لا يقال دلالة العام كلية محكوم فيها على كل فرد مطابقة فيكون فاسدا لكونه يقتضي انقسام الواحد ستة فيجتمع ستة وثلاثون .
لأنا نقول : إما أن تكون القاعدة أغلبية لا كلية أو أن محل ذلك ما لم تقم قرينة على إرادة المجموع كما في قولهم : رجال البلد يحملون الصخرة العظيمة : أي مجموعهم لا كل فرد فرد .
وكلام المنهاج من هذا القبيل .
والحاصل أنه قد تقوم قرينة تدل على أن الحكم في العام حكم على مجموع الأفراد من حيث هو مجموع من غير نظر إلى كون أفراد العام الجمع أو نحوه آحادا أو جموعا ، فيكون الحكم عليه كلا لا كلية ولا كليا ، وهو المحكوم فيه على الماهية من حيث هي من غير نظر إلى الأفراد وأن ما لا يصح شرعا ولا عقلا يكون من دلالة الاقتضاء فلا يعترض به ( ستة ) ولم يعد الماء ركنا هنا مع عد التراب ركنا في التيمم ، لأن الماء غير خاص بالوضوء بخلاف التراب فإنه خاص بالتيمم .
ولا يرد عليه النجاسة المغلظة لأنه غير مطهر فيها وحده بل الماء بشرط امتزاجه بالتراب ، على أن بعضهم قال : إنه لا يحسن عد التراب ركنا لأن الآلة جسم والفعل عرض فكيف يكون الجسم جزءا من العرض ، والفرض والواجب بمعنى واحد والمراد هنا الركن ( أحدها نية رفع حدث ) على الناوي : أي رفع حكمه كحرمة الصلاة لأن القصد من الوضوء رفع المانع ، [ ص: 157 ] فإذا نواه فقد تعرض للمقصود سواء أنوى رفع جميع أحداثه أم بعضها وإن نفى باقيها فلو نوى غير ما عليه غالطا صح وإلا فلا ، ولو نوى رفع بعض حدثه لم يصح كما قاله الزركشي وبعض شراح الحاوي وهو ظاهر .
والأصل في وجوب قوله تعالى { النية وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين } والإخلاص النية .
وخبر الصحيحين { } أي الأعمال المعتد بها شرعا ، ولأن الوضوء عبادة فعلية محضة فاعتبر فيه النية ، فخرج بالعبادة الأكل والشرب ونحوهما ، وبالفعلية القولية كالأذان والخطبة ، وبالمحضة العدة وستر العورة ، ولأنه طهارة [ ص: 158 ] موجبها في غير محل موجبها فأشبهت التيمم وبه خرج إزالة النجاسة والكلام عليها من سبعة أوجه جمعها بعضهم في قوله : إنما الأعمال بالنيات
حقيقة حكم محل وزمن كيفية شرط ومقصود حسن
فحقيقتها لغة القصد ، وشرعا قصد الشيء مقترنا بفعله ، وحكمها الوجوب كما علم مما مر ، ومحلها القلب ، وزمنها أول الواجبات ، وكيفيتها تختلف بحسب الأبواب ، إسلام الناوي ، وتمييزه وعلمه بالمنوي ، وعدم إتيانه بمنافيها بأن يستصحبها حكما ، والمقصود بها تمييز العبادة عن العادة كالجلوس للاعتكاف تارة وللاستراحة [ ص: 159 ] أخرى ، أو تمييز رتبها كالصلاة تكون تارة فرضا وأخرى نفلا ، ولا تتعين النية المتقدمة بل هي ( أو ) نية ( استباحة ) شيء ( مفتقر ) صحته ( إلى طهر ) أي وضوء كصلاة ومس مصحف وطواف ، لأن رفع الحدث إنما يطلب لهذه الأشياء ، فإذا نواها فقد نوى غاية القصد ، وظاهر أنه لو قال : نويت استباحة مفتقر إلى وضوء أجزأه وإن لم يخطر له شيء من مفرداته ، وكون نيته حينئذ تصدق بنية واحد مبهم مما يفتقر له لا يضر لأنه مع ذلك متضمن لنية رفع الحدث ، وشمل ذلك ما لو نوى به ما لا يتأتى منه فعله حالا كالطواف وهو وشرطها بمصر مثلا ، أو صلاة العيد في نحو رجب ، وما لو نوى أن يصلي به الظهر مثلا ولا يصلي به غيرها وهو كذلك ، بخلاف ما لو نوى به رفع حدثه بالنسبة لصلاة دون غيرها فإنه لا يصح وضوءه قولا واحدا كما قاله البغوي ، لأن حدثه لا يتجزأ إذا بقي بعضه بقي كله وهذا هو المعتمد ، وإن قال الشيخ إنه مردود فقد فرق بعض المتأخرين بأن في مسألة البغوي بقي بعض حدثه الذي رفعه ، وفيما رد به الباقي غير الحدث المرفوع وهو لا يضر فإنه لا أثر له إذا رفع غيره [ ص: 160 ] ووجهه الوالد رحمه الله تعالى بأن النافي فيه كالمتلاعب ، لأن الحدث إذا ارتفع كان له أن يصلي به هذه وغيرها فصار كمن قال أصلي به ولا أصلي به ، ولا يرد على تعبيره بطهر قراءة القرآن والمكث في المسجد مع افتقارهما إلى طهر وهو الغسل ، ولا يصح الوضوء بنيتهما لأنه خرج بقوله استباحة ، إذ نية استباحتهما تحصيل للحاصل .وأيضا فقد علم من قوله بعد أو ما يندب له وضوء كقراءة فلا في الأصح ( أو ) نية ( أداء فرض الوضوء ) أو فرض الوضوء أو الوضوء الواجب وإن كان الناوي صبيا ، أو أداء الوضوء أو الوضوء فقط أو الطهارة عن الحدث أو له أو لأجله أو الواجبة أو أداء فرض الطهارة أو أداء الطهارة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وإنما صح الوضوء بنية فرضه قبل الوقت ، مع أنه لا وضوء عليه لكون المراد به فعل الطهارة عن الحدث المشروط للصلاة .
وشرط الشيء يسمى فرضا ، وأيضا فهو باعتبار ما يطرأ ، ألا ترى أن الناوي لرفع الحدث عند غسل جزء من وجهه يكتفي منه بذلك مع أن حدثه لم يرتفع ذلك الوقت ، ومحل الاكتفاء بالأمور المتقدمة في غير الوضوء المجدد .
أما هو فالقياس عدم الاكتفاء فيه بنية الرفع أو الاستباحة كما اعتمده الوالد رحمه الله تعالى وإن ذهب الإسنوي إلى الاكتفاء بذلك كالصلاة المعادة .
قال : غير أن ذلك مشكل خارج عن القواعد فلا يقاس عليه .
وتعقبه ابن العماد بأن تخريجه على الصلاة ليس ببعيد ، لأن قضية التجديد أن يعيد الشيء بصفته الأولى انتهى . [ ص: 161 ] ويرد ذلك بأن الصلاة اختلف فيها هل فرضه الأولى أم الثانية ، ولم يقل أحد في الوضوء بذلك فافترقا .
ومثل ما ذكر وضوء الجنب إذا تجردت جنابته لما يستحب له الوضوء من أكل أو نوم أو نحوه كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى .
وعلم مما قررته أنه لا يشترط التعرض للفرضية والأداء وإن كان ظاهر كلامه خلافه ، وإنما اكتفى بالوضوء فقط دون الغسل لأن الوضوء لا يكون إلا عبادة فلا يطلق على غيرها ، بخلاف الغسل فإنه يطلق على غسل النجاسة والجنابة وغيرها المارة ( دون ) نية ( الرفع ) المتقدم لعدم ارتفاع حدثه ( على الصحيح فيهما ) أما الاكتفاء بنية الاستباحة فبالقياس على التيمم . ( ومن دام حدثه كمستحاضة ) وسلس بول أو نحوه ( كفاه نية الاستباحة )
وأما عدم الاكتفاء برفع الحدث فلبقاء حدثه .
والثاني يصح فيهما .
والثالث لا يصح فيهما بل يشترط أن يجمع بينهما .
ويندب الجمع بينهما على الصحيح للخروج من خلاف من أوجبه لتكون نية الرفع للحدث السابق ونية الاستباحة ونحوها للاحق ، وبذلك يرد ما قيل إنه قد جمع في نيته بين مبطل وغيره ، وما قيل من أن نية الاستباحة ، وحدها تفيد الرفع كنية رفع الحدث فالغرض يحصل بها وحدها .
ورد بأن الغرض الخروج من الخلاف ، وهو إنما يحصل بما يؤدي المعنى مطابقة لا التزاما ، وذلك إنما يحصل بجمع النيتين ، حكم المتيمم حرفا بحرف ، فإن نوى استباحة فرض استباحه وإلا فلا وحكم نية دائم الحدث فيما يستبيحه من الصلوات