ويخبر بما يجده بلا شكوى ، وكان  أحمد  يحمد الله أولا ، لخبر  ابن مسعود    { إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس شاك   } متفق عليه . 
وقال  [ ص: 177 ] صاحب المحرر : يخبر بما يجده لغرض صحيح ، لا لقصد شكوى ، واحتج  أحمد  بقوله عليه السلام {  لعائشة  لما قالت : وا رأساه ، قال : بل أنا وارأساه   } واحتج  ابن المبارك  بقول  ابن مسعود  للنبي صلى الله عليه وسلم : { إنك لتوعك وعكا شديدا قال أجل كما يوعك رجلان منكم   } متفق عليه . وفي الفنون : قوله تعالى { لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا    } يدل على جواز الاستراحة إلى نوع من الشكوى عند إمساس البلوى ، قال : ونظيره { يا أسفى على يوسف    } و { مسني الضر    } و { ما زالت أكلة خيبر  تعاودني   } وفي تفسير ابن الجوزي  في الآية الأولى : هذا يدل على إباحة إظهار مثل هذا القول عندما يلحق الإنسان من الأذى والتعب ، ولا يكون ذلك شكوى . 
وقال ابن الجوزي    : شكوى المريض مخرجة من التوكل ، وقد كانوا يكرهون أنين المريض لأنه يترجم عن الشكوى ، ثم احتج بقول رجل للإمام  أحمد    [ رحمه الله ] : كيف تجدك يا  أبا عبد الله  ؟ قال : بخير في عافية ، فقال له : حممت البارحة ؟ فقال : إذا قلت لك : أنا في عافية فحسبك لا تخرجني إلى ما أكره . 
ووصف المريض ما يجده للطبيب  لا يضره ، والنص المذكور لا حجة له فيه ، إنما يدل على ما قاله هو وغيره : إذا كانت المصيبة مما يمكن كتمانها فكتمانها من أعمال الله الخفية ، ولهذا ذكر شيخنا أن عمل القلب من التوكل وغيره واجب باتفاق الأئمة ، وأن الصبر  [ ص: 178 ] واجب بالاتفاق . قال : والصبر لا تنافيه الشكوى ، قال : والصبر الجميل صبر بغير شكوى إلى المخلوق ، والشكوى إلى الخالق لا تنافيه ، ومراده : بل شكواه إلى الخالق مطلوبة ، كما ذكره في موضع آخر وقد نقل عبد الله  في أنين المريض : أرجو أن لا يكون شكوى ، ولكنه اشتكى إلى الله . واقتصر ابن الجوزي  على قول  الزجاج    : إن الصبر الجميل لا جزع فيه ولا شكوى إلى الناس . وأجاب عن قوله { يا أسفى على يوسف    } بوجهين : أحدهما أنه شكا إلى الله لا منه ، واختاره  ابن الأنباري  ، وهو من أصحابنا ، والثاني أنه أراد الدعاء ، فالمعنى : يا رب ارحم أسفي على يوسف    . 
وقال ابن الجوزي  في قوله تعالى : { أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين    } إن قيل : فأين الصبر وهذا لفظ الشكوى ؟ فالجواب أن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر وإنما المذموم الشكوى إلى الخلق ، ألم تسمع قول يعقوب    : { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله    } قال  سفيان بن عيينة    : وكذلك من شكا إلى الناس وهو في شكواه راض بقضاء الله لم يكن ذلك جزعا ، ألم تسمع { قول النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل  في مرضه أجدني مغموما وأجدني مكروبا   } وقوله : { بل أنا وارأساه   } هذا سياق ما ذكره ابن الجوزي  ، وقد روى  ابن ماجه  ، والترمذي  وصححه ، عن  خباب  أنه قال وقد اكتوى في بطنه سبع كيات  [ ص: 179 ] ما أعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لقي من البلاء ما لقيت ، وهذا والله أعلم قاله  خباب  تسلية للمؤمن المصاب لا على وجه الشكاية ، كما قاله  ابن هبيرة  عن قول  أبي هريرة  عن جوعه وربط الحجر ، تسلية للفقير ، ويحسن ظنه بربه ، قال القاضي : يجب . 
وقال صاحب المحرر : ينبغي ، وفي الصحيحين عن  أبي هريرة  مرفوعا : { أنا عند ظن عبدي بي   } زاد  أحمد    { إن ظن بي خيرا فله ، وإن ظن بي شرا فله   } . 
وقال  ابن هبيرة  في حديث أبي موسى    { من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه   } متفق عليه . قال : يدل على استحباب تحسين العبد ظنه عند إحساسه بلقاء الله  ، لئلا يكره أحد لقاء الله يود أن لو كان الأمر على خلاف ما يكرهه ، والراجي المسرور يود زيادة ثبوت ما يرجو حصوله وتغلب رجائه ، وفي النصيحة : يغلب الخوف لحمله على العمل وفاقا للشافعية . 
وقال  الفضيل بن عياض  وغيره ، ونصه : ينبغي للمؤمن أن يكون رجاؤه وخوفه واحدا ، وفي رواية : فأيهما غلب صاحبه هلك . 
قال شيخنا : وهذا هو العدل ، ولهذا من غلب عليه حال الخوف أوقعه في نوع من اليأس والقنوط ، إما في نفسه وإما في أمور الناس ، ومن غلب عليه حال الرجاء بلا خوف أوقعه في نوع من الأمن لمكر الله ، إما في نفسه وإما في أمور الناس ، والرجاء بحسب رحمة الله التي سبقت غضبه يجب ترجيحه ، كما { قال تعالى : أنا عند حسن  [ ص: 180 ] ظن عبدي بي ، فليظن بي خيرا   } وأما الخوف فيكون بالنظر إلى تفريط العبد وتعديه ، فإن الله عدل لا يأخذ إلا بالذنب ، وعند الحنفية : يغلب الشاب الرجاء ، والشيخ الخوف ويذكره ( و ) زاد  أبو الخطاب  وغيره : المخوف عليه التوبة والوصية ، ويدعو بالصلاح والعافية . 
				
						
						
