باعتبار غلبة ظن المصول عليه ، ويجوز هنا العض ويتجه أنه بعد الضرب وقبل قطع العضو وعليه يحمل قولهم يجوز العض إن تعين للدفع ، ( فإن أمكن ) الدفع ( بكلام ) يزجره به ( أو استغاثة ) بمعجمة ومثلثة ( حرم الضرب ) وظاهر هذا مساواة الزجر للاستغاثة ، وهو واضح إن لم يترتب على الاستغاثة إلحاق ضرر أقوى من الزجر كإمساك حاكم جائر له ، وإلا وجب الترتيب بينهما ، وعليه يحمل إطلاق ضرر من أوجبه ، ومعلوم أنا وإن أوجبناه فهو بالنسبة لغير الضمان لما علم مما مر أنه لا ضمان بمثل ذلك كالإمساك للقاتل ( أو بضرب بيد حرم سوط أو بسوط حرم عصا أو بقطع عضو حرم قتل ) ; لأن ذلك جوز للضرورة ولا ضرورة في الأثقل مع تحصيل المقصود بالأخف ، نعم لو التحم القتال بينهما ، وانسد الأمر عن الضبط سقط مراعاة الترتيب كما ذكره ( ويدفع الصائل ) المعصوم على شيء مما مر ، ومنه أن يدخل دار غيره بغير إذنه ولا ظن رضاه ( بالأخف ) فالأخف الإمام في قتال البغاة ، وهو ظاهر ; لأن في هذه الحالة لو راعينا الأخف أفضى إلى هلاكه ، ولو اندفع شره كأن وقع في ماء أو نار أو انكسرت رجله أو حال بينهما جدار أو خندق لم يضربه كما في الروضة ، وفائدة الترتيب المذكور أنه متى خالف وعدل إلى رتبة مع إمكان الاكتفاء بما دونها ضمن ، ولو لم يجد المصول عليه إلا سيفا جاز له الدفع به ، وإن كان يندفع بعصا ، إذ لا تقصير منه في عدم استصحابها ، ولذلك من أحسن الدفع بطرف السيف بدون جرح يضمن به بخلاف من لا يحسن ، ومحل رعاية التدريج في غير الفاحشة ، أما فيها كأن أولج في أجنبية ، فكذلك أيضا خلافا للماوردي والروياني كما يعلم ذلك من الروضة بعد في أثناء الباب .
أما المهر كزان محصن وحربي ومرتد فلا تجب مراعاة هذا الترتيب فيه بل له العدول إلى قتله لعدم حرمته ( فإن ) ( فالمذهب وجوبه ) ; لأنه مأمور بتخليص نفسه بالأسهل فالأسهل ( وتحريم قتال ) فإن لم يفعل وقاتله فقتله [ ص: 28 ] لزمه القصاص كما اقتضاه كلامهم ، وهو المعتمد خلافا لما اقتضاه كلام صال محترم على نفسه و ( أمكن هرب ) أو تحصن منه بشيء وظن النجاة به ، وإن لم يتيقنها البغوي ، ولو لم يلزمه كما بحثه صيل على ماله ولم يمكنه الهرب به الأذرعي أن يهرب ويدعه له أو على بضعه ثبت إن أمن على نفسه بناء على وجوب الدفع عنه على ما قاله بعضهم ، والأقرب وجوب الهرب هنا إن أمكن أيضا ، ومحل قولهم يجب الدفع عنه حيث تعين طريقا بأن لم يمكنه هرب أو نحوه ، ولو لم يجب هرب بل يحرم إن حرم الفرار ، والقول الثاني لا يجب ، والطريق الثاني حمل نص الهرب على من تيقن النجاة به ونص عدمه على من لم يتيقن ( ولو ) صال عليه مرتد أو حربي ( خلصها ) منه بفك لحي فضرب فم فسل يد ففقء عين فقلع لحي فعصر خصية فشق بطن ومتى انتقل لمرتبة مع إمكان أخف منها ضمن نظير ما مر ، وقد أشار إلى هذا الترتيب بقوله ( بالأسهل من فك لحييه ) أي رفع أحدهما عن الآخر من غير كسر ولا جرح ( وضرب شدقيه ) ولا يلزمه تقديم إنذار بالقول يعلم عدم إفادته ( فإن عجز ) عن واحد منهما بل أو لم يعجز كما اقتضاه كلام ( عضت يده ) مثلا رحمه الله وكثيرين . الشافعي
قال الأذرعي : والوجه الجزم به إذا ظن أنه لو رتب أفسدها العاض قبل تخليصها من فيه فبادر ( فسلها فندرت ) بالنون ( أسنانه ) أي سقطت ( فهدر ) لخبر { أنه صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بعدم الدية } والعاض المظلوم [ ص: 29 ] كالظالم إذ العض لا يجوز بحال ، وزعم أن قضية كلام المصنف التخيير بين الفك والضرب ، وليس كذلك بل الفك مقدم ; لأنه أسهل غير صحيح ; لأنه لم يخير بين الشيئين ، بل أوجب الأسهل منهما وهو الفك كما تقرر ، ولو تنازعا في إمكان الدفع بأيسر مما دفع به صدق المعضوض بيمينه كما جزم به في البحر ومثله في ذلك كل صائل كما قاله الأذرعي ، نعم لو كدخوله عليه بالسيف مسلولا أو إشرافه على حرمه اختلفا في أصل الصيال لم يقبل قول نحو القاتل إلا ببينة أو قرينة ظاهرة