كتاب التدبير
هو لغة : النظر في عواقب الأمور .
وشرعا : تعليق عتق بالموت وحده أو مع شيء قبله ، سمي به لأن الموت دبر الحياة ، ولا يرد عليه العتق من رأس المال في إن مت فأنت حر قبل موتي بشهر فمات فجأة لأنه ليس فيه [ ص: 397 ] تعليق بالموت وإنما يتبين به أنه عتق قبله .
الأصل فيه قبل الإجماع { } . تقريره صلى الله عليه وسلم لمن دبر غلاما لا يملك غيره عليه
: مالك ، ويعتبر فيه تكليف إلا السكران ، واختيار ومحل ، ويعتبر فيه كونه قنا غير أم ولد كما يعلمان مما يأتي ; وأركانه ، وشرطها الإشعار به لفظا كانت أو كتابة أو إشارة ، وهي صريح أو كناية ، و ( صريحه ) ألفاظ ، منها ( أنت حر بعد موتي أو إذا مت أو متى مت فأنت حر ) أو عتيق ( أو أعتقتك ) أو حررتك ( بعد موتي ) ونحو ذلك من كل ما لا يحتمل غيره ، وما نازع به وصيغة البلقيني في أعتقتك أو حررتك من أنه وعد ، نحو إن أعطيتني ألف درهم طلقتك رد بأن ما بعد الموت لا يحتمل الوعد ، بخلاف ما في الحياة ( وكذا دبرتك أو أنت مدبر على المذهب ) إذ التدبير معروف في الجاهلية وقرره الشرع واشتهر معناه فلا يستعمل في غيره وبه فارق ما يأتي في كاتبتك أنه لا بد أن ينضم إليه ، فإذا أديت فأنت حر أو نحوه ، ولأنها قد تستعمل في المخارجة وقيل فيهما قولان نقلا وتخريجا .
أحدهما أنهما صريحان ، والثاني كنايتان لخلوهما عن لفظ الحرية والعتق ، ويصح تدبير نحو نصفه ، وإذا مات السيد عتق ذلك الجزء ولا سراية ، وفي دبرت يدك مثلا وجهان : أصحهما أنه تدبير صحيح في جميعه لأن كل تصرف قبل التعليق تصح إضافته إلى بعض محله وما لا فلا ، وظاهر أنه لو لفظ بصريح التدبير عجمي لا يعرف معناه لم يصح وأنه لو كسر التاء للمذكر وفتحها للمؤنث لم يضر ( ويصح بكناية عتق ) وهي ما يحتمل التدبير وغيره ( مع نية كخليت سبيلك بعد موتي ) أو إذا مت فأنت حر ونحو ذلك لأنه نوع من العتق فدخلته كنايته .
ومنها صريح الوقف كحبستك بعد موتي وعلم منه اعتبار مقارنتها للفظ ، ويأتي فيه ما مر في الطلاق وأن كنايات العتق كناية فيه وأن اشتهارها في الاستعمال لا يلحقها بالصريح ( ويجوز مقيدا ) فإن وجدت الصفة المذكورة ومات عتق وإلا فلا ، ونبه بقوله في ذا الشهر على أنه لا بد لصحته من إمكان وجود ما قيد به ، فلو قال : ( كإن مت في ذا الشهر أو ) هذا ( المرض فأنت حر ) لم يكن تدبيرا كما قاله في البحر ، ونقله إن مت بعد ألف سنة فأنت حر الزركشي وأقره وهو ظاهر ، ويشهد له نظائره ( ومعلقا ) على شرط لأنه إما وصية أو تعليق عتق بصفة وكل منهما يقبل التعليق ( فإن وجدت الصفة ومات عتق وإلا ) بأن لم توجد ( فلا ) يعتق ( ويشترط الدخول قبل موت السيد ) كسائر الصفات المعلق عليها ، وإن مات السيد قبل الدخول فلا تدبير ويلغى التعليق ، وقد علم أنه لا يصير مدبرا إلا بعد الدخول ( فإن ) ( كإن دخلت ) الدار ( فأنت حر بعد موتي ) كان تعليق عتق على صفة و ( اشترط دخول بعد موت ) عملا بمقتضى ثم ولو أتى بالواو كإن مت ودخلت فأنت حر فكذلك ، إلا أن يريد الدخول قبله فيتبع ، وهذا ما نقله في الروضة عن ( قال إن ) أو [ ص: 398 ] إذا ( مت ثم دخلت فأنت حر ) البغوي .
قال الإسنوي : ونقل عنه أيضا قبيل الخلع ما يوافقه وهو المعتمد وإن خالف في الطلاق فجزم فيما لو بأنه لا فرق بين تقدم الأول وتأخره ، ثم قال : وأشار في التتمة إلى وجه اشتراط تقدم الأول بناء على أن الواو تقتضي الترتيب ، وقول قال إن دخلت الدار وكلمت زيدا فأنت طالق الزركشي إن الصواب عدم الاشتراط هنا كما هناك وإلا فما الفرق ، يرد بأن الفرق أن الصفتين المعلق عليهما الطلاق من فعله فخير بينهما تقديما وتأخيرا .
وأما الصفة الأولى في مسألتنا ليست من فعله ، وذكر التي من فعله عقبها يشعر بتأخرها عنها ( وهو ) أي الدخول بعد الموت ( على التراخي ) بمعنى أنه لا يشترط فيه الفور لا أنه يشترط فيه التراخي وإن كان قضية ثم ، لكن وجهه أن خصوص التراخي لا غرض فيه يظهر غالبا فألغي النظر إليه بخلاف الفور في الفاء ، إذ لو عبر بها اشترط اتصال الدخول بالموت ، ولو ونوى شيئا عمل به وإلا حمل على الدخول أو المشيئة عقب الموت لأنه السابق إلى الفهم من تأخير المشيئة عن ذكره ( قال إذا مت فأنت حر إن دخلت أو إن شئت ) ونحوه من كل مزيل للملك ( قبل الدخول ) وعرضه عليه ، إذ ليس له إبطال تعليق الميت وإن كان للميت أن يبطله ، كما لو وليس للوارث بيعه وإن كان للموصي أن يبيعه ، ولو نجز عتقه هل يعتق أو لا ذهب بعضهم إلى ذلك ، والأوجه عدمه حيث كان يخرج كله من الثلث لما يلزم عليه من إبطال الولاء للميت وهو مقصود . أوصى لرجل بشيء ثم مات ليس للوارث بيعه
أما ما لا يزيل الملك كإيجار فله ذلك .
وأما لو عرض عليه الدخول فامتنع فله بيعه لا سيما حيث كان عاجزا لا منفعة [ ص: 399 ] فيه إذ يصير كلا عليه