، وَنِهَايَةٌ فِي السُّخْفِ ، وَأَيُّ فَائِدَةٍ لِذِكْرِهِ لِعَشِيقَتِهِ كَيْفَ كَانَ يَرْكَبُ هَذِهِ الْقَبَائِحَ ، وَيَذْهَبُ هَذِهِ الْمَذَاهِبَ ، وَيَرِدُ هَذِهِ الْمَوَارِدَ ؟ ! إِنَّ هَذَا لِيُبَغِّضُهُ إِلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ كَلَامَهُ ، وَيُوجِبُ لَهُ الْمَقْتَ ! وَهُوَ - لَوْ صَدَقَ - لَكَانَ قَبِيحًا ، فَكَيْفَ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا ؟ !
ثُمَّ لَيْسَ فِي الْبَيْتِ لَفْظٌ بَدِيعٌ ، وَلَا مَعْنًى حَسَنٌ .
وَهَذَا الْبَيْتُ مُتَّصِلٌ بِالْبَيْتِ الَّذِي قَبْلَهُ ، مِنْ ذِكْرِ الْمُرْضِعِ الَّتِي لَهَا وَلَدٌ مُحْوِلٌ .
[ ص: 168 ] فَأَمَّا الْبَيْتُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ : " وَيَوْمًا " يَتَعَجَّبُ مِنْهُ بِأَنَّهَا تَشَدَّدَتْ وَتَعَسَّرَتْ عَلَيْهِ وَحَلَفَتْ عَلَيْهِ ، فَهُوَ كَلَامٌ رَدِيءُ النَّسْجِ ، لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ لَنَا أَنَّ حَبِيبَتَهُ تَمَنَّعَتْ عَلَيْهِ يَوْمًا بِمَوْضِعٍ يُسَمِّيهِ وَيَصِفُهُ !
وَأَنْتَ تَجِدُ فِي شِعْرِ الْمُحْدَثِينَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فِي التَّغَزُّلِ مَا يَذُوبُ مَعَهُ اللُّبُّ ، وَتَطْرَبُ عَلَيْهِ النَّفْسُ . وَهَذَا مِمَّا تَسْتَنْكِرُهُ النَّفْسُ ، وَيَشْمَئِزُّ مِنْهُ الْقَلْبُ ، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْإِحْسَانِ وَالْحُسْنِ ! !
* *