وقال في المحيط الحرم يرده إلى مأمنه فإن أرسله في الحل ضمنه ; لأنه أزال أمنه بالإخراج فما لم يعده إلى مأمنه بإرساله في : ومن أخرج صيدا من الحرم لا يبرأ عن الضمان . ا هـ .
فعلم أن المراد بالذبح إتلافه حقيقة أو حكما ، ولا فرق في الإتلاف بين المباشرة والتسبب بشرط أن يكون التسبب عدوانا كما قدمناه في صيد المحرم ولهذا قال في المحيط هنا : ولو الحرم لم يضمن ; لأنه أقام واجبا ، وما قصد الاصطياد فلم يكن متعديا في السبب بل كان مأمورا به فلا يضمن . انتهى . فعلم بهذا أن صيد أدخل المحرم بازيا فأرسله فقتل حمام الحرم يضمن بالمباشرة وبالتسبب ووضع اليد حتى لو الحرم فتلف بآفة سماوية فإنه يكون ضامنا كما سيأتي صريحا في الكتاب والصيد يضمن على المحرم بهذه الثلاثة أيضا ويزاد عليها رابع ، وهو الإعانة على قتله حتى لو وضع يده على صيد لزمه جزاؤه كما صرح به في فتح القدير ، ولم أر من صرح بحكم أحرم ، وفي يده حقيقة صيد فلم يرسله حتى هلك بآفة سماوية الحرم كبيضه ولبنه ، ولعله لفهمه من صيد جزء صيد الحرم فإنه لا شك أن الجزء معتبر بالكل فإذا الحرم أو جرحه ضمن ثم رأيت التصريح في المحيط بأن جراحته مضمونة فقال : حلال كسر بيض صيد الحرم فزادت قيمته من شعر أو بدن ثم مات من الجراحة فعليه ما نقصته الجراحة ، وقيمته يوم مات وتمام تفاريعه فيه ، وأطلق جرح صيدا في المصنف في صيد الحرم فشمل ما إذا كان الصيد في الحرم والصائد في الحل أو عكسه ، وقد صرحوا به .
قال في المحيط : ثم بإحرام الصائد وبدخول الصيد الصيد إنما يصير آمنا بثلاثة أشياء الحرم وبدخول الصائد في الحرم ، وفي الأخير خلاف ونحن نقول إن زفر للحرم يحرم عليه الاصطياد مطلقا كما يحرم بالإحرام والعبرة لقوائم الصيد لا لرأسه حتى لو كان بعض قوائمه في الحل ورأسه في الداخل الحرم فلا شيء عليه في قتله ، ولا يشترط [ ص: 42 ] أن تكون جميع قوائمه في الحرم حتى لو كان بعض قوائمه في الحرم وبعضها في الحل وجب الجزاء بقتله لتغليب الحظر على الإباحة ولهذا لو كان الصيد ملقى على الأرض في الحل ورأسه في الحرم وجب الجزاء بقتله ; لأنه ليس بقائم في الحل وبعضه في الحرم وبما ذكرنا علم أنه لو الحرم فإنه لا شيء عليه ، وكذلك حكم الكلب والبازي إذا أرسلهما كما صرح به رمى إلى صيد من الحل في الحل غير أن ممر السهم في الإسبيجابي ، وهل المعتبر حالة الرمي أو الإصابة ؟ . ففي فتاوى قاضي خان لو الحرم قال رمى صيدا في الحل فنفر الصيد ووقع السهم في عليه الجزاء في قول محمد فيما أعلم . ا هـ . أبي حنيفة
وذكر في المبسوط مثله في آخر المناسك وذكر في موضع آخر أنه لا يلزمه الجزاء ; لأنه في الرمي غير مرتكب للنهي ، ولكن لا يحل تناول ذلك الصيد ، وهذه المسألة المستثناة من أصل فإن عنده المعتبر حالة الرمي إلا في هذه المسألة خاصة فإنه يعتبر في حل التناول حالة الإصابة احتياطا ; لأن الحل يحصل بالذكاة ، وإنما يكون ذلك عند الإصابة ، وعلى هذا إرسال الكلب . ا هـ . أبي حنيفة
وقد اختلف كلامه لكن ذكر في البدائع أنه لا جزاء عليه قياسا ، وفي الاستحسان عليه الجزاء فيحمل الاختلاف على القياس والاستحسان ، وفي فتاوى الولوالجي لا يجب الجزاء ويكره أكله . ا هـ .
وبما ذكرنا علم أن الحرم ، وأصل الشجرة في الحل فإن قتله عليه الجزاء ; لأن المعتبر في الصيد مكانه لا أصله ، وفي حرمة قطع الشجرة العبرة للأصل لا للأغصان ; لأن الأغصان تبع للشجرة ، وليس الصيد تبعا لها ، وهكذا في المحيط وغيره ، وليس المراد من كون الصيد في الصيد لو كان على أغصان شجرة متدلية في الحرم أن يكون في أرضه ; لأنه لا يشترط الكون في الأرض ; لأنه لو كان طائرا في الحرم ، وليس في الأرض فإنه من صيد الحرم ; لأنه دخله ، وقد قال تعالى : { ومن دخله كان آمنا } ، وهواء الحرم كالحرم ، وأما مسألة ما إذا فصرحوا في آخر الجنايات بأن المعتبر وقت الرمي ، وهنا فروع لم أرها صريحا في كلام أئمتنا ، وإن أمكن استخراجها منه . رمى حلال إلى صيد فأحرم ثم أصابه أو عكسه
منها لو وينبغي أن يكون ضامنا ، ولا يخرج عن العهدة حتى يسكن ، ومنها لو نفر صيدا فهلك في حال هربه ونفاره يضمن وينبغي أن يقاس على ما إذا صاح على صيد فمات من صياحه ، ومنها ما لو صاح على صبي فمات فينبغي أن يلزمه جزاءان ; لأن العمد والخطأ في هذا الباب سواء ، وهم قد صرحوا به في صيد رمى إلى صيد فنفذ فيه السهم فأصاب صيدا آخر فقتلهما الحرم [ ص: 43 ] ومنها إذا الحرم وينبغي أنه إذا كان في ملكه أو موات لا ضمان ، وإلا ضمن بناء على أن التسبب يشترط فيه التعدي للماء لا يضمن ، وإن كان للاصطياد يضمن . حفر بئرا فهلك فيها صيد
ومنها لو الحرم فجرحه فمات منها وينبغي أن يلزمه قيمته مجروحا كما تقدم في صيد جرح الحلال صيدا في الحل ثم دخل الصيد الحرم ، ومنها لو الحرم فمات الفرخ وينبغي أن يكون ضامنا للفرخ ; لأنه من صيد أمسك صيدا في الحل ، وله فرخ في الحرم ، وقد تسبب في موته إن قلنا إن إمساكه . عن فرخه معصية ومنها لو الحرم ورمى إلى صيد في الحل أو كان الغصن في الحرم والشجرة والصيد في الحل وينبغي أن يكون الواقف على الغصن حكمه كحكم الطائر إذا كان على الغصن فلا ضمان في الأولى وضمن في الثانية . وقف على غصن في الحل ، وأصل الشجرة في
ومنها إذا وينبغي أنه إن لم يرسله فأتلف ضمن ، وأما إذا أرسله فقد قدمنا عن المحيط عدم الضمان ، ومنها لو أدخل شيئا من الجوارح فأتلفت شيئا لا بصنعه الحرم صيدا في الحل هل يحل له أن يعدو إليه ليقتله في الحل ، وقد قدمنا أن الصيد يصير آمنا بواحد من ثلاثة ، وقد يقال لما خرج من رأى حلال جالس في الحرم لم يبق واحد من الثلاثة فحل له ويجاب بأن الكلام في حل سعيه في الحرم مع أن المقصود بالسعي أمن ، وفي الفتاوى الظهيرية وغيرها الحرم من قبل المشرق ستة أميال ، ومن الجانب الثاني اثنا عشر ميلا ، ومن الجانب الثالث ثمانية عشر ميلا ، ومن الجانب الرابع أربعة وعشرون ميلا هكذا قال الفقيه ، ومقدار أبو جعفر ، وهذا شيء لا يعرف قياسا ، وإنما يعرف نقلا . قال الصدر الشهيد : فيما قاله نظر فإن من الجانب الثاني ميقات العمرة ، وهو التنعيم ، وهذا قريب من ثلاثة أميال . ا هـ .
وذكر الإمام النووي في شرح المهذب أن حده من جهة المدينة دون التنعيم على ثلاثة أميال من مكة ، ومن طريق اليمن على سبعة أميال من مكة ، ومن طريق الطائف على عرفات من بطن نمرة على سبعة أميال ، ومن طريق العراق على ثنية جبل بالمقطع على سبعة أميال ، ومن طريق الجعرانة في شعب أبي عبد الله بن خالد على تسعة أميال ، ومن طريق جدة على عشرة أميال من مكة ، وإن عليه علامات منصوبة في جميع جوانبه نصبها إبراهيم الخليل عليه السلام ، وكان جبريل يريه مواضعها ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتجديدها ثم ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم ، وهي إلى الآن بينة ، وقد جمعها معاوية القاضي أبو الفضل النوبري فقال :
وللحرم التحديد من أرض طيبة ثلاثة أميال إذا رمت إتقانه وسبعة أميال عراق وطائف
وجدة عشر ثم تسع جعرانة ، ومن يمن سبع بتقديم سينها
، وقد كملت فاشكر لربك إحسانه
واختلف العلماء في أن مكة مع حرمها هل صارت حرما آمنا بسؤال إبراهيم عليه السلام أم كانت قبله كذلك ، والأصح أنها ما زالت محرمة من حين خلق الله السموات والأرض . ا هـ .
ثم اعلم أنه للمدينة حرم عندنا فيجوز الاصطياد فيها ، وقطع أشجارها ، وقد وردت أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرها صريحة في تحريم ليس المدينة كمكة ، وأولها أصحابنا بأن المراد بالتحريم التعظيم ويرده ما ثبت في صحيح { مسلم المدينة ما بين لابتيها لا تقطع أغصانها ، ولا يصاد صيدها } فهو صريح في أن لها حرما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني حرمت كمكة فلا يجوز قطع شجرها ، ولا الاصطياد فيها والأحسن الاستدلال بحديث الثابت في الصحيحين { أنس أبو عمير ، وكان له نغير يلعب به فمات [ ص: 44 ] النغير فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول يا أبا عمير ما فعل النغير } ، ولو كان أنه كان له أخ صغير يقال له للمدينة حرم لكان إرساله واجبا عليه ، ولأنكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في إمساكه ، ولا يمازحه ، وأجاب في المحيط عن الأحاديث الصحيحة في أن لها حرما أنها من أخبار الآحاد فيما تعم به البلوى ; لأن الشجر للمدينة أمر تعم به البلوى لا يقبل إذ لو كان صحيحا لاشتهر نقله فيما عم به البلوى . ا هـ . . وخبر الواحد إذا ورد فيما تعم به البلوى
[ ص: 41 ]