ثم شرع في الكلام على أحكامه وهي ثلاثة : أحدها ما يبطله غير الحدث المبطل له فقال بطل تيممه كما يأتي [ ص: 305 ] وإن زال سريعا لوجوب طلبه ولأنه لم يشرع في المقصود ، بخلاف توهمه السترة لعدم وجوب طلبها لأن الغالب عدم وجدانها بالطلب للضنة بها ، ويحصل التوهم برؤية سراب أو غمامة مطبقة بقربه أو ركب طلع أو نحوها ، فلو سمع قائلا يقول عندي ماء لغائب أو ماء نجس أو مستعمل أو ماء ورد بطل تيممه كما صرح به ( ومن تيمم لفقد ماء فوجده ) أو توهمه الزركشي وابن قاضي شهبة أو عندي لفلان ماء وهو يعلم غيبته فلا ، فإن كان يعلم حضوره أو لم يعلم من حاله شيئا بطل لوجوب السؤال عنه ومحل بطلانه بالتوهم إن بقي من الوقت زمن لو سعى فيه إلى ذلك لأمكنه التطهر به والصلاة فيه .
قال في الخادم : ولو قال لفلان عندي من ثمن خمر ماء بطل تيممه لوجوب البحث عن صاحب الماء وطلبه منه .
قال : ولو سمع قائلا يقول عندي للعطش ماء لم يبطل تيممه ، بخلاف عندي ماء للعطش أو يحتمل البطلان في الأولى لاحتمال أن يعده لعطش غير محترم ، ونظيره عندي ماء لوضوئي أو لوضوئي ماء فيبطل في الأولى دون الثانية ، وإنما عبر بالوجدان هنا لعطفه عليه قوله أو في صلاة وهي إنما تبطل بالوجدان لا بالتوهم ( إن لم يكن في صلاة بطل ) تيممه ، وشمل ذلك ما لو وجده في أثناء تكبيرة الإحرام كما جزم به الرافعي في كلامه على نية التحرم .
والأصل في ذلك خبر أبي داود { } وخرج ما إذا كان في صلاة فلا تبطل [ ص: 306 ] بتوهم ولا شك ولا ظن ، واحترز بقوله لفقد ماء عما إذا كان لمرض ونحوه فلا يبطل تيممه إلا بالقدرة على استعماله ، ولا أثر لوجوده قبلها ، وإنما يبطله وجود الماء أو توهمه ( إن لم يقترن ) وجوده ( بمانع كعطش ) وسبع وتعذر استقاء ، إذ وجوده حينئذ كالعدم . التراب كافيك ، ولو لم تجد الماء عشر حجج ، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك
[ فرع ] ذكر شارح هنا كلاما عن الحنفية أنه لو ولم يبين حكم ذلك عندنا ، والأقرب أخذا من كلامهم فيما لو أدرج ماء في رحله ولم يقصر في طلبه أو كان بقربه بئر خفية فتيمم غير عالم بها وانتقل عنها أو رأى واطئ متيممة الماء دونها عدم بطلان تيممه ( أو ) وجده ( في صلاة ) فرضا أو نفلا كصلاة جنازة أو عيد ( لا يسقط ) أي لا يسقط قضاؤها ( به ) أي بالتيمم بأن كانت بمكان يندر فيه فقد الماء ( بطلت ) صلاته وتيممه ( على المشهور ) إذ لا فائدة في استمراره مع لزوم الإعادة ، والثاني لا تبطل محافظة على حرمتها ويعيدها ( وإن أسقطها ) أي أسقط التيمم قضاءها ( فلا ) تبطل صلاته لتلبسه بالمقصود من غير مانع من استمراره كوجود المكفر الرقبة في الصوم ، ولأن إحباطها أشد من يسير غبن شرائه ويخالف الستر فإنه يجب قطعا إذ لم يأت ببدل ، ولأن وجود الماء ليس بحدث غير أنه مانع من ابتداء التيمم ، وليس كالمصلي بالخف فيتخرق فيها لأنه لا يجوز بحال افتتاحها مع تخرقه لا سيما مع نسبته إلى تقصير بعدم تعهده ، [ ص: 307 ] ولا كالمعتدة بالأشهر لو حاضت فيها لقدرتها على الأصل قبل الفراغ من البدل ، بخلاف المتيمم فيهما ( وقيل يبطل النفل ) الذي يسقط بالتيمم لقصور حرمته عن حرمة الفرض ، إذ الفرض يلزم بالشروع فيه ، بخلاف النفل ، ولو مر نائم ممكن بماء ثم تنبه وعلمه بعد بعده عنه هل يبطل تيممه بطلت تغليبا لحكم الإقامة في الأولى ولحدوث ما لم يستبحه فيها في الثانية ، لأن الإتمام كافتتاح صلاة أخرى ، فلو تأخرت الرؤية للماء عن نية الإقامة أو الإتمام لم تبطل صلاته ، ولو قارنت الرؤية الإقامة أو الإتمام كانت كتقدمها فتضر كما تقتضيه عبارة وجد الماء في صلاة تسقط بالتيمم وهو مسافر قاصر فنوى الإقامة ، أو كانت مقصورة فنوى إتمامها ابن المقري وهو المعتمد كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى ، وشفاء المريض من مرضه في الصلاة كوجدان الماء في التفصيل المار ( والأصح أن قطعها ) أي الفريضة التي تسقط بالتيمم ، ويجوز حمل كلامه على الصلاة التي تسقط بالتيمم ولو نفلا ، وإنما حملنا عبارته على الفرض لأن من جملة مقابل الأصح وجها بحرمة القطع وهو لا يأتي في النفل .
والثاني إتمامها أفضل ( ليتوضأ ) ويصلي بدلها ( أفضل ) من إتمامها كوجود المكفر الرقبة في أثناء الصوم [ ص: 308 ] وليخرج من خلاف من حرم إتمامها .
قال في التنقيح : أو قلبها نفلا ، وقد يقال : الأفضل قلبها نفلا ، فإن لم يفعل فالأفضل الخروج منها .
قال الأذرعي : وكأنه أراد أن أصح الأوجه إما هذا أو هذا لا أن ذلك مقالة واحدة ، ولم أر من رجح قلبها نفلا ، وعلم أيضا أن إطلاق القول بأن قطعها أفضل يفهم أنه لا فرق بين أن يكون في جماعة أو منفردا ، ويظهر أن يقال إن ابتدأها في جماعة ولو قطعها وتوضأ لا انفرد ، فالمضي فيها مع الجماعة أفضل وإن ابتدأها منفردا ، ولو قطعها وتوضأ لصلاها في جماعة أو ابتدأها في جماعة ، ولو قطعها وتوضأ لصلاها في جماعة أو ابتدأها منفردا ، ولو قطعها وتوضأ لصلاها منفردا فقطعها أفضل ، ومحل جواز قطع الفريضة ما لم يضق وقتها فإن ضاق حرم لئلا يخرجها عن وقتها مع قدرته على أدائها فيه كما جزم به في التحقيق ونقله في المجموع عن الإمام ، وقال إنه متعين ، ولا أعلم أحدا يخالفه وإن جعله في الروضة وجها ضعيفا .
ولو كان حكم تيممه كتيمم الحي ، وحكم الصلاة عليه حكم غيرها من الصلوات . [ ص: 309 ] يمم ميت وصلي عليه ثم وجد الماء
وقول ابن خيران : ليس لحاضر أن يتيمم ويصلي على الميت مردود ، قيل حيث لم يكن ثم غيره ، وإن أمكن توجيهه بأن صلاته لا تغني عن الإعادة وليس هنا وقت مضيق يكون بعده قضاء حتى يفعلها لحرمته بأن وقتها الواجب فعلها فيه أصالة قبل الدفن فتعين فعلها قبله لحرمته ثم بعده إذا رأى الماء لإسقاط الفرض .
على أن عبارته أولت بأنها في حاضر : أي أو مسافر فهذا لا يتيمم عندنا خلافا واجد للماء خاف لو توضأ فاتته صلاة الجنازة . لأبي حنيفة
أما إذا كان ثم من يحصل به الفرض فليس له التيمم لفعلها لأنه لا ضرورة به إليه انتهى .
هذا والأوجه جواز صلاته عليه مطلقا وإن كان ثم من يحصل الفرض به .
ويبطل التيمم بسلامه من صلاة تسقط به برؤيته فيها وإن علم تلفه قبل سلامه لضعفه برؤية الماء وكان مقتضى الحال بطلانها لكن خالفناه لحرمتها ، ويسلم الثانية لأنها من جملة الصلاة في الثواب وليست منها عند عروض المنافي .
ولو نزع وجوبا لبطلان طهرها حيث علم برؤيتها ، لا إن رآه هو فلا يجب نزعه لبقاء طهرها خلافا لصاحب [ ص: 310 ] الأنوار ، ولو رأت حائض متيممة لفقد الماء ماء وهو يجامعها بطل تيممه بالرؤية ، لا فرق في ذلك بين أن ينوي قراءة قدر معلوم أم لا لعدم ارتباط بعضها ببعض كما قاله رأى ماء في أثناء قراءة قد تيمم لها الروياني ( و ) الأصح ( أن ) ( لا يجاوز ركعتين ) لأنه الأحب والمعهود في النفل ، فالزيادة عليهما كافتتاح صلاته بعد وجود الماء لافتقارها إلى قصد جديد . ( المتنفل ) الواجد للماء في صلاة الذي لم ينو قدرا
نعم لو وجده في ثالثة أتمها لأنها لا تتبعض كما قاله القاضي أبو الطيب والروياني ، والثالثة مثال فما فوقها له حكمها ( إلا من نوى عددا ) أي شيئا ولو ركعة كما هو اصطلاح الفقهاء ، فالاعتراض عليه باصطلاح الحساب غير سديد ( فيتمه ) كالفرض لانعقاد نيته على ما نواه ، ولا يزيد عليه ، إذ الزيادة كافتتاح صلاة أخرى بعد وجود الماء لافتقارها إلى قصد جديد ، ولو توضأ بناء على جواز تفريقه ، وهو الأصح كما قاله رأى الماء في أثناء طوافه الفوراني ، ومقابل الأصح في الأول أنه يجاوز ركعتين بما شاء ، وفي الثاني أنه لا يجاوز ركعتين .