الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وصح بيع الطريق ) [ ص: 78 ] وفي الشرنبلالية عن الخانية : لا يصح ومن قسمة الوهبانية : وليس لهم قال الإمام تقاسم بدرب ولم ينفذ كذا البيع يذكر وفي معاياتها [ ص: 79 ] وارتضاه في ألغاز الأشباه :     ومالك أرض ليس يملك بيعها
لغير شريك ثم لو منه ينظر ( حد ) أي بين له طول وعرض ( أولا وهبته ) وإن لم يبين يقدر بعرض باب الدار العظمى

التالي السابق


مطلب في بيع الطريق ( قوله وصح بيع الطريق ) ذكر في الهداية أنه يحتمل بيع رقبة الطريق وبيع حق المرور ، وفي الثاني روايتان ا هـ . ولما ذكر المصنف الثاني فيما يأتي علم أن مراده هنا الأول . ثم في الدرر عن التتارخانية : الطريق ثلاثة : طريق إلى الطريق الأعظم . وطريق إلى سكة غير نافذة ، وطريق خاص في ملك إنسان فالأخير لا يدخل في البيع بلا ذكره أو ذكر الحقوق أو المرافق ، والأولان يدخلان بلا ذكر . ا هـ ملخصا . وحاصله : لو باع دارا مثلا دخل فيهما الأولان تبعا بلا ذكر بخلاف الثالث .

والظاهر أن المراد هنا هو الثالث ، وقد علمت أيضا أن المراد بيع رقبة الطريق لا حق المرور ; لأن الثاني يأتي في كلام المصنف ، فإذا كانت داره داخل دار رجل وكان له طريق في دار ذلك الرجل إلى داره ، فإما أن يكون له فيها حق المرور فقط ، وإما أن يكون له رقبة الطريق فإذا باع رقبة الطريق صح ، فإن حد فظاهر ، وإلا فله بقدر عرض باب الدار العظمى كما يأتي . والفرق بين هذا الطريق والطريق الثاني وهو ما يكون في سكة غير نافذة أن هذا ملك للبائع وحده ، ولذا سمي خاصا ، بخلاف الثاني فإنه مشترك بين جميع أهل السكة ، وفيه أيضا حق للعامة كما يأتي بيانه قريبا ، وقد اشتبه ذلك [ ص: 78 ] على الشرنبلالي فراجعه يظهر لك ما فيه بعد فهمك ما قررناه ، والحمد لله ( قوله وفي الشرنبلالية عن الخانية لا يصح ) نقل في الشرنبلالية عن الخانية الصحة عن مشايخ بلخ فما هنا بناء عليه . ا هـ ح .

قلت : عبارة الشرنبلالية هكذا : قوله وصح بيع الطريق يخالفه ما قال في الخانية : ولا يجوز بيع مسيل الماء وهبته ، ولا بيع الطريق بدون الأرض وكذلك بيع الشرب . وقال مشايخ بلخ جائز ، ويخالفه أيضا قوله الآتي في رواية الزيادات . ا هـ كلام الشرنبلالية ، والمتبادر من قول الخانية : وقال مشايخ بلخ جائز أن خلافهم في بيع الشرب أي بدون أرض لا في جميع المسائل المذكورة بدليل فصله بقوله : وكذلك إلخ . وقد ذكر في الدرر خلافهم في مسألة الشرب فقط ، ولم أر من ذكر خلافهم في بيع المسيل والطريق فافهم . ثم اعلم أن ما ادعاه في الشرنبلالية من المخالفة غير مسلم ; لأن قول المصنف وصح بيع الطريق مراده به رقبة الطريق بدليل تعليل الدرر بأنه عين معلوم وبدليل ذكره بيع حق المرور بعده وإلا كان تكرارا وقد تابعه المصنف هنا ، ومراد الخانية ببيع الطريق بيع حق المرور بدليل قوله بدون الأرض ، وقوله ويخالفه أيضا إلخ غير مسلم حق المرور لا في بيع أيضا ; لأن رواية الزيادات إنما ذكرها في الدرر في بيع الطريق فمن أين المخالفة ؟ وما ذكره المصنف من جواز بيع الطريق وهبته مشى عليه في الملتقى أيضا بلا ذكر خلاف ، وكذا في الهداية وغيرها ، وإنما ذكروا اختلاف الرواية في بيع حق المرور كما يأتي .

[ تنبيه ] باع رقبة الطريق على أن له : أي للبائع حق المرور ، أو السفل على أن له إقرار العلو جاز فتح قبيل قوله والبيع إلى النيروز ( قوله ومن قسمة الوهبانية ) خبر مقدم والبيت مبتدأ مؤخر : أي هذا البيت منقول منها ط ( قوله وليس لهم إلخ ) جملة قال الإمام معترضة بين بعض المقول ، وهو خبر ليس المقدم واسمها المؤخر ، الواو في ولم ينفذ للحال : أي والحال أن الدرب ليس بنافذ . قال ابن الشحنة : والمسألة من التتمة عن نوادر ابن رستم قال أبو حنيفة في سكة غير نافذة : ليس لأصحابها أن يبيعوها ولو اجتمعوا على ذلك ولا أن يقسموها فيما بينهم ; لأن الطريق الأعظم إذا كثر الناس فيه كان لهم أن يدخلوا هذه السكة حتى يخف هذا الزحام . قال الناطفي : وقال شداد في دور بين خمسة : باع أحدهما نصيبه من الطريق فالبيع جائز ، وليس للمشتري المرور فيه إلا أن يشتري دار البائع وإذا أرادوا أن ينصبوا على رأس سكتهم دربا ويسدوا رأس السكة ليس لهم ذلك ; لأنها وإن كانت ملكا لهم ظاهرا لكن للعامة فيها نوع حق ا هـ ملخصا . ثم أفاد أن ما توهمه الناظم في شرحه من اختلاف الروايتين مدفوع ، فإن ما ذكره ابن رستم في بيع الكل ، وما ذكره شداد في بيع البعض .

والفرق أن الثاني لا يفضي إلى إبطال حق العامة ، بخلاف الأول . هذا ، وقد علمت مما قررنا سابقا أن ما في الوهبانية غير ما ذكره المصنف ; لأن مراد المصنف الطريق الخاص المملوك لواحد وهذا طريق مشترك في سكة مشتركة ( قوله وفي معاياتها ) خبر مقدم والبيت مبتدأ مؤخر وجملة [ ص: 79 ] وارتضاه إلخ معترضة والضمير للوهبانية وهي مفاعلة ، من عاياه : إذا سأله عن شيء يظن عجزه عن جوابه من قولهم عيي عن جوابه : إذا عجز ، وتمامه في ط عن ابن الشحنة . قال السائحاني : والمعاياة عند الفرضيين كالألغاز عند الفقهاء والأحاجي عند أهل اللغة ; لأن ما يستخرج بالحزر يقوي الحجا : أي العقل والألغاز : جمع لغز بضم اللام ، وقيل بفتحها وبفتح الغين المعجمة ( قوله وارتضاه في ألغاز الأشباه ) حقه أن يذكر عند البيت الأول ، فإن الذي في ألغاز الأشباه هكذا أي شركاء فيما يمكن قسمته إذا طلبوها لم يقسم ، فقل : السكة الغير النافذة ليس لهم أن يقتسموها ، وإن أجمعوا على ذلك ا هـ .

( قوله ومالك أرض إلخ ) هي الأرض المملوكة من السكة الغير النافذة فإنه لا يملك بيعها من غير شريكه . قال ولو باعها لبعض الشركاء هل يجوز ؟ فيه نظر ولم أقف على الجواب فيه ا هـ . قلت : ظاهر قولهم : إنه لا يجوز بيع الطريق يقتضي المنع مطلقا حالة الانفراد ، وإنما يجوز بالتبعية فيما إذا باع الدار وطريقها قاله عبد البر بن الشحنة . قلت : الذي تقدم عن شداد جواز البيع ، ثم عدم الجواز إنما هو على ما في الخانية . وقال مشايخ بلخ بالجواز ط . قلت : قدمنا الكلام على ما في الخانية فافهم .

( قوله وإن لم يبين إلخ ) بيان لقوله أولا ، وكان الأولى تقديمه على قوله وهبته كما فعل في الدرر ( قوله يقدر بعرض باب الدار العظمى ) عزاه في الدرر إلى النهاية ، ومثله في الفتح بزيادة قوله : وطوله إلى السكة النافذة ، ثم قال في الدرر : وعلى التقديرين يكون عينا معلوما فيصح بيعه وهبته ا هـ . قلت : والظاهر أن العظمى صفة لباب وأنثها لاكتساب الباب التأنيث بإضافته إلى الدار المؤنثة ، ومعناه أنه لو كان له دار في داخل دار جاره مثلا وطريق في دار الجار فباع الطريق وحده ولم يبين قدره كان للمشتري من دار الجار بعرض باب دار البائع ، فلو كان لها بابان الأول أعظم من الثاني كان له بقدر الباب الأعظم ، هذا ما ظهر لي . وفي القهستاني : وطريق الدار عرضه عرض الباب الذي هو مدخلها وطوله منه إلى الشارع ا هـ . وفي الفتح عند قوله : ولو اشترى جارية إلا حملها إلخ ، ولو قال بعتك الدار الخارجة على أن تجعل لي طريقا إلى داري هذه الداخلة فسد البيع ، ولو قال إلا طريقا إلى داري الداخلة جاز وطريقه بعرض باب الدار الخارجة ا هـ .

[ فرع ] في الخانية : باع نخلة في أرض صحراء بطريقها من الأرض ، ولم يبين موضع الطريق . قال أبو يوسف : يجوز ، وله أن يذهب إلى النخلة من أي النواحي شاء ا هـ فأفاد جواز بيع الطريق تبعا وإن لم يكن له ما يقدر به تأمل .




الخدمات العلمية