ثم شرع في بيان فقال : ( ويشترط من الموكل ) أو نائبه ( لفظ ) صريح أو كناية ككتابة أو إشارة أخرس مفهمة لا لكل أحد ( يقتضي رضاه كوكلتك في كذا أو فوضته إليك ) أو أنبتك فيه أو أقمتك مقامي فيه ( أو أنت وكيلي فيه ) كبقية العقود ، إذ الشخص ممنوع من التصرف في مال غيره إلا برضاه ، وخرج بكاف الخطاب ومثلها وكلت فلانا ما لو قال : وكلت من أراد بيع داري مثلا فلا يصح ، ولا ينفذ تصرف أحد بهذا الإذن لفساده . الركن الرابع وهو الصيغة
نعم لو لم يتعلق بعين الوكيل فيه غرض كوكلت من أراد في إعتاق عبدي هذا أو تزويج أمتي هذه صح على ما بحثه السبكي وأخذ منه صحة قول من لا ولي لها : أذنت لكل عاقد في البلد أن يزوجني .
قال الأذرعي : وهذا إن صح [ ص: 28 ] فمحله عند تعيينها الزوج ولم تفوض سوى صيغة العقد خاصة وبذلك أفتى ، ويجري ذلك التعميم في التوكيل إذ لا يتعلق بعين الوكيل غرض وعليه عمل القضاة . نعم كتابة الشهود ووكلا في ثبوت ذلك وطلب الحكم به لاغية إذ ذلك ليس توكيلا لمعين ولا مبهم فيتعين أن يكتبوا وكلا في ثبوته وكلاء القاضي أو نحو ذلك ولو قالوا فلانا وكل مسلم جاز كما مر ( ولو قال : بع أو أعتق حصل الإذن ) فهو قائم مقام الإيجاب وأبلغ منه ( ولا يشترط ) في وكالة بغير جعل ( القبول لفظا ) بل الشرط أن لا يرد وإن أكرهه الموكل ، ولا يشترط هنا فور ولا مجلس إذ التوكيل رفع حجر كإباحة الطعام ، ومن ثم لو تصرف غير عالم بالوكالة صح كما لو باع مال مورثه ظانا حياته فبان ميتا ، وسيأتي في الوديعة الاكتفاء بلفظ من أحدهما وقبول من الآخر ، وقياسه جريان ذلك هنا لأنها توكيل وتوكل ، وقد يشترط القبول هنا لفظا كما لو كان له عين مؤجرة أو معارة أو مغصوبة فوهبها لآخر وأذن له في قبضها فوكل من هي بيده في قبضها له لا بد من قبول لفظا لتزول يده عنها به . ابن الصلاح
أما لو كانت بجعل فلا بد من قبوله لفظا كما في المطلب ، وينبغي تصويره بما إذا كان العمل الموكل فيه مضبوطا لتكون الوكالة حينئذ إجارة ( وقيل يشترط ) مطلقا لأنه تمليك للتصرف ( وقيل يشترط في صيغ العقود كوكلتك ) قياسا عليها ( دون صيغ الأمر كبع أو أعتق ) لأنه إباحة ( ولا يصح تعليقها بشرط ) من صفة أو وقت ( في الأصح ) كسائر العقود سوى الوصية لقبولها الجهالة والأمارة للحاجة .
والثاني تصح كالوصية ورد بما مر ، وعلى الأول ينفذ تصرفه في ذلك عند وجود الشرط [ ص: 29 ] لوجود الإذن ، وينفذ أيضا تصرف صادف الإذن حيث فسدت الوكالة ما لم يكن الإذن فاسدا كما لو قال : وكلت من أراد بيع داري فلا ينفذ التصرف كما قاله الزركشي ، والإقدام على التصرف بالوكالة الفاسدة جائز كما قاله ، إذ ليس من تعاطي العقود الفاسدة لأنه إنما قدم على عقد صحيح خلافا ابن الصلاح لابن الرفعة ( فإن نجزها وشرط للتصرف شرطا جاز ) اتفاقا كوكلتك الآن ببيع هذا ولكن لا تبعه إلا بعد شهر ، ويظهر الاكتفاء بلا تبعه إلا بعد شهر .
قال بعضهم : وعلم من ذلك أنه لو صح لتنجيزه الوكالة ، وإنما قيدها بما قيدها به الشارع ، بخلاف إذا جاء رمضان فأخرج فطرتي لأنه تعليق محض ، وعلى هذا التفصيل يحمل إطلاق من أطلق الجواز ومن أطلق المنع ا هـ . قال لآخر قبل رمضان : وكلتك في إخراج فطرتي وأخرجها في رمضان
والأقرب إلى كلامهم عدم الصحة ، إذ كل من الموكل والوكيل لا يملك ذلك عن نفسه حال التوكيل ، وظاهر صحة إخراجها عنه فيه حتى على الثاني لعموم الإذن كما علم مما تقرر ، ويصح كوكلتك شهرا ، فإذا مضى الشهر امتنع على الوكيل التصرف ( ولو ) توقيت الوكالة ( صحت ) الوكالة ( في الحال في الأصح ) لأنه نجزها . ( قال وكلتك ) في كذا ( ومتى ) أو مهما أو إذا ( عزلتك فأنت وكيلي )
والثاني لا تصح لاشتمالها على شرط التأبيد وهو إلزام العقد الجائز ، ورد بمنع التأبيد بما ذكر لما يأتي . وللخلاف شروط هنا لا حاجة للإطالة بذكرها ، فمتى انتفى واحد منها صحت قطعا ( وفي عوده وكيلا بعد العزل الوجهان في تعليقها ) لأنه علقها ثانيا بالعزل ، والأصح عدم العود لفساد التعليق ، والثاني تعود مرة واحدة ، نعم يعود الإذن العام على الأول الراجح فينفذ تصرفه ، فطريقه أن يقول : عزلتك ومتى أو مهما عدت وكيلي فأنت معزول لأنه ليس هنا ما يقتضي التكرار ، ومن ثم لو أتى بكلما عزلتك فأنت وكيلي عاد مطلقا لاقتضائها التكرار ، فطريقه أن يوكل من يعزله ، أو يقول : وكلما وكلتك فأنت معزول ، فإن قال : وكلما انعزلت فطريقه وكلما عدت وكيلي لتقاوم التوكيل والعزل واعتضاده بالأصل وهو الحجر في حق الغير فقدم ، وليس هذا من التعليق قبل الملك خلافا للسبكي لأنه ملك أصل التعليقين ( ويجريان في تعليق العزل ) بنحو طلوع الشمس ، والأصح عدم صحته [ ص: 30 ] فيمنع من التصرف عند وجود الشرط لوجود المنع كما أن التصرف ينفذ في الوكالة الفاسدة بالتعليق عند وجود الشرط لوجود الإذن ، وقيل لا ينعزل بطلوعها ، وحينئذ فينفذ التصرف على ما اقتضاه كلامهم ، وما أطال به جمع في استشكاله بأنه ينفذ تصرفه مع منع المالك منه .
أجيب عنه بأنه لا يلزم من عدم العزل نفوذ التصرف ولا رفع الوكالة بل قد يبقى ولا ينفذ كما لو نجزها ، وشرط للتصرف شرطا وأخذ بعضهم بقضية ذلك حيث جزم بعدم نفوذ التصرف يمكن رده بمنع ذلك ما لم تكن الصيغة مختلة من أصلها فلا يستفيد بها شيئا ، وهذا المعول عليه الأول .