( قوله : ولو وجب سن ، ولم يوجد دفع أعلى منها ، وأخذ الفضل أو دونها ، ورد الفضل أو دفع القيمة ) بيان لمسألتين : الأولى : لو فصاحب المال مخير إن شاء دفع الأعلى واسترد الفضل أو الأدنى ورد الفضل فقد جعل الخيار للمالك دون الساعي فيهما وقد صرح به في المبسوط ، وقال ليس للساعي إذا عين المالك سنا أن يأبى ذلك في الصورتين واستثنى في الهداية من ذلك ما إذا أراد المالك دفع الأعلى وأخذ الفضل من الساعي فإنه لا إجبار على الساعي ; لأنه شراء فحينئذ لم يكن للمالك خيار في هذه الصورة ، وتبعه في التبيين وتعقبه في غاية البيان بأن الزكاة وجبت بطريق اليسر فإذا كان للساعي ولاية الامتناع من قبول الأعلى يلزم العسر ، وفي ذلك العود على الموضوع بالنقض فلا يجوز وأيضا فيه خلاف السنة ; لأن من لزمه الحقة تقبل منه الجذعة إذا لم تكن عنده حقة وكذلك من وجب عليه سن كبنت مخاض مثلا ، ولم تكن عنده يقبل منه الحقة ويعطي المصدق عشرين درهما أو شاتين كما في صحيح لزمه بنت لبون وعنده حقة وهو دليلنا على البخاري وهي في المسألة الثانية ، وتقدير الفضل بالعشرين أو الشاتين بناء على الغالب لا أنه تقدير لازم ا هـ . دفع القيمة في الزكاة
وأما قولهم : إنه شراء ، ولا إجبار فيه فممنوع لأنه ليس شراء حقيقيا ، ولم يلزم من الإجبار ضرر بالساعي لأنه عامل لغيره فالظاهر إطلاق المختصر من أن الخيار للمالك فيهما لكن ذكر في الأصل أن الخيار للمصدق أي الساعي ورده في النهاية والمعراج بأن الصواب خلافه محمد
وذكر في البدائع أن الخيار لصاحب المال دون المصدق إلا في فصل واحد ، وهو ما إذا فالمصدق بالخيار بين أن لا يأخذ وبين أن يأخذ بأن كان الواجب بنت لبون فأراد أن يدفع بعض الحقة بطريق القيمة فالمصدق إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل لما فيه من تشقيص العين والتشقيص في الأعيان عيب فكان له أن لا يقبل ا هـ . أراد صاحب المال أن يدفع بعض العين لأجل الواجب
وتعقبه الزيلعي بأنه غير مستقيم لوجهين أحدهما أنه مع العيب يساوي قدر الواجب ، وهو المعتبر في الباب والثاني أن فيه إجبار المصدق على شراء الزائد ا هـ .
وقد قدمنا أن جبره على شراء الزائد مستقيم ، ولا يخفى أن في التشقيص إضرارا بالفقراء فلم يملك رب المال ذلك فاستقام ما في البدائع لكن قيد المصنف الخيار المذكور بين الأمور الثلاثة بعدم وجود السن الواجب كما في أكثر الكتب ، وهو قيد اتفاقي ; لأن الخيار ثابت مع وجود السن الواجب ولذا قال في المعراج وظن بعض أصحابنا أن أداء القيمة بدل عن الواجب حتى لقب المسألة بالإبدال وليس كذلك فإن المصير إلى البدل لا يجوز إلا عند عدم الأصل ، وأداء القيمة مع وجود المنصوص عليه جائز عندنا ا هـ .
وفي البدائع اختلف أصحابنا فعند الواجب فيما عدا السوائم جزء من النصاب معنى لا صورة ، وعندهما صورة ومعنى لكن يجوز إقامة غيره مقامه معنى الإمام
[ ص: 238 ] واختلف في السوائم على قوله فقيل هي كغيرها وقيل الواجب المنصوص عليه من حيث المعنى ، وعندهما الواجب المنصوص عليه صورة ومعنى لكن يجوز إقامة غيره مقامه معنى ويبتنى على هذا الأصل مسائل الجامع فإن أدى من عينها يؤدي خمسة أقفزة بلا خلاف ، وإن أدى قيمتها فعنده تعتبر القيمة يوم الوجوب في الزيادة والنقصان ، وعندهما في الفصلين يعتبر يوم الأداء واختلف على قوله في السوائم فقيل يوم الوجوب وقيل يوم الأداء حسب الاختلاف السابق وتمامه فيه ، وفي المحيط يعتبر في قيمة السوائم يوم الأداء بالإجماع ، وهو الأصح وذكر في الجامع لو فسدت الحنطة بما أصابها حتى صارت قيمتها مائة فإنه يؤدي درهمين ونصفا بلا خلاف إذا اختار القيمة لأنه هلك جزء من العين فسقط ما تعلق به من الواجب ، وإن زادت في نفسها قيمة فالعبرة ليوم الوجوب ا هـ . له مائتا قفيز حنطة للتجارة تساوي مائتي درهم ، ولا مال له غيرها
وفي الهداية ويجوز ا هـ . دفع القيمة في الزكاة والكفارة وصدقة الفطر والعشر والنذر
وفي فتح القدير لو جاز ; لأن المنصوص عليه الوسط فلم يكن الأعلى داخلا في النص ، والجودة معتبرة في غير الربويات فتقوم مقام الشاة الرابعة بخلاف ما لو كان مثليا بأن أدى أربعة أقفزة جيدة عن خمسة وسط وهي تساويها لا يجوز أو كسوة بأن أدى ثوبا يعدل ثوبين لم يجز إلا عن ثوب واحد أو أدى ثلاث شياه سمان عن أربع وسط أو بعض بنت لبون عن بنت مخاض لا يجوز نذر أن يهدي شاتين أو يعتق عبدين وسطين فأهدى شاة ، أو أعتق عبدا يساوي كل منهما وسطين
أما الأول فلأن الجودة غير معتبرة عند المقابلة بجنسها فلا تقوم الجودة مقام القفيز الخامس ، وأما الثاني فلأن المنصوص عليه مطلق الثوب في الكفارة لا بقيد الوسط فكان الأعلى وغيره داخلا تحت النص ، وأما الثالث فلأن القربة في الإراقة والتحرير ، وقد التزم إراقتين وتحريرين فلا يخرج عن العهدة بواحدة بخلاف النذر بالتصدق بأن جاز ; لأن المقصود إغناء الفقير ، وبه تحصل القربة ، وهو يحصل بالقيمة ، وعلى ما قلنا : لو نذر أن يتصدق بشاتين وسطين فتصدق بشاة بقدرهما لا يجزئه ; لأن الجودة لا قيمة لها هنا للربوية وللمقابلة بالجنس بخلاف جنس آخر لو تصدق بنصف قفيز منه يساويه جاز ا هـ . نذر أن يتصدق بقفيز دقل فتصدق بنصفه جيدا يساوي تمامه
قيد المصنف بالزكاة ; لأنه لا يجوز دفع القيمة في الضحايا والهدايا والعتق ; لأن معنى القربة إراقة الدم وذلك لا يتقوم وكذلك الإعتاق لأن معنى القربة فيه إتلاف الملك ونفي الرق ، وذلك لا يتقوم كذا في غاية البيان ، ولا يخفى أنه مقيد ببقاء أيام النحر ، وأما بعدها فيجوز دفع القيمة كما عرف في الأضحية ، والسن هي المعروفة ، والمراد بها هنا ذات سن إطلاقا للبعض على الكل أو سمى بها صاحبها كما سمى المسنة من النوق بالناب ; لأن السن مما يستدل به على عمر الدواب ، ووقع هنا إطلاق المصدق على الساعي ، وهو مشتبه برب المال
والفرق بينهما أنه إن كان بالصاد المخففة والدال المشددة المكسورة فهو بمعنى آخذ الصدقة ، وإن كان بالصاد المشددة والدال المكسورة المشددة فهو المعطي لها ( قوله لقوله عليه الصلاة والسلام { : ويؤخذ الوسط ) أي في الزكاة } أي من أوساطها ولأن فيه نظرا من الجانبين كذا في الهداية ، والحزرات جمع حزرة بتقديم الزاي المنقوطة على الراء المهملة ، وفي الخانية ، ولا تؤخذ الربا والأكولة والماخض وفحل الغنم ; لأنها من الكرائم ، وقد نهينا عن أخذ الكرائم ، ولا تؤخذ الهرم ، ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق . ا هـ . لا تأخذوا من حزرات أموال الناس أي كرائمها وخذوا من حواشي أموالهم
والأكولة الشاة السمينة التي أعدت للأكل والربا بضم الراء المشددة وتشديد الباء مقصورة ، وهي التي تربي ولدها كذا في المغرب والماخض التي في بطنها ولد وقد أطال [ ص: 239 ] فيه في البدائع وذكر أنه ليس للساعي أخذ الأدون ، وهو مخالف لما في الخانية ، وفي فتح القدير أن الأدلة تقتضي أن لا يجب في الأخذ من العجاف التي ليس فيها وسط اعتبار أعلاها وأفضلها ، وقد قدمنا عنهم خلافا في صدقة السوائم ا هـ .
وفي المعراج وذكر الحاكم الجليل في المنتقى الوسط أعلى الأدون ، وأدون الأعلى وقيل : إذا كان عشرون من الضأن وعشرون من المعز يأخذ الوسط ، ومعرفته أن يقوم الوسط من المعز والضأن فتؤخذ شاة تساوي نصف قيمة كل واحد منهما مثلا الوسط من المعز تساوي عشرة دراهم ، والوسط من الضأن عشرين فتؤخذ شاة قيمتها خمسة عشر ا هـ .
وكذا في البدائع ، وفيه ولو ففيها شاة وسط ، وفي الفتاوى الظهيرية إذا كان لرجل نخيل تمر جيد برني ، ودقل قال كان له خمس من الإبل كلها بنات مخاض أو كلها بنات لبون أو حقاق أو جذاع : يؤخذ من كل نخلة حصتها من العشر وقال أبو حنيفة : يؤخذ من الوسط إذا كانت أصنافا ثلاثة : جيد ووسط ورديء . ا هـ . محمد
وهذا يقتضي أن أخذ الوسط إنما هو فيما إذا اشتمل المال على جيد ووسط ورديء أو على صنفين منهما أما لو كان المال كله جيدا كأربعين شاة أكولة فإنه يجب واحدة من الكرائم لا شاة وسط عند خلافا الإمام كما لا يخفى لمحمد