لانسداد طريق المعرفة مع اشتباه الأصوات وإمكان التصنع فيها ، ومثله من يدرك الأشخاص ولا يميزها ، وإنما جاز له وطء زوجته اعتمادا على صوتها لكونه أخف ، ولذا نص ( ولا يقبل أعمى ) على حل وطئها اعتمادا على لمس علامة يعرفها فيها وإن لم يسمع صوتها ، وعلى أن من زفت له زوجته أن يعتمد قول امرأة هذه زوجتك ويطؤها ، بل ظاهر كلامهم جواز اعتماده على قرينة قوية أنها زوجته وإن لم يخبره أحد بذلك ( إلا أن يقر ) إنسان لمعروف الاسم والنسب ( في أذنه ) بنحو مال أو طلاق أو لا في أذنه بأن تكون يده بيده وهو بصير حال الإقرار ( فيتعلق به حتى يشهد عند قاض به على الصحيح ) لحصول العلم بأنه المشهود عليه وإن لم يكن في خلوة ، وتقبل شهادته أيضا بالاستفاضة كالموت وغيره مما يأتي إذا لم يحتج إلى تعيين وإشارة ، وكذا في الترجمة أو مع وضع يده على ذكر بفرج فيمسكها حتى يشهد عليها بذلك عند قاض لأنه [ ص: 317 ] أبلغ من الرؤية وفيما إذا كان جالسا بفراش غيره فيتعلق به حتى يشهد عليه . والثاني المنع حسما للباب ( ولو ) الشافعي ( شهد إن كان المشهود له و ) المشهود ( عليه معروفي الاسم والنسب ) فقال أشهد أن فلان ابن فلان فعل كذا أو أقر به لأنه في هذا كالبصير ، بخلاف ما إذا لم يعرف ذلك ، وما بحثه ( حملها ) أي الشهادة ( بصير ثم عمي ) الأذرعي من قبول شهادته على زوجته في حال خلوته بها وعلى بعضه إذا عرف خلوه به للقطع بصدقه حينئذ محل توقف ، والفرق بينه وبين ما مر في قولنا نعم لو علمه ببيت إلى آخره ظاهر فإن البصير يعلم أنه ليس ثم من يشتبه به ، بخلاف الأعمى وإن اختلى به ( ومن سمع قول شخص أو رأى فعله ، فإن عرف عينه واسمه ونسبه ) أي أباه وجده ( شهد عليه في حضوره إشارة ) إليه ولا يكفي مجرد ذكر الاسم والنسب ( و ) شهد عليه ( عند غيبته ) المجوزة للدعوى عليه ( وموته باسمه ونسبه ) معا لحصول التمييز بها دون أحدهما . أما لو لم يعرف اسم جده فيجزئه الاقتصار على ذكر اسمه إن عرفه القاضي بذلك وإلا فلا كما أفاده في المطلب جامعا به بين كلامهم الظاهر التنافي . ويكفي لقب خاص كسلطان مصر فلان بعد موته . قال غيره : وبه يزول الإشكال في الشهادة على عتقاء السلطان والأمراء وغيرهم ، فإن الشهود لا تعرف أنسابهم مع ما يميزهم من أوصافهم ، وعليه العمل عند الحكام ، وارتضاه البلقيني وغيره . قال بعض الشراح : وقد اعتمدت شهادة من شهد على فلان التاجر بدكان كذا في سوق كذا إلى وقت وفاته وعلم أنه لم يسكنه في ذلك الوقت غيره وحكمت بها . واعلم أنه يقع كثيرا اعتماد الشهود في الاسم والنسب على قول المشهود عليه ، ثم يشهد بهما في غيبته وذلك لا يجوز اتفاقا كما قاله ابن أبي الدم ، وصريح كلام المصنف الآتي في قوله لا بالاسم والنسب ما لم يثبتا ذاك عليه ، ويلزمه مثلا أن يكتب أقر مثلا من ذكر أن اسمه ونسبه كذا ، ولا يجوز فلان بن فلان ، نعم لو لم يعرفهما إلا بعد التحمل جاز له الجزم بهما . ومن طرق معرفتهما أن تقام بهما بينة حسبة لما مر من ثبوته بها إلا أن يسمعهما من عدلين . قال القفال : بل لو سمعه من ألف رجل لم يجز حتى يتكرر ويستفيض عنده ، وكأنه أراد بذلك مجرد المبالغة وإلا فهذا تواتر يفيد العلم الضروري ، وقد تساهلت جهلة الشهود في ذلك حتى عظمت به البلية وأكلت به الأموال ، فإنهم يعتمدون من يتردد عليهم ويسجلون ذلك [ ص: 318 ] ويحكم بهما القضاة ( فإن جهلهما ) أي الاسم والنسب أو أحدهما ( لم يشهد عند موته وغيبته ) لانتفاء الفائدة به ، بخلاف ما إذا حضر وأشار إليه ، فإن مات ولم يدفن أحضر ليشهد على عينه إن لم يترتب على ذلك نقل محرم ولا تغير له ، أما بعد دفنه فلا يحضر وإن أمن تغيره واشتدت الحاجة لحضوره خلافا للغزالي كما مر في الجنائز ( ولا يصح تحمل شهادة على منتقبة ) بنون ثم تاء من انتقبت للأداء عليها ( اعتمادا على صوتها ) كما لا يتحمل بصير في ظلمة اعتمادا عليه لاشتباه الأصوات ولا أثر لحائل رقيق ، وأفهم قوله اعتمادا أنه لو سمعها فتعلق بها إلى قاض وشهد عليها جاز كالأعمى بشرط أن يكشف نقابها ليعرف القاضي صورتها ، قال جمع : ولا ينعقد نكاح منتقبة إلا إن عرفها الشاهدان اسما ونسبا أو صورة ، أما لو تحملا على منتقبة بوقت كذا بمجلس كذا وشهد آخران أن هذه الموصوفة فلانة بنت فلان جاز وثبت الحق بالبينتين ، ولو شهد على امرأة باسمها ونسبها فسألهم الحاكم أتعرفون عينها ؟ أم اعتمدتم صوتها لم تلزمهم إجابته ، ومحله كما علم مما مر في مشهوري الديانة والضبط قاله الأذرعي والزركشي وغيرهما ( فإن عرفها بعينها أو باسم ونسب جاز ) تحمله عليها ، ولا يضر النقاب بل لا يجوز كشف الوجه حينئذ ( ويشهد عند الأداء بما يعلم ) مما مر من اسم ونسب ، فإن لم يعرف ذلك كشف وجهها وضبط حليتها وكذا يكشفه عند الأداء ( ولا يجوز ) ( على الأشهر ) الذي عليه الأكثرون بناء على المذهب أن التسامع لا بد من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب ، نعم إن قالا نشهد أن هذه فلانة ابنة فلان كانا شاهدي أصل فتجوز الشهادة على شهادتهما بشرطه ( والعمل ) من الشهود لا من الأصحاب كما أفاده ( التحمل عليها ) أي المنتقبة ( بتعريف عدل أو عدلين ) البلقيني ( على خلافه ) وهو الاكتفاء بالتعريف من عدل وجرى عليه جمع حتى بالغ بعضهم وجوز اعتماد قول ولدها الصغير وهي بين نسوة هذه أمي ( ولو قامت بينة على عينه بحق ) أو ثبت بعلم الحاكم مثلا ( فطلب المدعي التسجيل ) بذلك ( سجل ) له ( القاضي ) جوازا ( بالحلية لا الاسم والنسب ) فيمتنع تسجيله بهما ( ما لم يثبتا ) عنده بالبينة ولو [ ص: 319 ] على وجه الحسبة أو بعلمه لتعذر التسجيل على الغير فيكتب حضر رجل ذكر أنه فلان بن فلان ومن حليته كذا ويذكر أوصافه الظاهرة خصوصا دقيقها ، ومر أنه لا يكفي فيهما قول مدع ولا قول مدعى عليه فإن نسبه لا يثبت بإقراره ( وله الشهادة بالتسامع ) حيث لم يعارضه أقوى منه كإنكار المنسوب إليه أو طعن أحد في الانتساب إليه ، نعم يتجه أنه لا بد من طعن لم تقم قرينة على كذب قائله ( على نسب ) لذكر أو أنثى كائن ( من أب وقبيلة ) كهذا ولد فلان أو من قبيلة كذا لتعذر اليقين فيهما إذ مشاهدة الولادة لا تفيد إلا الظن فسومح في ذلك . قال الزركشي : أو على كونه من بلد كذا المستحق من ريع الوقف على أهلها ونحو ذلك ( وكذا أم ) فتقبل بالتسامع على نسب منها ( في الأصح ) كالأب وإن تيقن مشاهدة الولادة . والثاني المنع لإمكان رؤية الولادة بخلاف العلوق ( وموت على المذهب ) كالنسب ، وقيل فيه وجهان كالولاء وما في معناه لأنه يمكن فيه المعاينة ( لا عتق وولاء ووقف ) أي أصله ( ونكاح وملك في الأصح ) لأن شهادتهما متيسرة وأسبابها غير متعذرة ( قلت : الأصح عند المحققين والأكثرين في الجميع الجواز ، والله أعلم ) لأنها أمور مؤبدة ، فإذا طالت عسر إثبات ابتدائها فمست الحاجة إلى إثباتها بالتسامع . وصورة استفاضة الملك أن يستفيض أنه ملك فلان من غير إضافة لسبب ، فإن استفاض سببه كالبيع لم يثبت بالتسامع إلا الإرث لكونه ينشأ عن السبب والموت وكل منهما يثبت بالتسامع ، وخرج بأصل الوقف شروطه وتفاصيله فلا يثبتان به ، وبحث البلقيني ثبوت شرط يستفيض غالبا ككونه على حرم مكة ، قال : ومحل الخلاف في غير حدود العقار فهي لا تثبت بذلك كما قاله ابن عبد السلام وإن اقتضى كلام خلافه ، ومما يثبت بذلك ولاية قاض واستحقاق زكاة ورضاع وجرح وتعديل وإعسار ورشد وأن هذا وارث فلان أو لا وارث له غيره ( وشرط التسامع ) ليستند له في الشهادة بما ذكر ( سماعه ) أي المشهود به فهو مصدر مضاف للمفعول ( من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب ) ويحصل الظن القوي بصدقهم وهذا لازم لما قبله فسقط القول بأنه لا بد من ذكره ولا يشترط فيهم حرية ولا ذكورة ولا عدالة ، وقضية تشبيههم هذا بالتواتر عدم اشتراط إسلامهم ، لكن أفتى أبي حامد الوالد رحمه الله باشتراطه فيهم ، وفرق بينه وبين التواتر بضعف هذا لإفادته الظن القوي فقط ، بخلاف التواتر فيفيد العلم الضروري ( وقيل يكفي ) التسامع ( من عدلين ) إذا سكن القلب لخبرهما ، وعلى الأول لا بد من تكرره وطول مدته عرفا كما يعلم مما يأتي ، وشرط ابن أبي الدم أن لا يصرح بأن مستنده [ ص: 320 ] الإفاضة ومثلها الاستصحاب ، والأوجه أنه إن ذكره على وجه الريبة والتردد بطلت أو لتقوية كلام أو حكاية حال قبلت وكيفية أدائها أشهد أن هذا ولد فلان أو وقفه أو عتيقه أو ملكه أو هذه زوجته مثلا لا نحو أعتقه أو وقفه أو تزوجها لأنها صورة كذب لاقتضائه أنه رأى ذلك وشاهده لما مر في الشهادة بالقول والفعل