الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 155 ] ( ولو نفل السرية ) هي قطعة من الجيش من أربعة إلى أربعمائة مأخوذة من السرى وهو المشي ليلا درر ( الربع وسمع العسكر دونها فلهم النفل ) استحسانا ظهيرية ، وجاز nindex.php?page=treesubj&link=8498_24012_26010التنفيل بالكل أو بقدر منه لسرية لا لعسكر والفرق في الدرر
( قوله ولو نفل السرية إلخ ) من فروع قوله وسماع القاتل إلخ ( قوله هي قطعة من الجيش إلخ ) قد علمت ما فيه قبل هذا الباب ( قوله الربع ) أي ربع الغنيمة أي بأن جعل لهم ربعها يأخذونه دون بقية العسكر زيادة على سهامهم ( قوله فلهم النفل ) أي للسرية والأولى أن يقول فلها لئلا يتوهم عود الضمير على العسكر ( قوله استحسانا ) والقياس أنه لا نفل لهم ; لأن المقصود التحريض ، ولا يحصل إذا لم يسمعه أحد منهم ، وتكلم الأمير بذلك في عسكره كتكلمه ليلا مع عياله وجه الاستحسان أن ما يتكلم به في عسكره يفشو عادة وأن عادة الملوك التكلم بين خواصهم وتمامه في شرح السير .
مطلب مهم في nindex.php?page=treesubj&link=8498_24012التنفيل العام بالكل أو بقدر منه ( قوله وجاز التنفيل بالكل ) بأن nindex.php?page=treesubj&link=24012_8498يقول للسرية ما أصبتم فهو لكم سوية بينكم ( قوله أو بقدر منه ) بأن يقول : ما أصبتم فلكم ثلثه سوية بينكم بعد الخمس أو يقول قبل الخمس : أي لكم ثلثه بعد إخراج الخمس أو قبل إخراجه أي ثلث الأربعة الأخماس أو ثلث الكل ( قوله والفرق في الدرر ) أي الفرق بين جواز التنفيل المذكور للسرية ، وعدم جوازه للعسكر ، لكنه لم يذكر في الدرر في الفرق إلا التنفيل بالكل ; لأنه يعلم منه الفرق في التنفيل بقدر منه ، وعبارة الدرر هكذا في النهاية عن السير الكبير : أن الإمام إذا قال لأهل العسكر جميعا ما أصبتم فلكم نفلا بالسوية بعد الخمس ، فهذا لا يجوز ، وكذا إذا قال ما أصبتم فلكم ولم يقل بعد الخمس فإن فعله مع السرية جاز ، وذلك أن المقصود من التنفيل التحريض على القتال ، وإنما يحصل ذلك بتخصيص البعض بشيء وفي التعميم إبطال تفضيل الفارس على الراجل وإبطال الخمس أيضا إذا لم يستثن ا هـ . قلت : وما ذكره من صحته للسرية صرح به في الهداية والاختيار والزيلعي : لكن نقل في البحر عن الكمال التسوية بين العسكر والسرية في عدم الصحة حيث قال : لو قال للعسكر كل ما أخذتم فهو لكم بالسوية بعد الخمس أو للسرية لم يجز ; لأن فيه إبطال السهمين اللذين أوجبهما الشرع ، إذ فيه تسوية الفارس بالراجل وكذا لو قال ما أصبتم فهو لكم ولم يقل بعد الخمس ; لأن فيه إبطال الخمس الثابت بالنص ذكره في السير الكبير قال الكمال : وهذا بعينه يبطل ما ذكرناه من قوله من أصاب شيئا فهو له لاتحاد اللازم فيهما ، وهو بطلان السهمين المنصوصين [ ص: 156 ] بالتسوية ، بل وزيادة حرمان من لم يصب شيئا أصلا بانتهائه فهو أولى بالبطلان ، والفرع المذكور من الحواشي وبه أيضا ينتفي ما ذكر أي صاحب الهداية من قوله إنه لو نفل بجميع المأخوذ جاز إذا رأى المصلحة وفيه زيادة إيحاش الباقين وزيادة الفتنة ا هـ وتبعه في النهر .
أقول وبالله سبحانه وتعالى التوفيق : لا تنافي بين ما نقله الجماعة وما نقله الكمال بحمل الأول على السرية المبعوثة من دار الحرب ، والثاني على المبعوثة من دار الإسلام ، وبه يندفع ما أورده الكمال على الفرع المنقول عن الحواشي وغيره ، كما يعلم مما ذكره الإمام السرخسي في السير الكبير في مواضع متفرقة منه . وحاصله : أن السرية إن كانت مبعوثة من دار الحرب بأن دخل الإمام مع الجيش ثم بعث سرية ونفل لهم ما أصابوا جاز ; لأنهم قبل التنفيل لا يختصمون بما أصابوا ، وهذا التنفيل للتخصيص على وجه التحريض ، وإن كانت السرية مبعوثة من دار الإسلام لم يكن له ذلك وكذا لو نفل لهم الثلث بعد الخمس ، أو قبل الخمس كان باطلا ; لأنه ما خص بعضهم بالتنفيل ، وليس مقصوده إلا إبطال الخمس أو إبطال تفضيل الفارس على الراجل فلا يجوز كما لو قال : لا خمس عليكم فيما أصبتم أو الفارس والراجل سواء فيما أصبتم فإنه يكون باطلا فكذا كل تنفيل لا يفيد إلا ذلك باطل ، بخلاف قوله : من قتل قتيلا فله سلبه ، ومن أصاب منكم شيئا فهو له دون باقي أصحابه فإنه يجوز ; لأن فيه معنى التخصيص للتحريض ، ; لأن القاتل يختص بالنفل ، دون باقي أصحابه .
وهذا وإن كان فيه إبطال الخمس عن الأسلاب ، لكن المقصود منه التحريض ، وتخصيص القاتلين بإبطال شركة العسكر عن الأسلاب ثم يثبت إبطال الخمس عنها تبعا ، وقد يثبت تبعا ما لا يثبت قصدا كالشرب والطريق في البيع والوقف في المنقول يثبت تبعا للعقار ، وإن كان لا يثبت قصدا ، ويوضحه أن الإمام لو ظهر على بلدة له أن يجعلها خراجا ، ويبطل منها سهام من أصابها والخمس ولو أراد قسمتها بين الغانمين ، ويجعل حصة الخمس خراجا للمقاتلة الأغنياء لم يكن له ذلك ; لأنه إبطال الخمس مقصودا ، فلا يجوز وفي الأول يثبت إبطاله تبعا لإبطال حق الغانمين في الغنيمة فيجوز وإن كان في الموضعين تخلص المنفعة للمقاتلة ا هـ ملخصا من مواضعه .
والذي تحرر منه ومما مر : أن تنفيل كل العسكر بكل المأخوذ أو ثلثه مثلا بعد إخراج الخمس أو قبله لا يصح وكذا تنفيل السرية المبعوثة من دارنا ; لأنها بمنزلة العسكر ، والتنفيل هو تخصيص بعض المقاتلين بزيادة للتحريض ، وهذا ليس كذلك ; لأنه جعل كل المأخوذ أو ثلثه بين كل المقاتلين سوية بينهم ، فصار المقصود منه إبطال التفاوت بين الفارس والراجل وإبطال الخمس أيضا إن لم يستثنه بأن لم يقل بعد الخمس وإبطال ذلك مقصودا لا يصح بخلاف السرية المبعوثة من الجيش في دار الحرب ; لأن معنى التنفيل موجود فيها ; لأن المراد تمييزها من بين العسكر بجميع المأخوذ أو بثلثه مثلا لأجل تحريضها على القتال وإن لزم منه إبطال التفاوت والخمس لكونه ضمنا لا قصدا فصار بمنزلة قوله للعسكر : من قتل منكم قتيلا فله سلبه فإنه تخصيص لبعض منهم ، وهو القاتل بزيادة على الباقي وإن لزم منه ما ذكر بخلاف قوله لكل العسكر ما أصبتم فهو لكم ; لأنه بمنزلة قوله ذلك للسرية المبعوثة من دار الإسلام ، لعدم المشارك لها فليس فيه تخصيص بعض دون بعض ، فلا يصح كما قررناه ، وبهذا التقرير ظهر صحة الفرع المنقول من حواشي الهداية وهو من أصاب شيئا فهو له ; لأنه تخصيص للمصيب بما أصابه .
فهو بمنزلة قوله من قتل قتيلا فله سلبه ، بخلاف قوله ما أصبتم فهو لكم ، أو كل ما أخذتم ، فهو لكم بالسوية ; لأنه تشريك محض بجميع المأخوذ بين جميع العسكر أو السرية ; لأن معناه قسمة جميع ما يأخذه كل واحد بينهم سوية ، فصار المقصود منه [ ص: 157 ] إبطال التفاوت والخمس لا يصح إبطال ذلك قصدا كما علمت ، وكذا ظهر صحة قوله لو نفل بجميع المأخوذ جاز أي بأن قال من أصاب شيئا فهو له بخلاف ما أصبتم فهو لكم لما علمت من أنه تشريك لا تخصيص ، ولا يرد عليه قوله إن فيه إبطال السهمين أي التفاوت بين الفارس والراجل ، وكذا إبدال الخمس لما علمت من أن ذلك جائز إذا كان ضمنا لا قصدا ، وهنا حيث وجد تخصيص كل آخذ بما أخذه للتحريض ، فقد تحقق معنى التنفيل وإن لزم منه حرمان من لم يصب شيئا فاغتنم تحقيق هذا المحل فإنه من فيض المولى عز وجل