باب محرمات الإحرام أي المحرمات به والأصل في ذلك الأخبار الصحيحة كخبر { } وإنما وقع الجواب عما لا يلبس ; لأنه محصور بخلاف ما يلبس وإن كان هو المسئول عنه إذ الأصل الإباحة ، وتنبيها على أنه كان ينبغي السؤال عما لا يلبس ، وأن المعتبر في الجواب ما يحصل المقصود وإن لم يطابق السؤال صريحا لخبر { سئل صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال : لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين [ ص: 330 ] فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا يلبس من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس ، ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين } وقد عد المحرمات في الرونق واللباب عشرين شيئا ، وجرى على ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس القمص والأقبية والسراويلات والخفاف إلا أن لا يجد النعلين البلقيني في تدريبه ، وقال في الكفاية : إنها عشرة : أي والباقية متداخلة .
قال الأذرعي : واعلم أن المصنف بالغ في اختصار أحكام الحج لا سيما هذا الباب وأتى فيه بصيغة تدل على حصر المحرمات فيما ذكره ، والمحرر سالم من ذلك فإنه قال : منها كذا وكذا ا هـ . يحرم في الإحرام أمور
والمصنف عدها سبعة فقال ( أحدها ستر بعض رأس الرجل ) وإن قل كبياض خلف أذنه فيجب كشف جميعه منه مع كشف جزء مما يحاذيه من الجوانب ، إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وليست الأذن من الرأس خلافا لمن وهم فيه ، ولو جاوز شعر رأسه حده بحيث لم يجز المسح عليه فهل يحرم عليه ستره هنا كما يجزئ تقصيره أو لا كما لا يجزئ المسح عليه ؟ محل احتمال ، والأوجه الثاني ( بما يعد ساترا ) عرفا وإن لم يحط به كقلنسوة وطين ومرهم وحناء ثخين لخبر الصحيحين { } بخلاف ما لا يعد ساترا كخيط شده به ولم يكن عريضا كالعصابة ومحمول كقفة وضعها على رأسه لا بقصد الستر وإلا لزمته الفدية كما جزم به جمع ومقتضاه الحرمة ، ومعلوم أن نحو القفة لو استرخى على رأسه بحيث صار كالقلنسوة ولم يكن فيه شيء يحمل يحرم وتجب الفدية فيه وإن لم يقصد ستره ، فإن انتفى شرط مما ذكر لم يحرم خلافا لما يوهمه كلام أنه صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي خر عن بعيره ميتا : لا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا الأذرعي ، وماء غطس فيه ولو كدرا أو طينا وحناء رقيقين ولبن وعسل رقيق وهودج استظل به وإن مسه أو قصد الستر بذلك فيما يظهر وفارق نحو القفة بأن تلك يقصد الستر بها عرفا بخلاف هذه ونحوها ، وتوسد وسادة أو عمامة وستره بما لا يلاقيه كأن رفعه بنحو عود بيده أو بيد غيره وإن قصد الستر فيما يظهر ، وإنما عد نحو الماء الكدر ساترا في الصلاة ; لأن المدار ثم على ما منع إدراك لون البشرة وهنا على الساتر العرفي وإن لم يمنع إدراكها ، ومن ثم كان الستر بالزجاج هنا كغيره ، فاندفع ما توهمه بعضهم من اتحاد البابين ، وما بناه عليه من أن الساتر الرقيق الذي يحكي البشرة لا يضر هنا فقد صرح الإمام هنا بأنه يضر ، ولا اعتبار بما في نكت مما يقتضي ضعفه ، ولو النسائي لزمته الفدية بخلافه في البدن ; لأن الرأس لا فرق فيه بين المحيط وغيره بخلاف البدن وأفهمت عبارته جواز [ ص: 331 ] ستر وجهه ، وعليه إجماع الصحابة وخبر شد خرقة على جرح برأسه في الذي وقصته ناقته { مسلم } قال لا تخمروا رأسه ولا وجهه السهيلي : ذكر الوجه فيه وهم من بعض الرواة .
قال في الشامل : هو محمول على ما يجب كشفه من الوجه لتحقق كشف الرأس وصح خمروا وجهه ولا تخمروا رأسه ( إلا ) ستر بعض رأس الرجل أو كله ( لحاجة ) من حر أو برد أو مداواة كأن جرح رأسه فشد عليه خرقة فيجوز ، لقوله تعالى { ما جعل عليكم في الدين من حرج } نعم تلزمه الفدية كما مر قياسا على الحلق بسبب الأذى ( ولبس المخيط ) كقميص وخف وقفاز وخباء ، وإن لم يخرج يديه من كمه وخريطة لخضاب لحيته ; لأنه في معنى القفازين وسراويل وتبان ( والمنسوج ) كدرع من زرد سواء أكان الساتر خاصا بمحل الستر ككيس اللحية أو لا ، كأن ستر ببعضه بعض البدن على وجه جائز وببعضه الآخر بعضه على وجه ممتنع ، كإزار شقه نصفين ولف على ساق نصفه بعقد أو خيط وإن لم يلف النصف الآخر على الساق الآخر فيما يظهر وإن أوهم تعبيرهما كغيرهما بقولهم أو شقه نصفين ولف كل نصف على ساق وعقده خلافه ( والمعقود ) كجبة لبد سواء في ذلك المتخذ من قطن وكتان وغيرهما للخبر السابق ( في سائر ) أي جميع أجزاء ( بدنه ) والمعتبر في اللبس العادة في كل ملبوس إذ به يحصل الترفه ، فلو ارتدى بالقميص أو القباء أو التحف بهما أو ائتزر بالسراويل فلا فدية ، كما لو ائتزر بإزار لفقه من رقاع أو أدخل رجليه في ساقي الخف ، ويلحق به لبس السراويل في إحدى رجليه أو ألقى قباء أو فرجية عليه وهو مضطجع وكان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه إلا بمزيد أمر ، ولو زر الإزار أو خاطه حرم نص عليه أو عقده بتكة في حجزة لحاجة إحكامه فلا ، لكنه يكره كما قاله المتولي ، وله شده بخيط ولو مع عقد الإزار لحاجة ثبوته ، بخلاف عقد الإزار في عرى إن تقاربت وعقد الرداء كذلك وإن تباعدت وعقد طرفي ردائه بخيط أو دونه أو خللهما بخلال كما مر فليس له شيء منها لشبهه بالسراويل أو المخيط من حيث استمساكه بنفسه ، وفارق الإزار الرداء فيما ذكر بأن الأزرار المتباعدة تشبه العقد وهو فيه ممتنع لعدم احتياجه إليه غالبا بخلاف الإزار ، وله شد طرف إزاره في طرف ردائه من غير عقد لكنه يكره ، وله بلا حاجة تقليد نحو سيف وشد نحو هميان ومنطقة ولف عمامة بوسطه ولا يعقدها ولبس خاتم وإدخال يده في كم [ ص: 332 ] منفصل عنه ، وظاهر كلامهم جواز الاحتباء بحبوة أو غيرها ، وقد أبدى بعض العلماء حكمة في تحريم لبس المخيط وغيره مما منع منه المحرم وهي خروج الإنسان عن عادته فيكون مذكرا له ما هو فيه من عبادة ربه فيشتغل بها . قال الإسنوي : وخريطة اللحية لا تدخل في كلام المصنف ; لأن اللحية لا تدخل في مسمى البدن ( إلا إذا ) كان لبسه لحاجة كحر وبرد فيجوز مع الفدية أو ( لم يجد غيره ) أي المخيط ونحوه فيجوز له من غير فدية لبس السراويل التي لا يتأتى الاتزار بها عند فقد الإزار ، فإن تأتى حرم لبسه حينئذ ولبس خف قطع أسفل كعبيه أو مكعب : أي مداس وهو المسمى بالزرموزة ، أو زربول لا يستر الكعبين وإن استتر ظهر القدمين لما صح من { عرفات السراويل لمن لم يجد الإزار والخفاف لمن لم يجد النعلين } أي مع قطع الخفين أسفل من الكعبين بقرينة الخبر المار ، والأصل في مباشرة الجائز نفي الضمان واستدامة لبس ذلك بعد قدرته على النعل والإزار موجبة للدم وخرج بمن لم يجد الواجد فيحرم عليه لبس ذلك للخبر ، والمراد بالنعل التاسومة ومثلها قبقاب لم يستر سيره جميع الأصابع ، أما المداس المعروف الآن فيجوز لبسه ; لأنه غير محيط بالقدم ، ولا فرق بين أن يتأتى من السراويل إزار أو لا لإطلاق الخبر وإضاعة المال بجعله إزارا في بعض صوره ولتأتي المنفعة المقصودة من النعل بعد قطعه من غير عمل بخلاف الخف ، ولورود الأمر بقطعه وجريان العادة بسهولة أمره والمسامحة فيه بخلاف السراويل فسقط القول بإشكاله ، وبحث بعضهم عدم جواز قطعه إذا وجد المكعب ; لأنه إضاعة مال وهو متجه ، ولو قدر على أن يستبدل به إزارا مثله قيمة وجب إن لم يمض زمن تبدو فيه عورته وإلا فلا كما في المجموع ، ولو قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة لم يلزمه قبوله أو أعير له لزمه . بيع منه إزار أو نعل نسيئة أو وهبا له ولو من أصل أو فرع
وبحث الأذرعي أنه يجيء حينئذ في الشراء نسيئة ، وفي قرض الثمن ما مر في التيمم ، وظاهر كلامهم أنه يجوز له لبس الخف المقطوع وإن لم يحتج إليه وهو بعيد ، بل الأوجه عدمه إلا لحاجة كخشية تنجس رجليه أو نحو برد أو حر أو كون الحفاء غير لائق به ، ولا فرق في جميع ما تقرر بين البالغ والصبي إلا أن الإثم يختص بالمكلف ، ويأثم الولي إذا أقر الصبي على ذلك ولا بين طول زمن اللبس وقصره إلا لحاجة فيجوز مع الفدية ، وعلى الحرة أن تستر منه ما لا يتأتى ستر جميع رأسها إلا به احتياطا للرأس ، إذ لا يمكن استيعاب ستره إلا بستر قدر يسير مما يليه من الوجه ، والمحافظة على ستره بكماله لكونه عورة أولى من المحافظة على كشف ذلك القدر من الوجه وقضيته أن الأمة لا تستر ذلك ; لأن رأسها ليس بعورة ، وهو ما جزم به في الإسعاد وهو الأوجه ، ولا ينافيه قول المجموع : ما ذكر في إحرام المرأة ولبسها لم يفرقوا فيه بين الحرة والأمة ، وهو المذهب ; لأنه في مقابلة قوله وشذ ( ووجه المرأة ) ولو أمة كما في المجموع ( كرأسه ) أي الرجل في حرمة الستر [ ص: 333 ] لوجهها أو بعضه فحكى وجها أن الأمة كالرجل ، ووجهين في المبعضة هل هي كالأمة أو كالحرة ا هـ . القاضي أبو الطيب
وعلى ظاهر المجموع يمكن الجواب بأن الاعتناء بالرأس حتى من الأمة أكثر ، وللمرأة أن ترخي على وجهها ثوبا متجافيا عنه بنحو خشبة وإن لم يحتج لذلك لحر وفتنة ، فإن وقعت من غير اختيار فأصاب وجهها فإن رفعته فورا فلا فدية وإلا أثمت ووجبت ، ولا يبعد جواز الستر مع الفدية حيث تعين طريقا لدفع نظر محرم ( ولها ) أي للمرأة ( لبس المخيط ) وغيره في الرأس وغيره ( إلا القفاز ) فليس لها ستر الكفين ولا أحدهما به ( في الأظهر ) للخبر المار ; ولأنه بالنسبة لغير الذكر ملبوس عضو ليس بعورة فأشبهه خف الرجل وخريطة لحيته ، إذ هو شيء يعمل لليدين يحشى بقطن ويكون له ما يزر به على الساعدين من البرد وتلبسه المرأة في يديها ، ومراد الفقهاء ما يشمل المحشو والمزرور وغيرهما وبكونه ملبوس عضو غير عورة في الصلاة فارق خفها وألحقت الأمة بالحرة احتياطا ، وخرج به ستر يد المرأة بغيره ككم وخرقة لفتها عليها بشد أو غيره كما صححاه فيجوز لها جميع ذلك وإن لم يحتج لخطاب ونحوه ; ولأن علة تحريم القفاز عليها ما مر وهي غير موجودة هنا ، والرجل مثلها في مجرد لف الخرقة ، ويحرم على الخنثى المشكل ستر وجهه مع رأسه وتلزمه الفدية ، وليس له ستر وجهه مع كشف رأسه خلافا لمقتضى كلام ابن المقري في روضه ، ولا فدية عليه إذ لا نوجبها بالشك نعم لو أحرم بغير حضرة الأجانب جاز له كشف رأسه كما لو لم يكن محرما قال في المجموع : ويسن أن يستتر بالمخيط لجواز كونه رجلا ويمكنه ستره بغيره ، هكذا ذكره جمهور الأصحاب .
وقال : لا خلاف أنا نأمره بالستر ولبس المخيط كما نأمره بأن يستتر في صلاته كالمرأة . القاضي أبو الطيب
وفي أحكام الخناثى لابن المسلم ما حاصله أنه يجب عليه أن يستر رأسه وأن يكشف وجهه وأن يستر بدنه إلا المخيط فإنه يحرم عليه احتياطا .
قال الأذرعي كالإسنوي وما قاله حسن ا هـ .
ولكنه مخالف لما مر عن المجموع .