الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وله ) أي المضحي عن نفسه إن لم يرتد ( الأكل من أضحية تطوع ) وهديه بل يندب أما الواجبة فيمتنع أكله منها سواء في ذلك المعينة ابتداء أو عما في الذمة ، وخرج بما مر ما لو ضحى عن غيره أو ارتد فلا يجوز له الأكل منها كما لا يجوز إطعام كافر منها مطلقا ، ويؤخذ من ذلك امتناع إعطاء الفقير والمهدى إليه منها شيئا للكافر ، إذ القصد منها إرفاق المسلمين بالأكل لأنها ضيافة الله لهم فلم يجز لهم تمكين غيرهم منه لكن في المجموع أن مقتضى المذهب الجواز ( و ) له ( إطعام الأغنياء ) المسلمين كما علم مما مر نيئا ومطبوخا لقوله تعالى { وأطعموا القانع والمعتر } أي السائل والمتعرض للسؤال ( لا تمليكهم ) شيئا من ذلك ليتصرفوا فيه بالبيع ونحوه ، لأن الآية دلت على الإطعام لا على التمليك ، نعم يرسل لهم ذلك على سبيل الهدية ويتصرفون فيه بنحو أكل وتصدق وضيافة لغني أو فقير ، إذ غاية المهدى إليه أن يكون كالمضحي ، نعم يتجه كما بحثه البلقيني ملكهم لما أعطاه الإمام لهم من ضحية بيت المال ( ويأكل ثلثا ) أي يندب للمضحي عن نفسه أن لا يزيد في الأكل عليه لا أن المراد ندب أكل ذلك المقدار ، إذ السنة أن لا يأكل منها إلا لقما يسيرة يتبرك بها ، ودون ذلك أكل الثلث والتصدق بالباقي ، ودونه أكل ثلث وتصدق بثلث وإهداء ثلث قياسا على هدي التطوع الوارد فيه { فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } أي الشديد الفقر .

                                                                                                                            ( وفي قول ) قديم يأكل ( نصفا ) أي يندب أن لا يزيد عليه ويتصدق بالباقي ( والأصح وجوب تصدق ) أي إعطاء ولو من غير لفظ تملك كما كادوا أن يطبقوا عليه حيث أطلقوا هنا التصدق ، وعبروا في الكفارة بأنه لا بد فيها من التمليك ، وما في المجموع عن الإمام وغيره أنهما قاسا هذا عليها وأقرهما ، فالظاهر أخذا من كلام الأذرعي أنه مقالة ، ويفرق بأن المقصود من التضحية مجرد الثواب فيكفي فيه مجرد الإعطاء لأنه يحصله ومن الكفارة تدارك الجناية بالإطعام فأشبه البدل والبدلية تستدعي تمليك البدل فوجب [ ص: 142 ] ولو على فقير واحد ( ببعضها ) مما ينطلق عليه الاسم فيحرم عليه أكل جميعه لأن المقصود إرفاق المساكين ، ولا يحصل ذلك بمجرد إراقة الدم ، ولا يغني عن ذلك الهدية ولا الجلد ونحوه من كبد وكرش وكذا ولد ، بل له أكله كله وإن انفصل قبل ذبحها ، نعم يتجه عدم الاكتفاء باليسير التافه جدا ويقيد به إطلاقهم ، ويجب دفع القدر الواجب نيئا لا قديدا ، والأوجه عدم الاكتفاء بالشحم إذ لا يسمى لحما ، وللفقير التصرف في المأخوذ ببيع وغيره : أي لمسلم كما علم مما مر ويأتي ولو أكل الجميع أو أهداه غرم ما ينطلق عليه الاسم ويأخذ بثمنه شقصا إن أمكن وإلا فلا ، وله تأخيره عن الوقت لا الأكل منه .

                                                                                                                            ومقابل الأصح لا يجب التصدق ، ويكفي في الثواب إراقة الدم بنية القربة ( والأفضل ) تصدقه ( بكلها ) لأنه أقرب إلى التقوى وأبعد عن حظ النفس ( إلا لقما يتبرك بأكلها ) للآية والأخبار ، ويؤخذ من ذلك أن الأفضل كبدها لخبر البيهقي { أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل من كبد أضحيته } وحيث تصدق بالبعض وأكل الباقي أثيب عن التضحية بالكل وعلى ما تصدق به ، وله من غير كراهة ادخار لحمها ولو زمن غلاء والنهي عن ذلك منسوخ ، ويجوز صرفها إلى مكاتب لا عند ما لم يكن رسولا لغيره ، ولو مات المضحي وعنده شيء من لحمها كان يجوز له أكله فلوارثه أكله ، ويمتنع نقلها عن بلد الأضحية كالزكاة ( ويتصدق بجلدها أو ينتفع به ) بنفسه أو يعيره لغيره ، ويحرم عليه وعلى وارثه بيعه كسائر أجزائها وإجارته وإعطاؤه أجرة للجزار لخبر { من باع جلد أضحيته فلا أضحية له } ولزوال ملكه عنها بذبحها فلا تورث عنه ، لكن يتجه كما بحثه السبكي أن لوارثه ولاية قسمته والنفقة كهو أما الواجبة فيلزمه التصدق بنحو جلدها ( وولد الواجبة ) المنفصل كما أشعر به التعبير بولد ، ويذبح كما يفيد ذلك قولهم في باب الوقف إن الحمل قبل انفصاله لا يسمى ولدا ( يذبح ) وجوبا سواء المعينة ابتداء أم عما في الذمة علقت به قبل النذر أم بعده لتبعيته لها .

                                                                                                                            فإن ماتت [ ص: 143 ] أمه بقي أضحية ( وله أكل كله ) لأنه جزء منها غير مستقل بالأضحية فأشبه اللبن ، ولأن التصدق إنما يجب بما يقع عليه اسم الأضحية أصالة والولد ليس كذلك ، ولزوم ذبحه معها تبعا لها كما يجوز أكل جنين المذكاة تبعا وكأنه ذبح معها ، ولهذا جاز للموقوف عليه أكل الولد الحادث ولا يكون وقفا ، فكذا الولد هنا ، وهذا ما نقله في الروضة عن ترجيح الغزالي وجزم به ابن المقري في روضه وهو المعتمد وليس مبنيا على القول بجواز أكله من أمه خلافا لجمع متأخرين ، وعلم بالأولى حل جنينها المذكى بذكاتها ، ولا ينافي ما تقرر عدم إجزاء الأضحية بحامل وأن الحمل عيب يمنع الإجزاء كما مر إذ الحامل لم تقع أضحية وإن تعينت بالنذر ، ولا يلزم من ذلك وقوعها أضحية كما لو عينت به معيبة بعيب آخر على أنه لو قيل بوقوعها أضحية وحمله على حملها بعد النذر ووضعها قبل الذبح لم يبعد

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : كما لا يجوز إطعام كافر ) دخل في الإطعام ما لو ضيف الفقير أو المهدى إليه الغني كافرا فلا يجوز ، نعم لو اضطر الكافر ولم يجد ما يدفع ضرورته إلا لحم الأضحية فينبغي أن يدفع له منه ما يدفع ضرورته ويضمنه الكافر ببدله للفقراء ولو كان الدافع له غنيا كما لو أكل المضطر طعام غيره فإنه يضمنه بالبدل ، ولا تكون الضرورة مبيحة له إياه مجانا ( قوله : مطلقا ) أي فقيرا أو غنيا مندوبة أو واجبة ( قوله ويؤخذ من ذلك ) أي حرمة الإطعام ( قوله : والمهدى إليه منها شيئا للكافر ) أي ولو ببيع كما يأتي ( قوله : وله إطعام الأغنياء ) لم يبينوا المراد بالغني هنا ، وجوز م ر أنه من تحرم عليه الزكاة والفقير هنا من تحل له الزكاة انتهى سم على منهج ( قوله : لا تمليكهم ) أي كأن يقول ملكتكم هذا لتتصرفوا فيه بما شئتم ( قوله : وضيافة لغني ) أي ولا يتصرفون فيه بنحو البيع ( قوله ملكهم ) أي الأغنياء ، وظاهره أنهم يتصرفون فيه حتى بالبيع ( قوله : وما في المجموع ) أي وأما ما في المجموع إلخ بدليل الفاء [ ص: 142 ] في قوله فالظاهر إلخ ( قوله : ببعضها ) أي المندوبة ( قوله : ولا يغني عن ذلك الهدية ) أي للأغنياء ( قوله : باليسير التافه جدا ) أي فلا بد أن يكون له وقع في الجملة كرطل ( قوله : من كبد أضحيته ) أي غير الأولى لما تقدم أنها واجبة عليه ، ومنه يؤخذ أن الواجب يسقط بالأولى ( قوله : أثيب على التضحية ) أي ثواب الضحية المندوبة ( قوله : وعلى ما تصدق ) ثواب الصدقة ( قوله : ويجوز صرفها ) أي الأضحية ( قوله : ويمتنع نقلها ) أي نقل الأضحية مطلقا سواء المندوبة والواجبة .

                                                                                                                            والمراد من المندوبة حرمة نقل ما يجب التصدق به منها ، وقضية قوله كالزكاة أنه يحرم النقل من داخل السور إلى خارجه وعكسه ( قوله ويتصدق بجلدها ) هل يكفي في حصول السنة أن يجعل الجلد من الثلث الذي يتصدق به على الفقراء بأن يقومه وتنسب قيمته إلى قيمة الأضحية بكمالها ويضم له من اللحم ما يبلغ به قيمة ثلث الأضحية ، أو لا تحصل السنة إلا بالتصدق بثلث اللحم ، وأما الجلد فلا ينظر إليه في شيء من الأحوال التي طلبت في الأضحية المطلوبة فيه نظر .

                                                                                                                            وقضية قول المصنف السابق وله الأكل من أضحية تطوع إلى آخر ما ذكره من التفصيل هو الأول حيث لم يقيد الثلث الذي يتصدق به منها بخصوص اللحم .

                                                                                                                            لا يقال : التعبير بالأكل يقتضي التخصيص باللحم .

                                                                                                                            لأنا نقول : هو لم يعتبر الأكل في الأقسام الثلاثة بل قال وله الأكل من أضحية تطوع فجعل الأضحية كلا والمأكول بعضا منها وهو لا يقتضي تخصيص الأضحية باللحم ( قوله : والنفقة ) أي مؤن [ ص: 143 ] الذبح ، وقوله المنفصل : أي بعد النذر ( قوله : وله أكل كله ) أي ما لم تمت أمه لأنه بموتها يصير أضحية فيجب التصدق بجميعه ( قوله : خلافا لجمع ) منهم حج ( قوله : كما لو عينت به ) أي النذر ( قوله : بعيب آخر ) أي غير الحمل ( قوله : بعد النذر ووضعها ) بل ينبغي أنه حيث نذر التضحية بها حائلا ثم حملت أنها تجزئ أضحية لما تقدم له بعد قول المصنف فإن تلفت قبله فلا شيء عليه من قوله أو تعيبت فضحية ولا شيء عليه



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : لكن في المجموع أن مقتضى المذهب الجواز ) أي وهو ضعيف كما يعلم مما يأتي قريبا في الشارح ( قوله : أي السائل والمتعرض للسؤال ) لا دليل فيه حينئذ ، وعبارة التحفة : قال مالك : وأحسن ما سمعت أن القانع السائع والمعتر الزائر والمشهور أنه المتعرض للسؤال انتهت [ ص: 142 ] قوله : أكل جميعه ) الظاهر جميعها ( قوله : إذ لا يسمى لحما ) أي غالبا ، وإلا فقد يسماه كما قدمه قريبا في قولهم ولا يبيع اللحم بالحيوان ( قوله : والأخبار ) عبارة التحفة : والاتباع وهي التي يستقيم معها قوله بعد ويؤخذ من ذلك إلخ كما لا يخفى ( قوله : أم عما في الذمة ) يجب حذف أم لانتفاء شرطها هنا [ ص: 143 ] قوله : وعلم بالأولى حل جنينها ) في الأولوية نظر لا يخفى ، وإنما الأولوية في حرمة أكله إذا قلنا بحرمة أكل المنفصل كما في التحفة ( قوله : ولا ينافي ما تقرر ) لا يخفى ما في هذا الكلام ، وعبارة التحفة : فإن قلت : كيف يلائم هذا ما مر أن الحمل عيب يمنع الإجزاء ؟ قلت : لم يقولوا هنا إن الحامل وقعت أضحية ، وإنما الذي دل عليه كلامهم إن الحامل إذا عينت بنذر تعينت ولا يلزم من ذلك وقوعها أضحية كما لو عينت به معيبة بعيب آخر ، على أنهم لو صرحوا بوقوعها أضحية تعين حمله على ما إذا حملت بعد النذر ووضعت قبل الذبح انتهت




                                                                                                                            الخدمات العلمية