ولو اتفقا بأن يسمعا الإيجاب والقبول للخبر الصحيح { ( ولا يصح ) النكاح ( إلا بحضرة شاهدين ) } وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل . لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل
والمعنى فيه الاحتياط للأبضاع وصيانة الأنكحة عن الجحود ويسن إحضار جمع من أهل الصلاح ( شرطهما حرية ) كاملة فيهما ( وذكورة ) محققة وكونهما إنسيين كما قاله ابن العماد فلا ينعقد بمن فيه رق ولا بامرأة ولا بخنثى إلا إن بان ذكرا كالولي ، بخلاف ما لو عقد على خنثى ، أو له وإن بان عدم الخلل ، والفرق أن الشهادة والولاية مقصودان لغيرهما ، بخلاف المعقود عليه فاحتيط له أكثر ، ومن ثم لو لم يصح كما قالاه خلافا عقد على من شك في كونها محرما له فبانت غير محرم للروياني ومر آنفا ما فيه [ ص: 218 ] ( وعدالة ) ومن لازمها الإسلام والتكليف المذكوران في المحرر ولا ينافي هذا انعقاده بالمستورين لأنه بمنزلة الرخصة ، أو ذكر المتفق عليه ثم المختلف فيه ( وسمع ) لأن المشهود عليه قول فاشترط سماعه حقيقة ( وبصر ) لما يأتي أن الأقوال لا تثبت إلا بالمشاهدة والسماع ( وفي الأعمى وجه ) لأنه أهل للشهادة في الجملة والأصح لا ، وإن عرف الزوجين ، ومثله من بظلمة شديدة . وفي الأصم أيضا وجه ، ونطق ، وعدم حجر سفه ، وانتفاء حرفة دنيئة تخل بمروءته ، وعدم اختلال ضبط لغفلة ، أو نسيان ، ومعرفة لسان المتعاقدين ; فلا يكفي إخبار ثقة بمعناه ، وقيل يكفي ضبط اللفظ ( والأصح انعقاده ) باطنا وظاهرا بمحرمين لكن الأولى عدم حضورهما و ( بابني الزوجين ) أي ابني كل منهما ، أو ابن أحدهما وابن الآخر ( وعدويهما ) كذلك فالواو بمعنى أو ، أو بجديهما وبجدها وأبيه لا أبيها لأنه العاقد ، أو موكله ، نعم تتصور شهادته لاختلاف دين ، أو رق بها وذلك لانعقاد النكاح بهما في الجملة .
لا يقال : هذه علة الضعيف في الأعمى فما الفرق لأنا نقول : الفرق أن شهادة الابن ، أو العدو يتصور قبولها في هذا النكاح بعينه في صورة دعوى حسبة مثلا كما يعلم مما يأتي في الشهادات ، ولا كذلك في الأعمى ، وإمكان ضبطه لهما [ ص: 219 ] إلى الحاكم لا يفيد لاحتمال أن المخاطب غير من أمسكه ، وإن كان فم هذا في أذنه وفم الآخر في أذنه الأخرى فيتعذر إثبات هذا النكاح بعينه بشهادة فكانت كالعدم ، ولو صح لأن العاقد ليس نائبا عنهما ، بخلاف ما لو وكل أب ، أو أخ تعين للولاية وحضر مع الآخر لأنه العاقد حقيقة ، إذ الوكيل في النكاح سفير محض فكانا بمنزلة رجل واحد ، وفارق صحة شهادة سيد أذن لقنه وولي للسفيه في النكاح بأن كلا منهما ليس بعاقد ولا نائبه ، ولا العاقد نائبه ، لأن إذنه له في الحقيقة ليس إنابة بل رفع حجر عنه وينعقد ظاهرا ( بمستوري العدالة ) وهما من لا يعرف لهما مفسق على ما نص عليه واعتمده جمع ، لكن الذي اختاره المصنف وقال إنه الحق أنه من عرف ظاهره بالعدالة ولم يزك عند الحاكم ومن ثم بطل الستر بتجريح عدل ، ولم يلحق الفاسق إذا تاب بالمستور . كان لها إخوة فزوجها أحدهم والآخران شاهدان
ويستحب استتابة المستور عند العقد ( على الصحيح ) لجريانه بين أوساط الناس والعوام فلو كلفوا بمعرفة العدالة الباطنة ليحضر المتصف بها لطال الأمر وشق ، ومن ثم صحح المصنف في نكت التنبيه [ ص: 220 ] أنه لو كان العاقد الحاكم اعتبرت العدالة الباطنة قطعا لسهولة معرفتها عليه بمراجعة المزكين ، وصحح كابن الصلاح المتولي وغيره عدم الفرق ، وهو المعتمد ، إذ ما طريقه المعاملة يستوي فيه الحاكم وغيره ، ومن ثم لو رأى مالا بيد متصرف فيه بلا منازع جاز له كغيره شراؤه منه اعتمادا على ظاهر اليد ، وإن سهل عليه طلب الحجة ، وقد يقال يؤخذ من قولهم لو طلب منه جماعة بأيديهم مال لا منازع لهم فيه قسمته بينهم لم يجبهم إلا إن أثبتوا عنده أنه ملكهم لئلا يحتجوا بعد قسمته على أنه ملكهم أنه لا يتولى العقد إلا بحضرة من ثبت عنده عدالتهما وأن ذلك ليس شرطا للصحة بل لجواز الإقدام ، فلو عقد بمستورين فبانا عدلين صح ، أو عقد غيره بهما فبانا فاسقين لم يصح كما يأتي لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر ، ولو اختصم زوجان أقرا عنده بنكاح بينهما بمستورين في نفقة حكم بينهما ما لم يعلم فسق الشاهد لأن الحكم هنا في تابع بخلافه فيما قبلهما على ما مر عن ، وصريح كلام ابن الصلاح الحناطي يفيد عدم لزوم الزوج البحث عن حال الولي والشهود ، وإيجاب بعض المتأخرين ذلك لامتناع الإقدام على العقد مع الشك في شرحه مردود بأن ما علل به إنما هو في الشك في الزوجين فقط لما مر أنهما المقصودان بالذات فاحتيط لهما أكثر ، بخلاف غيرهما فجاز الإقدام على العقد حيث ظن وجود شروطه ، ثم إن بان خلاف ما ظن بان فساد النكاح وإلا فلا ، ومقابل الصحيح لا ينعقد بحضورهما لتعذر إثباته بهما ( لا مستوري الإسلام والحرية ) الواو بمعنى أو ولو مع ظهورهما بالدار بأن يكونا بموضع يختلط فيه المسلمون بالكفار والأحرار بالعبيد ولا غالب ، أو يكونا ظاهري الإسلام والحرية بالدار ، بل لا بد من معرفة حاله فيهما باطنا لسهولة الوقوف على الباطن فيهما ، وكذا البلوغ ونحوه مما مر .
نعم إن بان مسلما ، أو حرا ، أو بالغا مثلا بان انعقاده كما لو بان الخنثى ذكرا .