ولا بالاستحالة كميتة وقعت في ملاحة فصارت ملحا أو أحرقت فصارت رمادا ( إلا ) شيئان : أحدهما ( خمر ) وإن كانت غير محترمة [ ص: 248 ] حقيقة كانت الخمرة وهي المتخذة من عصير العنب أم غيرها وهي المعتصرة من غيره ، فقد ذكر في تهذيب الأسماء واللغات عن ( ولا يطهر نجس العين ) بالغسل مطلقا الشافعي ومالك أنها اسم لكل مسكر ، وما تقرر من طهارة النبيذ بالتخلل هو المعتمد كما صححاه في بابي الربا والسلم لإطباقهم على صحة السلم في خل التمر والزبيب المستلزمة لطهارتهما ، لأن النجس لا يصح بيعه ولا السلم فيه اتفاقا ، ولا يصح حمل كلامهم ثم على خل لم يتخمر لأنه نادر ، وإنما طهر لأن الماء من ضرورته بالنسبة لإخراج ما بقي فيه لا من أصل ضرورة عصره لسهولته بدونه ، وإذا تسومح في هذا الماء فما يتوقف عليه أصل العصر بطريق الأولى ( تخللت ) بنفسها فتطهر بالتخلل لأن علة النجاسة والتحريم الإسكار وقد زالت ، ولأن العصير لا يتخلل إلا بعد التخمر غالبا ، فلو لم نقل بالطهارة لربما تعذر الخل وهو حلال إجماعا ولو بقي في قعر الإناء دردي خمر فظاهر إطلاقهم كما قاله وأحمد ابن العماد أنه يطهر تبعا للإناء سواء استحجر أم لا ، كما يطهر باطن جوف الدن ، بل هذا أولى ، وظاهر كلامهم أيضا أنه لا فرق في العصير بين المتخذ من نوع واحد وغيره .
فلو جعل فيه عسلا أو سكرا أو اتخذه من نحو عنب ورمان أو بر وزبيب طهر بانقلابه خلا ، وبه جزم ابن العماد وليس فيه تخليل بمصاحبة عين لأن نفس العسل أو البر ونحوهما يتخمر كما رواه ، وكذلك السكر فلم يصحب أبو داود عين أخرى ، ولو جعل مع نحو الزبيب طيبا متنوعا ونقع ثم صفي وصارت رائحته كرائحة الخمر فيحتمل أن يقال إن ذلك الطيب إن كان أقل من الزبيب تنجس ، وإلا فلا أخذا من قولهم لو ألقي على عصير خل دونه تنجس . الخمر
وإلا فلا لأن الأصل والظاهر عدم التخمر ، ولا عبرة بالرائحة حينئذ ، ويحتمل خلافه وهو أوجه ، ويكفي زوال النشوة وغلبة الحموضة ولا تشترط نهايتها بحيث لا تزيد ( وكذا إن نقلت من شمس إلى ظل وعكسه في الأصح ) أو من دن إلى آخر أو فتح رأس ظرفه للهواء لزوال الشدة المطربة من غير نجاسة خلفتها سواء أقصد بكل منها التخلل أم لا ، والثاني لا تطهر لما سيأتي ( فإن خللت بطرح شيء ) فيها ولو بنفسه أو بإلقاء نحو ريح ( فلا ) تطهر لأن من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه غالبا ، سواء كان له دخل في التخليل كبصل وخبز حار أم لا كحصاة ، [ ص: 249 ] ولا فرق بين ما قبل التخمر وما بعده ، ولا بين أن تكون العين طاهرة أو نجسة ، نعم إن كانت طاهرة ونزعت منها قبل التخلل طهرت ، أما النجسة فلا وإن نزعت قبله لأن النجس يقبل التنجيس .
ولو عصر نحو العنب ووقع فيه بعض حبات لا يمكن الاحتراز عنها لم تضر فيما يظهر ، وكالمتنجس بالعين العناقيد وحباتها إذا تخمرت في الدن ثم تخللت ، وكذا لو صب عصير في دن متنجس أو كان العصير متنجسا ، أو نقص من خمر الدن بأخذ شيء منها ، أو أدخل فيه شيء فارتفعت بسببه ثم أخرج فعادت كما كانت ، إلا إن صب عليها خمر حتى ارتفعت إلى الموضع الأول .
واعتبر البغوي كونه قبل جفافه ، واعتمده الوالد رحمه الله تعالى ، ويطهر الدن تبعا لها وإن تشرب بها أو غلت ، ولو اختلط عصير بخل مغلوب ضر أو غالب فلا ، فإن كان مساويا فكذلك إن أخبر به عدلان يعرفان ما يمنع التخمر وعدمه ، أو عدل واحد فيما يظهر ، أما إذا لم يوجد خبير أو وجد وشك فالأوجه إدارة الحكم على الغالب حينئذ .
ويحل إمساك خمر محترمة لا غيرها وهي المعتصرة بقصد الخمرية فتجب إراقتها فورا كما تقدم ، وسيأتي الكلام عليها [ ص: 250 ] في باب الغصب وذكرت فيها فوائد جملة هنا في شرح العباب .