اسمان بنيا للمبالغة من رحم بتنزيله منزلة اللازم ، [ ص: 22 ] أو بجعله لازما ونقله إلى فعل بالضم . والرحمة لغة : رقة القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان ، فالتفضل غايتها ، وأسماء الله تعالى المأخوذة من نحو ذلك إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادي التي تكون انفعالات ; فالرحمة في حقه تعالى معناها إرادة الإحسان فتكون صفة ذات ، أو الإحسان فتكون صفة فعل ، فهو إما مجاز في الإحسان أو في إرادته ، وإما استعارة تمثيلية [ ص: 23 ] بأن مثلت تعالى بحال ملك عطف على رعيته ورق لهم فعمهم معروفه فأطلق عليه الاسم وأريد غايته التي هي إرادة ، أو فعل لا مبدؤه الذي هو انفعال . والرحمن أبلغ من الرحيم ; لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما في قطع وقطع وكبار وكبار . ونقض بحذر فإنه أبلغ من حاذر ، وأجيب بأن ذلك أكثري لا كلي ، وبأنه لا ينافي أن يقع في الأنقص زيادة معنى بسبب آخر كالإلحاق بالأمور الجبلية مثل شره ونهم وبأن الكلام فيما إذا كان المتلاقيان في الاشتقاق متحدي النوع في المعنى كغرث وغرثان وصد وصديان لا كحذر وحاذر للاختلاف وإنما قدم والقياس يقتضي الترقي من الأدنى إلى الأعلى كقولهم عالم نحرير وجواد فياض ; لأنه صار كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره ; لأن معناه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها وذلك لا يصدق على غيره ، بل رجح بعضهم كونه علما ، ولأنه لما دل على جلائل النعم وأصولها ذكر الرحيم ليتناول ما دق منها ولطف ليكون كالتتمة له والرديف وللمحافظة على رءوس الآي ، والأبلغية توجد تارة باعتبار الكمية ، ولهذا قيل يا رحمن الدنيا ; لأنه يعم المؤمن والكافر ، ورحيم الآخرة ; لأنه يخص المؤمن ، وتارة باعتبار الكيفية ولهذا قيل يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ; لأن النعم الأخروية كلها جسام ، وأما النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة وقيل هما بمعنى واحد كندمان ونديم وجمع بينهما تأكيدا ، وقيل الرحيم أبلغ . والرحمن الرحيم
وقد ورد إن الله تعالى أنزل مائة كتاب وأربعة كتب على سبعة من الأنبياء ، وأنه أودع ما فيها في أربعة ، في القرآن والتوراة والإنجيل والزبور ، [ ص: 24 ] وأودع ما فيها في القرآن ، وأودع ما في القرآن في الفاتحة ، وأودع ما في الفاتحة في بسم الله الرحمن الرحيم ، بل قيل إنه أودع ما فيها في الباء وما في الباء في النقطة