( ولو ) ( أكل ) منه حتما ما يسد رمقه فقط أو ما يشبعه بشرطه وإن كان معسرا للضرورة ، ولأن الذمم تقوم مقام الأعيان ( وغرم ) عند قدرته مثله إن كان مثليا وقيمته إن كان متقوما حفظا لحق المالك . فإن كان مالكه الغائب مضطرا اتجه منع أكله إن كان قريبا بحيث يتمكن من زوال اضطراره به دون غيره ، وغيبة ولي المحجور كغيبة المالك وحضوره كحضوره ، ويجوز له بيع ماله نسيئة هنا وبلا رهن للضرورة وإن امتنع في غير ذلك ( أو ) وجد وهو غير نبي طعام ( حاضر مضطر لم يلزمه بذله ) له ( إن لم يفضل عنه ) بل هو أولى لخبر { ( وجد ) مضطر ( طعام غائب ) ( ولم يجد سواه ) } أما النبي فيجب على غيره إيثاره على نفسه وإن لم يطلب ، ولو كان بيد إنسان ميتة قدم بها ذو اليد على غيره كسائر المباحات خلافا ابدأ بنفسك للقاضي ، فإن فضل عن سد رمقه شيء لزمه بذله كما بحثه الزركشي وإن احتاج إليه مآلا ( فإن آثر ) في هذه الحالة وهو ممن يصبر على الإضاقة على نفسه مضطرا ( مسلما ) معصوما ( جاز ) بل ندب قوله تعالى { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } [ ص: 162 ] أما المسلم غير المضطر والذمي والبهيمة والمسلم المهدر فيمتنع إيثاره ( أو ) وجد طعام حاضر ( غير مضطر لزمه ) أي مالك الطعام ( إطعام ) أي سد رمق ( مضطر ) أو إشباعه على ما مر معصوم مسلم ( أو ذمي ) أو مؤمن وإن احتاجه المالك مآلا للضرورة الناجزة .
وكذا بهيمة لغيره محترمة ، بخلاف نحو حربي ومرتد وزان محصن وكلب عقور ، وعليه ، وله الأكل من لحمها لأنها ذبحت للأكل ، ويجب إطعام نحو صبي وامرأة حربيين اضطر قبل استيلاء عليهما وبعده ، ولا يعارضه ما مر من حل قتلهما لأنه ثم لضرورة فلم يكن منافيا لاحترامهما هنا وإن كانا غير معصومين في نفسهما كما مر آنفا ( فإن منع ) المالك من إطعامه ولا اضطرار به أو طلب منه زيادة على ثمن مثله بقدر لا يتغابن به ( فله ) أي المضطر ولا يلزمه وإن أمن ( قهره ) على أخذه ( وإن قتله ) ويكون مهدرا وإن قتل المالك المضطر في الدفع عن طعامه لزمه القصاص ، وإن منع منه الطعام فمات جوعا فلا ضمان إذ لم يحدث فيه فعلا مهلكا . ذبح شاته لإطعام كلبه المنتفع به
وقضية كلامهم أن للمضطر الذمي قتل المسلم المانع له إذا أدى دفعه إلى ذلك . قيل وهو الظاهر . ولا ينافيه ما مر من عدم جواز أكله ميتة المسلم لانتفاء تقصير المأكول منه ثم يوجه بخلاف الممتنع مهدر لنفسه بعصيانه بالمنع والمعتمد خلافه ، أما إذا رضي ببذله له بثمن مثله ولو بزيادة يتغابن بها فيلزمه قبوله بها ويمتنع عليه القهر ( وإنما يلزمه ) أي المالك بذل ما ذكر للمضطر ( بعوض ناجز ) هو ثمن المثل زمانا ومكانا ( إن حضر ) معه ( وإلا ) بأن لم يحضر معه عوض بأن غاب ماله ( ف ) لا يلزمه بذله مجانا مع اتساع الوقت بل بعوض ( بنسيئة ) ممتدة لزمن وصوله ، ودعوى أنه يبيعه بحال ولا يطالبه به إلا عند يساره مردودة لأنه قد يطالبه به قبل وصوله لماله مع عجزه عن إثبات إعساره فيحبسه ، أما إذا لم يكن له مال أصلا فلا معنى لوجوب الأجل لأنه لا حد لليسار يؤجل إليه .
أما مع الضيق للوقت عن تقدير عوض بأن كان لو قدر مات فيلزمه إطعامه مجانا ، ولو اشتراه بأكثر من ثمن مثله ولو بأكثر مما يتغابن به وهو قادر على قهره وأخذه منه [ ص: 163 ] لزمه ذلك ، وكذا لو عجز عن قهره وأخذه ، ولا أجرة لمن خلص مشرفا على هلاك مع ضيق الوقت عن تقدير الأجرة للزوم ذلك عليه مجانا حينئذ ، فإن اتسع لم يجب تخليصه إلا بها ، كذا قاله ابن المقري في روضه ( فلو أطعمه ولم يذكر عوضا فالأصح لا عوض ) حملا له على المسامحة المعتادة في الطعام لا سيما في حق المضطر .
والثاني يلزمه لأنه خلصه من الهلاك بذلك فيرجع عليه بالبدل ، وقول الشارح كما في العفو عن القصاص يلزمه معه الدية مفرع على رأي مرجوح في ذلك ، ومحل الخلاف ما لم يصرح بالإباحة ، فإن صرح بها فلا عوض قطعا .
قال البلقيني : وكذا لو ظهرت قرينتها ، فإن اختلفا في ذكر العوض صدق المالك بيمينه ، إذ لو لم يصدقه لرغب الناس عن إطعام المضطر وأفضى ذلك إلى الضرر