ولما كان قد يعرض اشتباه بين الماء الطهور وغيره ذكر المصنف كغيره حكم الاجتهاد فقال ( ولو ) ، أو تراب طاهر بضده ، أو ماء أو تراب مستعمل بطهور ، أو شاته بشاة غيره أو ثوبه بثوب غيره أو طعامه بطعام غيره ، واقتصر على الماء ; لأن الكلام فيه ، وسكت عن الثياب ونحوها اكتفاء بما سيذكره في شروط الصلاة ( اجتهد ) أي بذل جهده في ذلك وإن قل عدد الطاهر كإناء من مائة ; لأن التطهر شرط من شروط الصلاة يمكن التوصل إليه بالاجتهاد فوجب عند الاشتباه كالقبلة لكل صلاة أرادها بعد حدثه وجوبا إن لم يقدر على طهور بيقين موسعا إن اتسع الوقت ومضيقا إن ضاق وجوازا إن قدر على طهور بيقين ، كأن كان على شط نهر أو بلغ الماءان المشتبهان قلتين بخلطهما بلا تغير ، إذ العدول إلى المظنون مع وجود المتيقن جائز ; لأن بعض الصحابة رضي الله عنهم كان يسمع [ ص: 89 ] من بعض مع قدرته على المتيقن ، وهو سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفارق القادر على اليقين في القبلة من وجوه أحسنها كما في المجموع أن القبلة في جهة واحدة فإذا قدر عليها كان طلبه لها في غيره عبثا بخلاف الماء الطهور فإنه في جهات كثيرة ، وما تقرر من وجوب الاجتهاد تارة وجوازه أخرى هو ما صرح به في المجموع . ( اشتبه ) على [ ص: 88 ] شخص أهل للاجتهاد ولو صبيا مميزا فيما يظهر ( ماء طاهر ) أي طهور ( بنجس ) أي بماء نجس
وأما قول العلامة العراقي : إنه واجب مطلقا ووجود متيقن لا يمنع وجوبه : أي الاجتهاد ; لأن كلا من خصال المخير يصدق عليه أنه واجب ، فيرد بأن الفرق بين ما هنا وخصال الواجب المخير واضح ، وهو أنه خوطب لكل منها لزوما لكن على وجه البدل ، فصدق على كل أنه واجب .
وأما هنا فلم يخاطبه بتحصيل الطهور أو الطاهر إلا عند فقده بعد دخول الوقت .
وأما قبله أو مع وجود ذلك فليس بمخاطب بالتحصيل ، إذ لا معنى لوجوبه قبل الوقت ، ويمكن توجيه كلامه بأنه واجب عند إرادة استعمال أحد المشتبهين ، إذ استعمال أحدهما [ ص: 90 ] قبله غير جائز لبطلان طهارته فيكون متلبسا بعبادة فاسدة ، وحينئذ فلا تنافي بين من عبر بالجواز والوجوب ; لأن الجواز من حيث إن له الإعراض عنهما ، والوجوب من حيث قصده إرادة استعمال أحدهما . لا يقال لابس الخف الأفضل في حقه الغسل مع أن الواجب عليه أحد الأمرين فلم لم يقل به هنا ؟ لأنا نقول : لم يختلف هناك في جواز المسح مع القدرة على الغسل بخلافه هنا . والاجتهاد والتحري والتأخي : بذل المجهود في طلب المقصود ( وتطهر بما ظن طهارته ) بأمارة تدل على ذلك كاضطراب أو رشاش أو تغير أو قرب كلب .
: أحدها بقاء المشتبهين إلى تمام الاجتهاد ، فلو انصب أحدهما أو تلف امتنع الاجتهاد ويتيمم ويصلي من غير إعادة وإن لم يرق ما بقي . وللاجتهاد شروط
ثانيها أن يتأيد الاجتهاد بأصل الحل فلا يجتهد في ماء اشتبه ببول وإن كان يتوقع ظهور العلامة ، إذ لا أصل للبول في حل المطلوب وهو التطهير هنا .
ثالثا أن يكون للعلامة فيه مجال : أي مدخل كالأواني والثياب ، بخلاف اختلاط المحرم بنسوة كما سيذكره المصنف في النكاح ، وزاد بعضهم سعة الوقت ، فلو ضاق عن الاجتهاد تيمم وصلى والأوجه خلافه .
واشترط بعضهم أيضا أن يكون الإناءان لواحد ، فإن كانا [ ص: 91 ] لاثنين لكل واحد توضأ كل بإنائه كما لو فإنه لا حنث على واحد منهما . والأوجه كما في الإحياء خلافه عملا بإطلاقهم كما أوضحته في شرح العباب ، واشتراط صاحب المعين أن يكون المتيقن طهارته مما لا يخشى منه ضرر كالمشمس مبني على مرجوج وهو جواز التيمم بحضرة المشمس فيكون وجوده كالعدم ، علق كل من اثنين طلاق زوجته بكون ذا الطائر غرابا وغير غراب ظهور العلامة فإن لم يظهر له شيء أراق الماءين أو أحدهما في الآخر ثم تيمم ( وقيل إن قدر على طاهر بيقين ) أي طهور آخر ( فلا ) أي فلا يجوز له الاجتهاد بل يستعمل المتيقن لقوله صلى الله عليه وسلم { وشرط العمل بالاجتهاد } كمن كان دع ما يريبك إلى ما لا يريبك بمكة ولا حائل بينه وبين الكعبة ولكن كان في ظلمة ، أو كان أعمى أو حال بينه وبينها حائل حادث غير محتاج إليه ، وكما لو وجد الحاكم النص ، والأصح الجواز وحمل قائله الحديث على الاستحباب ( والأعمى كبصير في الأظهر ) لتمكنه من الوقوف [ ص: 92 ] على المقصود بالشم والذوق والسمع واللمس ، ويفارق ما سيأتي في القبلة بأن أدلتها بصرية بخلاف الأدلة هنا . نعم لو فقد الأعمى تلك الحواس امتنع عليه الاجتهاد كما قال الأذرعي : إنه يجب الجزم به وهو حسن ، والثاني لا يجتهد لفقد البصر الذي هو عمدة الاجتهاد بل يقلد ، وما تقرر من جواز الذوق هو ما قاله الجمهور ، منهم القاضي والماوردي والبغوي والخوارزمي ، وهو المعتمد ، وما نقله في المجموع عن صاحب البيان من منع الذوق لاحتمال النجاسة ممنوع ، إذ محل حرمة ذوقها عند تحققها ويحصل بذوقهما وهنا لم نتحققها ، فإن تحير الأعمى قلد بصيرا أو أعمى أقوى إدراكا منه فيما يظهر ، ولا يرد ذلك على المصنف ; لأن كلامه أنه كالبصير فيما مر ، فإن لم يجد من يقلده أو وجده فتحير تيمم