( قوله : ولا يخرج منه إلا لحاجة شرعية كالجمعة أو طبيعية . [ ص: 325 ] كالبول والغائط ) أي لحديث لا يخرج المعتكف اعتكافا واجبا من مسجده إلا لضرورة مطلقة { عائشة } ولأنه معلوم وقوعها ولا بد من الخروج في بعضها فيصير الخروج لها مستثنى ولا يمكث بعد فراغه من الطهور ; لأن ما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها وأما الجمعة فإنها من أهم حوائجه وهي معلومة وقوعها ويخرج حين تزول الشمس ; لأن الخطاب يتوجه بعده وإن كان منزله بعيدا عنه يخرج في وقت يمكنه إدراكها وصلاة أربع قبلها وركعتان تحية المسجد يحكم في ذلك رأيه أن يجتهد في خروجه على إدراك سماع الجمعة ; لأن السنة إنما تصلى قبل خروج الخطيب كذا قالوا مع تصريحهم بأنه إذا شرع في الفريضة حين دخل المسجد أجزأه عن تحية المسجد ; لأن التحية تحصل بذلك فلا حاجة إلى تحية غيرها في تحقيقها وكذا السنة فما قالوه هنا من صلاة التحية ويصلي بعدها السنة أربعا على قوله وستا على قولهما ، ولو أقام في الجامع أكثر من ذلك لم يفسد اعتكافه ; لأنه موضع الاعتكاف إلا أنه يكره ; لأنه التزم أداءه في مسجد واحد فلا يتمه في مسجدين من غير ضرورة وقد ظهر بما ذكروه هنا أن الأربع التي تصلى بعد الجمعة وينوي بها آخر ظهر عليه لا أصل لها في المذهب ; لأنهم نصوا هنا على أن المعتكف لا يصلي إلا السنة البعدية فقط ولأن من اختارها من المتأخرين فإنما اختارها للشك في أن جمعته سابقة ، أو لا بناء على عدم جواز تعددها في مصر واحد كان عليه السلام لا يخرج من معتكفه إلا لحاجة الإنسان
وقد نص الإمام شمس الأئمة السرخسي على أن الصحيح من مذهب جواز إقامتها في مصر واحد في مسجدين فأكثر قال وبه نأخذ وفي فتح القدير وهو الأصح فلا ينبغي الإفتاء بها في زماننا لما أنهم تطرقوا منها إلى التكاسل عن الجمعة بل ربما وقع عندهم أن الجمعة ليست فرضا وأن الظهر كاف ولا خفاء في كفر من اعتقد ذلك فلذلك نبهت عليها مرارا قيدنا بكون الاعتكاف واجبا ; لأنه لو كان نفلا فله الخروج ; لأنه منة له لا مبطل كما قدمناه ومراده بمنع الخروج الحرمة يعني يحرم على المعتكف الخروج ليلا ، أو نهارا صرح بالحرمة صاحب المحيط وأفاد أنه لا يخرج لعيادة المريض وصلاة الجنازة لعدم الضرورة المطلقة للخروج كذا في غاية البيان وفي المحيط ، ولو أبي حنيفة أقام في اعتكافه إلى أن يفرغ منه ثم يمضي في إحرامه ; لأنه أمكنه إقامة الأمرين فإن خاف فوت الحج يدع الاعتكاف ويحج ثم يستقبل الاعتكاف ; لأن الحج أهم من الاعتكاف ; لأنه يفوت بمضي يوم عرفة وإدراكه في سنة أخرى موهوم وإنما يستقبله ; لأن هذا الخروج وإن وجب شرعا فإنما وجب بعقده وإيجابه وعقده لم يكن معلوم الوقوع فلا يصير مستثنى عن الاعتكاف وأشار إلى أنه لو أحرم المعتكف بحجة ، أو عمرة فإنه جائز بخلاف ما إذا خرج لحاجة الإنسان ومكث بعد فراغة أنه ينتقض [ ص: 326 ] اعتكافه عند خرج لحاجة الإنسان ثم ذهب لعيادة المريض ، أو لصلاة الجنازة من غير أن يكون لذلك قصد قل ، أو كثر وعندهما لا ينتقض ما لم يكن أكثر من نصف يوم كذا في البدائع . أبي حنيفة