[ ص: 242 ] - 16 - المنطوق والمفهوم
دلالة الألفاظ على المعاني قد يكون مأخذها من منطوق الكلام الملفوظ به نصا أو احتمالا بتقدير أو غير تقدير ، وقد يكون مأخذها من مفهوم الكلام سواء وافق حكمها حكم المنطوق أو خالفه - وهذا هو ما يسمى : بالمنطوق والمفهوم .
nindex.php?page=treesubj&link=20793_20792تعريف المنطوق وأقسامه
المنطوق : هو ما دل عليه اللفظ في محل النطق أي أن دلالته تكون من مادة الحروف التي ينطق بها .
ومنه : النص ، والظاهر ، والمؤول .
فالنص : هو ما يفيد بنفسه معنى صريحا لا يحتمل غيره ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ، فإن وصف عشرة ب " كاملة " قطع احتمال العشرة لما دونها مجازا ، وهذا هو الغرض من النص - وقد نقل عن قوم أنهم قالوا بندرة النص جدا في الكتاب والسنة ، وبالغ
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين في الرد عليهم فقال : " لأن الغرض من النص الاستقلال بإفادة المعنى على القطع مع انحسام جهات التأويل والاحتمال ، وهذا وإن عز حصوله بوضع الصيغ ردا إلى اللغة ، فما أكثره مع القرائن الحالية والمقالية " .
والظاهر : هو ما يسبق إلى الفهم منه عند الإطلاق معنى مع احتمال غيره احتمالا مرجوحا ، فهو يشترك مع النص في أن دلالته في محل النطق ، ويختلف عنه في أن النص يفيد معنى لا يحتمل غيره ، والظاهر يفيد معنى عند الإطلاق مع احتمال غيره احتمالا مرجوحا كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173فمن اضطر غير باغ ولا عاد ، فإن الباغي
[ ص: 243 ] يطلق على الجاهل . ويطلق على الظالم ، ولكن إطلاقه على الظالم أظهر وأغلب فهو إطلاق راجح ، والأول مرجوح ، وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222ولا تقربوهن حتى يطهرن ، فانقطاع الحيض يقال فيه طهر ، والوضوء والغسل يقال فيهما طهر ، ودلالة الطهر على الثاني أظهر ، فهي دلالة راجحة ، والأولى مرجوحة .
والمؤول : هو ما حمل لفظه على المعنى المرجوح لدليل يمنع من إرادة المعنى الراجح ، فهو يخالف الظاهر في أن الظاهر يحمل على المعنى الراجح حيث لا دليل يصرفه إلى المعنى المرجوح ، أما المؤول فإنه يحمل على المعنى المرجوح لوجود الدليل الصارف عن إرادة المعنى الراجح . وإن كان كل منهما يدل عليه اللفظ في محل النطق ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ، فإنه محمول على الخضوع والتواضع وحسن معاملة الوالدين . لاستحالة أن يكون للإنسان أجنحة . "
[ ص: 242 ] - 16 - الْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ
دَلَالَةُ الْأَلْفَاظِ عَلَى الْمَعَانِي قَدْ يَكُونُ مَأْخَذُهَا مِنْ مَنْطُوقِ الْكَلَامِ الْمَلْفُوظِ بِهِ نَصًّا أَوِ احْتِمَالًا بِتَقْدِيرٍ أَوْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ ، وَقَدْ يَكُونُ مَأْخَذُهَا مِنْ مَفْهُومِ الْكَلَامِ سَوَاءٌ وَافَقَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْمَنْطُوقِ أَوْ خَالَفَهُ - وَهَذَا هُوَ مَا يُسَمَّى : بِالْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ .
nindex.php?page=treesubj&link=20793_20792تَعْرِيفُ الْمَنْطُوقِ وَأَقْسَامُهُ
الْمَنْطُوقُ : هُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ أَيْ أَنَّ دَلَالَتَهُ تَكُونُ مِنْ مَادَّةِ الْحُرُوفِ الَّتِي يُنْطَقُ بِهَا .
وَمِنْهُ : النَّصُّ ، وَالظَّاهِرُ ، وَالْمُؤَوَّلُ .
فَالنَّصُّ : هُوَ مَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ مَعْنًى صَرِيحًا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ، فَإِنَّ وَصْفَ عَشَرَةٍ بِ " كَامِلَةٍ " قَطَعَ احْتِمَالَ الْعِشْرَةِ لِمَا دُونَهَا مَجَازًا ، وَهَذَا هُوَ الْغَرَضُ مِنَ النَّصِّ - وَقَدْ نُقِلَ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَالُوا بِنُدْرَةِ النَّصِّ جِدًّا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَبَالَغَ
nindex.php?page=showalam&ids=12441إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : " لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ النَّصِّ الِاسْتِقْلَالُ بِإِفَادَةِ الْمَعْنَى عَلَى الْقَطْعِ مَعَ انْحِسَامِ جِهَاتِ التَّأْوِيلِ وَالِاحْتِمَالِ ، وَهَذَا وَإِنْ عَزَّ حُصُولُهُ بِوَضْعِ الصِّيَغِ رَدًّا إِلَى اللُّغَةِ ، فَمَا أَكْثَرَهُ مَعَ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَالْمَقَالِيَّةِ " .
وَالظَّاهِرُ : هُوَ مَا يَسْبِقُ إِلَى الْفَهْمِ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مَعْنًى مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا ، فَهُوَ يَشْتَرِكُ مَعَ النَّصِّ فِي أَنَّ دَلَالَتَهُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ ، وَيَخْتَلِفُ عَنْهُ فِي أَنَّ النَّصَّ يُفِيدُ مَعْنًى لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ ، وَالظَّاهِرُ يُفِيدُ مَعْنًى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ ، فَإِنَّ الْبَاغِيَ
[ ص: 243 ] يُطْلَقُ عَلَى الْجَاهِلِ . وَيُطْلَقُ عَلَى الظَّالِمِ ، وَلَكِنَّ إِطْلَاقَهُ عَلَى الظَّالِمِ أَظْهَرُ وَأَغْلَبُ فَهُوَ إِطْلَاقُ رَاجِحٍ ، وَالْأَوَّلُ مَرْجُوحٌ ، وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ، فَانْقِطَاعُ الْحَيْضِ يُقَالُ فِيهِ طُهْرٌ ، وَالْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ يُقَالُ فِيهِمَا طُهْرٌ ، وَدَلَالَةُ الطُّهْرِ عَلَى الثَّانِي أَظْهَرُ ، فَهِيَ دَلَالَةٌ رَاجِحَةٌ ، وَالْأُولَى مَرْجُوحَةٌ .
وَالْمُؤَوَّلُ : هُوَ مَا حُمِلَ لَفْظُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَرْجُوحِ لِدَلِيلٍ يَمْنَعُ مِنْ إِرَادَةِ الْمَعْنَى الرَّاجِحِ ، فَهُوَ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ فِي أَنَّ الظَّاهِرَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى الرَّاجِحِ حَيْثُ لَا دَلِيلَ يَصْرِفُهُ إِلَى الْمَعْنَى الْمَرْجُوحِ ، أَمَّا الْمُؤَوَّلُ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَرْجُوحِ لِوُجُودِ الدَّلِيلِ الصَّارِفِ عَنْ إِرَادَةِ الْمَعْنَى الرَّاجِحِ . وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ، فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْخُضُوعِ وَالتَّوَاضُعِ وَحُسْنِ مُعَامَلَةِ الْوَالِدَيْنِ . لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ أَجْنِحَةٌ . "