ثم شرع في الحالين الباقيين للمتحيرة فقال ( وإن حفظت ) من عادتها ( شيئا ) وجهلت آخر بأن ( فلليقين ) من حيض وطهر ( حكمه ) ومقتضى كلامه تبعا ذكرت الوقت دون القدر أو بالعكس للغزالي تسمية هذه متحيرة ، والجمهور على خلافه ، ويمكن حمل كلامهم على التحير المطلق وهذه تحيرها نسبي لما مر أن للمتحيرة ثلاثة أحوال ( وهي ) أي المتحيرة الذاكرة لأحدهما ( في ) الزمن ( المحتمل ) للحيض والطهر ( كحائض في الوطء ) وما ألحق به مما مر ( وطاهر في العبادة ) لما تقدم من وجوب الاحتياط في حقها ( وإن احتمل انقطاعا وجب الغسل لكل فرض ) بخلاف ما إذا لم يحتمله فإنه لا يجب عليها إلا الوضوء فقط ، ويسمى ما يحتمل الانقطاع طهرا مشكوكا فيه [ ص: 354 ] وما لا يحتمله حيضا مشكوكا فيه ، والذاكرة للوقت كأن تقول : كان حيضي يبتدئ أول الشهر ، فيوم وليلة منه حيض بيقين ، ونصفه الثاني طهر بيقين ، وما بين ذلك يحتمل الحيض والطهر والانقطاع والذاكرة للقدر كأن تقول : كان حيضي خمسة في العشر الأول من الشهر لا أعلم ابتداءها وأعلم أني في اليوم الأول طاهرة ، فالسادس حيض بيقين والأول طهر بيقين كالعشرين الأخيرين .
والثاني إلى آخر الخامس محتمل للحيض والطهر .
والسابع إلى آخر العاشر محتمل لهما وللانقطاع ، ولو قالت : كنت أخلط شهرا بشهر : أي كنت في آخر كل شهر وأول ما بعده حائضا فلحظة من أول كل شهر ولحظة من آخره حيض بيقين ، ولحظة من آخر الخامس عشر ولحظة من أول ليلة السادس عشر طهر بيقين ، وما بين اللحظة من أول الشهر واللحظة من آخر الخامس عشر يحتمل الحيض والطهر والانقطاع ، وما بين اللحظة من أول ليلة السادس عشر واللحظة من آخر الشهر يحتملهما دون الانقطاع ، ولو قالت : كنت أخلط شهرا بشهر طهرا فليس لها حيض بيقين ولها لحظتان طهر بيقين في أول كل شهر وآخره ، ثم قدر أقل الحيض بعد اللحظتين لا يمكن فيه الانقطاع وبعده يحتمل ، والحافظة للقدر إنما تخرج عن التحير المطلق [ ص: 355 ] بحفظ قدر الدور وابتدائه وقدر الحيض ، فإذا قالت : دوري ثلاثون أولها كذا وحيضي عشرة فعشرة في أولها لا تحتمل الانقطاع والباقي يحتمله والجميع يحتمل الحيض والطهر ، ولو قالت : حيضي إحدى عشرات الشهر فهذه كالأولى إلا أن احتمال الانقطاع هنا لا يكون إلا في آخر كل عشرة ، ولو قالت : حيضي عشرة في عشرين من أول الشهر فالعشرة الأخيرة طهر بيقين والعشرون تحتمل الحيض والطهر والعشرة الثانية منها تحتمل الانقطاع أيضا ، ولو قالت : كان حيضي خمسة عشر من العشرين الأولى فالعشرة الأخيرة طهر بيقين والخمسة الثانية والثالثة حيض بيقين والأولى تحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع والرابعة تحتمل الجميع .
ولو قالت : حيضي خمسة وكنت في اليوم الثالث عشر طاهرا فخمسة من أول الدور تحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع وما بعدها يحتمل الجميع إلى آخر الثاني عشر ، ثم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر طهر بيقين ، ومن أول السادس عشر إلى آخر العشرين يحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع ، ومنه إلى آخر الشهر يحتمل الجميع ، ومتى كان القدر الذي أضلته زائدا على نصف المضل فيه حصل حيض بيقين من وسطه ، وهو الزائد على النصف مع مثله ( والأظهر أن دم الحامل ) حيض إذا توفرت شروطه وإن تعقبه الطلق لعموم الأدلة لخبر { } ولأنه دم لا يمنعه الرضاع بل إذا وجد معه حكم بكونه حيضا وإن ندر فكذا لا يمنعه الحمل ، وإنما حكم الشارع ببراءة الرحم به بناء على الغالب ، لكن لا يحرم طلاقها فيه لانتفاء تطويل العدة به ، ولا تنقضي العدة به إن كان له حكم الحمل في انقضائها بالحمل بأن كانت لصاحبه ; فإن لم تكن له ، دم الحيض أسود يعرف [ ص: 356 ] انقضت العدة بالحيض مع وجود الحمل وإن كان من غير زنا كأن طلقها حاملا منه فوطئها غيره بشبهة أو بالعكس لم تنقض به خلافا فإن كان الحمل من زنا كأن فسخ نكاح صبي بعيب أو غيره بعد دخوله وهي حامل من زنا أو تزوج الرجل حاملا من زنا ثم طلقها أو فسخ بعد الدخول للقاضي .
والثاني وهو القديم أنه ليس بحيض بل هو حدث دائم كسلس البول لأن الحمل يسد مخرج الحيض وقد جعل دليلا على براءة الرحم فدل على أن الحامل لا تحيض ، والأول أجاب عنه بأنه إنما حكم ببراءة الرحم عملا بالغالب كما مر ( و ) أن ( النقاء بين ) دماء ( أقل الحيض ) فأكثر ( حيض ) تبعا لنقص النقاء عن أقل الطهر فأشبه الفترة بين دفعات الدم ويسمى قول السحب .
والثاني أنه طهر لأنه إذا دل الدم على الحيض وجب أن يدل النقاء على الطهر ، ويسمى هذا قول اللقط وقول التلفيق ، ومحل القولين في الصلاة والصوم ونحوهما فلا يجعل النقاء طهرا في انقضاء العدة إجماعا .
وشرط جعل النقاء بين الدم حيضا أن لا يجاوز خمسة عشر يوما ولا ينقص مجموع الدماء عن أقل الحيض ، وأن يكون النقاء زائدا على الفترات المعتادة بين دفعات الحيض فإن تلك حيض قطعا .
والفرق بين الفترة والنقاء أن الفترة هي الحالة التي ينقطع فيها جريان الدم ويبقى أثر لو أدخلت قطنة في فرجها لخرجت ملوثة .
والنقاء أن تخرج نقية لا شيء عليها ولو عبر التقطع خمسة عشر جاء ما مر في المستحاضات حيض كالخارج بعد عضو منفصل من الولد المجتن لأنه خرج قبل فراغ الرحم كدم الحامل ، بل أولى بكونه حيضا إذ إرخاء الدم بين الولادتين أقرب منه قبلهما لانفتاح فم الرحم بالولادة ، وقول والدم المرئي بين التوأمين بشروط الحيض المصنف بين الدم .
قال البرهان الفزاري : كذا هو في عدة نسخ ، وقيل إنه كان هكذا في نسخة المؤلف ثم أصلحه بعضهم على ما ذكرناه بقوله بين أقل الحيض لأن الراجح أنه إنما ينسحب إذا بلغ مجموع الدماء أقل الحيض ا هـ وهذه النسخة هي التي شرح عليها السبكي .
وقال المنكت : قد رأيت نسخة المصنف التي بخطه وأصلحت كما قال بغير خطه .