( قوله : وهو فيشتري بها هديا وذبحه إن بلغت هديا أو طعاما وتصدق به كالفطرة أو صام عن طعام كل مسكين يوما ) أي الجزاء ما ذكر لقوله تعالى : { قيمة الصيد بتقويم عدلين في مقتله أو أقرب موضع منه ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره } أطلق المصنف ، ولم يقيد بالعمد كما في الآية ; لأنه لا فرق بين الناسي والعامد كإتلاف الأموال ; لأن هذا الجزاء ليس كفارة محضة كما قدمنا والتقييد به ، وفي الآية لأجل الوعيد المذكور في آخرها لا لوجوب الجزاء ; ولأن الآية نزلت في حق من تعدى كما ذكره . القاضي البيضاوي
وأشار بذكر القيمة فقط إلى أنها المراد بالمثل في الآية ، وهو المثل معنى لا المثل صورة ومعنى ، وإنما لم يعمل بالكامل كما قال محمد فإنهما أوجبا النظير فيما له نظير ; لأن المعهود في الشرع في القيميات المثل معنى فإنه لو والشافعي مثلا لا يلزمه بقرة مثلها اتفاقا ; لأن المثل معنى مراد بالإجماع فيما لا نظير له ، وهو مجاز فلا يراد المعنى الحقيقي ، وهو المثل صورة ، ومعنى لعدم جواز الجمع بين الحقيقة والمجاز ، وكذلك في قوله تعالى { أتلف بقرة لإنسان فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } أريد [ ص: 32 ] المثل معنى ، وهو القيمة ، وأما رد العين فثابت بالسنة أو لما في حملنا على المثل معنى من التعميم لشموله ما له نظير له ، وما لا نظير له ، وإذا حمل على المثل الكامل كانت الآية قاصرة على ما له نظير ، وعلى هذا فكلمة من النعم بيان لما ، وهو المقتول لا للمثل والنعم كما يطلق على الأهلي يطلق على الوحشي كما قاله أبو عبيدة ، وأراد بقيمة الصيد قيمة لحمه قال : والأصمعي الكرماني في مناسكه يقوم الصيد لحما عندنا ، وقال : يجب قيمته بالغة ما بلغت . زفر
وفائدة الخلاف لو فعندنا تجب قيمته لحما ، وعنده تجب قيمته معلما ، وفي الاختيار ، وإذا كان المراد من الجزاء القيمة يقوم العدلان اللحم لا الحيوان والمراد أنه يقوم من حيث الذات لا من حيث الصفة ; لأنها أمر عارض ، ولو كانت الصفة بأمر خلقي كما إذا كان طيرا يصوت فازدادت قيمته لذلك ففي اعتبار ذلك في الجزاء روايتان ورجح في البدائع اعتبارها بخلاف ما إذا أتلف شيئا مملوكا فإن القيمة تعتبر من حيث الذات والصفات إلا إذا كان الوصف لمحرم من اللهو كقيمة الديك لنقاره والكبش لنطاحه فإنها لا تعتبر كالجارية المغنية ، وليس مرادهم أنه يقوم لحمه بعد قتله ، وإنما يقوم ، وهو حي باعتبار ذاته بدليل أن ما لا يؤكل لحمه لا يصح أن يقوم لحمه بعد قتله إذ ليس له قيمة ، وإنما يقوم باعتبار جلده ، وكونه صيدا حيا ينتفع به ، وليس مرادهم إهدار صفة الصيد بالكلية لما أنهم اتفقوا على أنه لو قتل بازيا معلما تجب قيمته على تلك الصفة كما لو قتل صيدا حسنا مليحا له زيادة قيمة كما صرح به في البدائع . قتل حمامة مطوقة أو فاختة مطوقة
وإنما المراد إهدار ما كان بصنع العباد ، وأراد بالعدل من له معرفة وبصارة بقيمة الصيد لا العدل في باب الشهادة ، وقيد بالعدلين ; لأن العدل الواحد لا يكفي لظاهر النص وصححه في شرح الدرر ، وفي الهداية قالوا : والواحد يكفي والمثنى أولى ; لأنه أحوط ، وأبعد من الغلط كما في حقوق العباد ، وقيل يعتبر المثنى هاهنا بالنص . ا هـ .
وفي فتح القدير والذين لم يوجبوه حملوا العدد في الآية على الأولوية ; لأن المقصود زيادة الأحكام والإتقان ، والظاهر الوجوب ، وقصد الأحكام ، والإتقان لا ينافيه بل قد يكون داعيته . ا هـ .
وينبغي أن يكتفي بالقاتل إذا كان له معرفة بالقيمة ، وأن يحمل ذكر الحكمين على الأولوية على قول من يكتفي بالواحد لكنه يتوقف على نقل ، ولم أره ، وكلمة أو في قوله أو أقرب المواضع للتوزيع لا للتخيير يعني أن الحكمين يقومانه في مكان قتله إن كان يباع فيه ، وفي أقرب المواضع إلى مكان قتله كالبرية ، ولا بد من اعتبار المكان ، ومن اعتبار زمان قتله لاختلاف القيم باختلاف الأمكنة والأزمنة ، والضمير في قوله فيشتري راجع إلى القاتل فأفاد أنه بعد تقويم الحكمين الخيار للقاتل بين الأشياء الثلاثة ، ولا خيار للحكمين ; لأن التخيير شرع رفقا بمن عليه فيكون الخيار إليه كما في كفارة اليمين ، وليس في الآية دلالة على اختيارهما ; لأن قوله أو كفارة أو عدل بالرفع عطفا على جزاء ، وليس منصوبا عطفا على هديا فاقتضى أن لا خيار لهما في الإطعام والصيام فلزم أن لا خيار لهما في الهدي لعدم القائل بالفصل كما في العناية أو ; لأن { هديا } حال من ضمير به ، وهي حال مقدرة [ ص: 33 ] أي صائرا هديا به وذلك في نفس الأمر بواسطة الشراء بها أو بغير ذلك ، وكون الحال مقدرة كثير ، وهو وإن لم يلزم على تقدير المخالف فيها يلزم على تقديره في وصفها ، وهو بالغ الكعبة فإنه لا يصح حكمهما بالهدي موصوفا ببلوغه إلى الكعبة حال حكمهما به على التحقيق بل المراد يحكمان به مقدار بلوغه فلزوم التقدير ثابت غير أنه يختلف محله على الوجهين .
ثم على كل تقدير لا دلالة للآية على أن الاختيار للحكمين بل الظاهر منها أنه إلى من عليه فإن مرجع ضمير المحذوف من الخبر أو متعلق المبتدأ إليه أعني ما قررناه من قولنا فالواجب عليه أو فعليه كذا في فتح القدير ، وأشار بقوله { هديا } إلى أنه لو اختار الهدي لا يذبحه إلا بالحرم لصريح قوله { بالغ الكعبة } مع أن الهدي ما يهدى من النعم إلى الحرم ، وقول الفقهاء لو مجاز عن الصدقة بقرينة التقييد بالثوب والغزل . والكلام في مطلق الهدي فلو ذبحه في الحل لا يجزئه عن الهدي بل عن الإطعام فيشترط أن يعطي كل فقير قدر قيمة نصف صاع حنطة أو صاع من غيرها إن كانت قيمة اللحم مثل قيمة المقتول ، وإلا فيكمل ، وأشار بقوله إن بلغت هديا إلى أنه إذا ، وقع الاختيار على الهدي يهدي ما يجزئ في الأضحية حتى لو لم تبلغ قيمة المقتول إلا عناقا أو حملا يقوم بالإطعام أو الصوم لا بالهدي ، ولا يتصور التفكير بالهدي إلا أن تبلغ قيمته جذعا عظيما من الضأن أو ثيبا من غيره ; لأن مطلق الهدي في الشرع ينصرف إلى ما يبلغ ذلك السن ; لأنه المعهود في إطلاق هدي المتعة والقران والأضحية ، وإنما يراد به غير ما ذكرنا مجازا بقرينة التقييد كما قدمناه ، وأفاد بقوله ذبحه إلى أن المراد التقرب إلى الله تعالى بالإراقة فلهذا لو قال : إن فعلت كذا فثوبي هذا هدي أو إن لبست من غزلك فهو هدي ، ولو سرق بعد الذبح أجزأه لا يجزئه ، وأما تصدق بالهدي حيا فواجب عند الإمكان فلو التصدق بلحم القربان ضمنه فيتصدق بقيمته ، ولا ينعدم الإجزاء به ، وكذا لو أكل بعضه فإنه يغرم قيمة ما أكل ، ويجوز أن أتلفه بعد الذبح ، وكذا ما يغرمه من قيمة أكله . يتصدق بجميع اللحم على مسكين واحد
وأطلق في الطعام والصوم فدل على أنهما يجوز إن في الحل والحرم ومتفرقا ومتتابعا لإطلاق النص فيهما ، وأشار بقوله كالفطرة إلى أنه يطعم كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير ، وليس له أن يطعم واحدا أقل منه ، وله أن يطعم أكثر تبرعا حتى لا يحتسب الزيادة من القيمة كي لا ينتقص عدد المساكين هكذا ذكروه هاهنا ، وقد حققنا في باب صدقة الفطر أنه يجوز أن يفرق نصف الصاع على مساكين على المذهب ، وإن القائل بالمنع [ ص: 34 ] فينبغي أن يكون كذلك هنا خصوصا ، والنص هنا مطلق فيجري على إطلاقه لكن لا يجوز أن يعطي لمسكين واحد كالفطرة ; لأن العدد منصوص عليه ، وإلى أنه يجوز الكرخي كالمسلم كما هو الحكم في المشبه به والمسلم أحب ، وإلى أنه لا يجوز أن يتصدق بجزاء الصيد على أصله ، وإن علا ، وفرعه وإن سفل وزوجته وزوجها كما هو الحكم في كل صدقة واجبة كما أسلفناه في باب المصرف ، وصرحوا هنا بأنه لا يجوز التصدق على الذمي ، وما ذكرناه أولى لكن يرد على التصدق بشيء من جزاء الصيد على من لا تقبل شهادته له المصنف أن الإباحة تكفي في جزاء الصيد في الإطعام كالتمليك كما صرح به الإمام الإسبيجابي ، ولا يكفي في الفطرة ، وأشار أيضا بقوله كالفطرة إلى أن دفع القيمة جائز فيدفع لكل مسكين قيمة نصف صاع من بر ، ولا يجوز النقص عنها كما في العين كما صرحوا به في مسألة فإنه يجزئه باعتبار القيمة كما قدمناه . ذبح الهدي في الحل
( قوله : ولو تصدق به أو صام يوما ) ; لأن الواجب عليه مراعاة المقدار ، وعدد المساكين ، وقد عجز عن مراعاة المقدار فسقط ، وقدر على مراعاة العدد فلزمه ما قدر عليه بخلاف كفارة اليمين ; لأنها مقدرة بإطعام عشرة مساكين كل مسكين نصف صاع لا يزيد ، ولا ينقص أما القيمة هنا تزيد وتنقص فيخير إن شاء تصدق به على مسكين ، وإن شاء صام يوما كاملا ; لأن الصوم أقل من يوم غير مشروع ، وأشار إلى أن الواجب لو كان دون طعام مسكين بأن فضل أقل من نصف صاع فهو مخير أيضا ، وإلى أنه يجوز الجمع بين الصوم والإطعام بخلاف كفارة اليمين ، والفرق أن في كفارة الصيد الصوم أصل كالإطعام حتى يجوز الصوم مع القدرة على الإطعام فجاز الجمع بينهما ، وإكمال أحدهما بالآخر ، وأما في كفارة اليمين فالصوم بدل عن التفكير بالمال حتى لا يجوز المصير إليه مع القدرة على المال فلا يجوز الجمع بين الأصل والبدل للتنافي وشمل كلامه ما إذا كان هذا الفاضل من جنس ما فعله أولا حتى لو اختار الهدي ، وفضل من القيمة ما لا يبلغ هديا فهو مخير في الفضل أيضا ، وعلى هذا لو بلغت قيمته هديين إن شاء ذبحهما ، وإن شاء تصدق بالطعام ، وإن شاء صام عن كل نصف صاع يوما ، وإن شاء ذبح أحدهما ، وأطعم وصام عما بقي فيجمع بين الأنواع الثلاثة أو يتصدق بالقيمة من الدراهم أو الدنانير وذكر قتل يربوعا أو عصفورا الولوالجي في فتاويه أن قيمة الصيد ، وفي الصوم قيمة الطعام ، وهكذا في البدائع . المعتبر في الطعام