لما رواه ( وتكره الصلاة ) كراهة تحريم ( عند الاستواء ) عن مسلم رضي الله عنه قال { عقبة بن عامر } والظهيرة شدة الحر كما مر ، وقائمها هو البعير يكون باركا فيقوم من شدة حر الأرض ، وتضيف بمثناة من فوق ثم ضاد معجمة ثم مثناة من تحت مشددة : أي تميل ، ومنه الضيف تقول : أضفت فلانا إذا أملته إليك وأنزلته عندك ، وما دل عليه الحديث من كراهة الدفن محله إذا تحراه كما سيأتي في بابه . ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس ، وحين تضيف الشمس للغروب
واعلم أن وقت الاستواء لطيف لا يتسع لصلاة ولا يكاد يشعر به حتى تزول الشمس إلا أن التحرم قد يمكن إيقاعه فيه فلا تصح الصلاة ( إلا يوم الجمعة ) وإن لم يحضرها لخبر أبي داود وغيره في ذلك ، ولا يضر كونه مرسلا لاعتضاده بأنه صلى الله عليه وسلم استحب التبكير إليها ثم رغب في الصلاة إلى خروج الإمام من غير استثناء ( و ) في رأي العين وإلا فالمسافة بعيدة جدا وهو تقريب ( وبعد صلاة العصر ) أداء ولو مجموعة في وقت الظهر ( حتى تغرب ) للنهي عن ذلك ، وروى تكره أيضا ( بعد ) أداء ( الصبح حتى ترتفع الشمس كرمح ) { مسلم } وحينئذ يسجد لها الكفار وبقي للكراهة وقتان آخران ذكرهما فإنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان الرافعي في المحرر وغيره والمصنف في الروضة ، وهما عند طلوع الشمس حتى ترتفع ، [ ص: 385 ] وعند الاصفرار حتى تغرب ، ويمكن اندراجهما في عبارته بتأويل غير أن الكراهة بعد أداء الصبح والعصر خاصة بمن صلى وعند الطلوع والاصفرار ، لا فرق في ذلك بين من صلى الصبح والعصر ومن لم يصلهما ، ويتسع وقت الكراهة في الأولين لمن بادر بفعل الفرض أول وقته ، ويضيق لمن أخره إلى آخر الوقت ، ويجتمع الكراهتان فيمن فعل الفرض ودخل عليه كراهة الوقت .
قال الإسنوي : والمراد بحصر الكراهة في الأوقات إنما هو بالنسبة للأوقات الأصلية ، فستأتي كراهة التنفل في وقت إقامة الصلاة ووقت صعود الإمام لخطبة الجمعة ا هـ .
والأولى إنما ترد إذا قلنا بأن الكراهة للتنزيه وهو الذي صححه في التحقيق وجزم به في الطهارة من شرح المهذب ، أما إذا قلنا بأنها للتحريم وهو المذهب فلا ، ولا ترد الثانية أيضا لذكرهم لها في بابها ، وزاد بعضهم كراهة وقتين آخرين وهو بعد طلوع الفجر إلى صلاته وبعد المغرب إلى صلاته ، والمشهور في المذهب أن الكراهة فيها للتنزيه ( إلا لسبب ) غير متأخر متقدما كالجنازة والفائتة وسجدة التلاوة والشكر ، أو مقارنا ككسوف واستسقاء وإعادة صلاة جماعة ومتيمم ، وأشار إلى بعض أمثلة ذلك بقوله ( كفائتة ) ولو نافلة تقضى لخبر { } [ ص: 386 ] وخبر { فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها } وفي أنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين وقال : هما اللتان بعد الظهر { مسلم } : أي لأن من خصوصياته أنه إذا عمل عملا داوم عليه ففعلهما أول مرة قضاء وبعده نفلا ، فليس لمن قضى فيها فائتة المداومة عليها وجعلها وردا . لم يزل يصليهما حتى فارق الدنيا
ونقل الإجماع على أن ابن المنذر نعم يكره تأخير الفائتة ليقضيها في هذه الأوقات ( و ) صلاة ( كسوف واستسقاء ) وركعتي وضوء ( وتحية ) لمسجد لم يدخل إليه بقصدها فقط ( وسجدة شكر ) وتلاوة لم يقرأ آيتها ليسجد وإن كانت القراءة في وقت الكراهة لأن بعضها له سبب متقدم وبعضها سببه مقارن إذ نحو التحية والكسوف معرض للفوات ، ومن فعل صلاة حكم بكراهتها في الأوقات المتقدمة أثم ولم تنعقد للأخبار الصحيحة وإن قلنا إن الكراهة للتنزيه ، لأن النهي إذا رجع إلى نفس العبادة أو لازمها اقتضى الفساد سواء أكان للتحريم أو للتنزيه ، وأيضا فإباحة الصلاة على القول بكراهة التنزيه من حيث ذاتها لا تنافي حرمة الإقدام عليها من حيث عدم الانعقاد ، مع أنه لا بعد في إباحة الإقدام على ما لا ينعقد إذا كانت الكراهة فيه للتنزيه ولم يقصد بذلك التلاعب ، وفارق كراهة الزمان كراهة المكان حيث انعقدت فيه معها بأن الفعل في الزمان يذهب جزء منه فكان النهي منصرفا لإذهاب هذا الجزء في المنهي عنه وهو وصف لازم ، إذ لا يتصور وجود فعل إلا بإذهاب جزء من الزمان ، وأما المكان فلا يذهب جزء منه ولا يتأثر بالفعل ، فالنهي فيه لأمر خارجي مجاور لا لازم فحقق ذلك فإنه نفيس ، ولهذا قال بعضهم : ويفرق أيضا باللزوم وعدمه ، وتحقيق هذا أن الأفعال الاختيارية للعباد تقتضي زمانا ومكانا وكل منهما لازم لوجود الفعل ، لكن الزمان كما يلزم الماهية دون المكان ، ولهذا ينقسم الفعل بحسب انقسام الزمان إلى الماضي والمستقبل والحال ، فكان أشد ارتباطا [ ص: 387 ] بالفعل من المكان فافترقا ، والمراد بالتقدم وقسيميه بالنسبة إلى الصلاة كما في المجموع وهو المعتمد وإلى الأوقات المكروهة على ما في الروضة وعبارتها محتملة لكل منهما . الفائتة تفعل بعد الصبح والعصر
قال الشيخ : والأول منهما أظهر كما قاله الإسنوي ، وجرى عليه ابن الرفعة وليس من تأخير الصلاة لإيقاعها في وقت الكراهة حتى لا تنعقد ما جرت به العادة من تأخير الجنازة ليصلى عليها بعد صلاة العصر لأنهم إنما يقصدون بذلك كثرة المصلين عليها كما أفتى بذلك الوالد رحمه الله تعالى ، أما ما سببه متأخر كصلاة الاستخارة والإحرام فيمتنع في وقتها مطلقا ، وقد تنتفي الكراهة للمكان كما أشار إليه بقوله ( وإلا ) في ( حرم مكة على الصحيح ) لخبر { بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار } ولما فيه من زيادة فضل الصلاة فلا تكره بحال . يا
نعم هي خلاف الأولى كما في مقنع المحاملي خروجا من الخلاف ، والثاني أنها تكره لعموم الأخبار ، وحملت الصلاة المذكورة في هذا الحديث على ركعتي الطواف .
قال الإمام : وهو بعيد لأن الطواف سببها فلا حاجة إلى تخصيص بالاستثناء ، وخرج بحرم مكة حرم المدينة فهو كغيره .