، وخرج بما مر ما لو ضحى عن غيره أو ارتد فلا يجوز له الأكل منها كما لا يجوز إطعام كافر منها مطلقا ، ويؤخذ من ذلك امتناع إعطاء الفقير والمهدى إليه منها شيئا للكافر ، إذ القصد منها إرفاق المسلمين بالأكل لأنها ضيافة الله لهم فلم يجز لهم تمكين غيرهم منه لكن في المجموع أن مقتضى المذهب الجواز ( و ) له ( وله ) أي المضحي عن نفسه إن لم يرتد ( الأكل من أضحية تطوع ) وهديه بل يندب أما الواجبة فيمتنع أكله منها سواء في ذلك المعينة ابتداء أو عما في الذمة كما علم مما مر نيئا ومطبوخا لقوله تعالى { ( إطعام الأغنياء ) المسلمين وأطعموا القانع والمعتر } أي السائل والمتعرض للسؤال ( لا تمليكهم ) شيئا من ذلك ليتصرفوا فيه بالبيع ونحوه ، لأن الآية دلت على الإطعام لا على التمليك ، نعم يرسل لهم ذلك على سبيل الهدية ويتصرفون فيه بنحو أكل وتصدق وضيافة لغني أو فقير ، إذ غاية المهدى إليه أن يكون كالمضحي ، نعم يتجه كما بحثه البلقيني ملكهم لما أعطاه الإمام لهم من ضحية بيت المال ( ويأكل ثلثا ) أي لا أن المراد ندب أكل ذلك المقدار ، إذ السنة أن لا يأكل منها إلا لقما يسيرة يتبرك بها ، ودون ذلك أكل الثلث والتصدق بالباقي ، ودونه أكل ثلث وتصدق بثلث وإهداء ثلث قياسا على هدي التطوع الوارد فيه { يندب للمضحي عن نفسه أن لا يزيد في الأكل عليه فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } أي الشديد الفقر .
( وفي قول ) قديم يأكل ( نصفا ) أي يندب أن لا يزيد عليه ويتصدق بالباقي ( والأصح وجوب تصدق ) أي إعطاء ولو من غير لفظ تملك كما كادوا أن يطبقوا عليه حيث أطلقوا هنا التصدق ، وعبروا في الكفارة بأنه لا بد فيها من التمليك ، وما في المجموع عن الإمام وغيره أنهما قاسا هذا عليها وأقرهما ، فالظاهر أخذا من كلام الأذرعي أنه مقالة ، ويفرق بأن المقصود من التضحية مجرد الثواب فيكفي فيه مجرد الإعطاء لأنه يحصله ومن الكفارة تدارك الجناية بالإطعام فأشبه البدل والبدلية تستدعي تمليك البدل فوجب [ ص: 142 ] ولو على فقير واحد ( ببعضها ) مما ينطلق عليه الاسم فيحرم عليه أكل جميعه لأن المقصود إرفاق المساكين ، ولا يحصل ذلك بمجرد إراقة الدم ، ولا يغني عن ذلك الهدية ولا الجلد ونحوه من كبد وكرش وكذا ولد ، بل له أكله كله وإن انفصل قبل ذبحها ، نعم يتجه عدم الاكتفاء باليسير التافه جدا ويقيد به إطلاقهم ، ويجب دفع القدر الواجب نيئا لا قديدا ، والأوجه عدم الاكتفاء بالشحم إذ لا يسمى لحما ، وللفقير التصرف في المأخوذ ببيع وغيره : أي لمسلم كما علم مما مر ويأتي ولو أكل الجميع أو أهداه غرم ما ينطلق عليه الاسم ويأخذ بثمنه شقصا إن أمكن وإلا فلا ، وله تأخيره عن الوقت لا الأكل منه .
ومقابل الأصح لا يجب التصدق ، ويكفي في الثواب إراقة الدم بنية القربة ( والأفضل ) تصدقه ( بكلها ) لأنه أقرب إلى التقوى وأبعد عن حظ النفس ( إلا لقما يتبرك بأكلها ) للآية والأخبار ، ويؤخذ من ذلك أن الأفضل كبدها لخبر { البيهقي } وحيث تصدق بالبعض وأكل الباقي أثيب عن التضحية بالكل وعلى ما تصدق به ، وله من غير كراهة ادخار لحمها ولو زمن غلاء والنهي عن ذلك منسوخ ، ويجوز صرفها إلى مكاتب لا عند ما لم يكن رسولا لغيره ، ولو مات المضحي وعنده شيء من لحمها كان يجوز له أكله فلوارثه أكله ، ويمتنع أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل من كبد أضحيته كالزكاة نقلها عن بلد الأضحية ، ويحرم عليه وعلى وارثه بيعه كسائر أجزائها وإجارته وإعطاؤه أجرة للجزار لخبر { ( ويتصدق بجلدها أو ينتفع به ) بنفسه أو يعيره لغيره } ولزوال ملكه عنها بذبحها فلا تورث عنه ، لكن يتجه كما بحثه من باع جلد أضحيته فلا أضحية له السبكي أن لوارثه ولاية قسمته والنفقة كهو أما الواجبة فيلزمه التصدق بنحو جلدها ( وولد الواجبة ) المنفصل كما أشعر به التعبير بولد ، ويذبح كما يفيد ذلك قولهم في باب الوقف إن الحمل قبل انفصاله لا يسمى ولدا ( يذبح ) وجوبا سواء المعينة ابتداء أم عما في الذمة علقت به قبل النذر أم بعده لتبعيته لها .
فإن ماتت [ ص: 143 ] أمه بقي أضحية ( وله أكل كله ) لأنه جزء منها غير مستقل بالأضحية فأشبه اللبن ، ولأن التصدق إنما يجب بما يقع عليه اسم الأضحية أصالة والولد ليس كذلك ، ولزوم ذبحه معها تبعا لها كما يجوز أكل جنين المذكاة تبعا وكأنه ذبح معها ، ولهذا جاز للموقوف عليه أكل الولد الحادث ولا يكون وقفا ، فكذا الولد هنا ، وهذا ما نقله في الروضة عن ترجيح الغزالي وجزم به ابن المقري في روضه وهو المعتمد وليس مبنيا على القول بجواز أكله من أمه خلافا لجمع متأخرين ، وعلم بالأولى حل جنينها المذكى بذكاتها ، ولا ينافي ما تقرر عدم إجزاء الأضحية بحامل وأن الحمل عيب يمنع الإجزاء كما مر إذ الحامل لم تقع أضحية وإن تعينت بالنذر ، ولا يلزم من ذلك وقوعها أضحية كما لو عينت به معيبة بعيب آخر على أنه لو قيل بوقوعها أضحية وحمله على حملها بعد النذر ووضعها قبل الذبح لم يبعد