( قوله : ومن ضمن النفقة ) ; لأن كل واحد منهما أمره بأن يخلص النفقة له من غير اشتراك ، ولا يمكنه إيقاعه عن أحدهما لعدم الأولوية فيقع عن المأمور نفلا ، ولا يجزئه عن حجة الإسلام ويضمن النفقة إن أنفق من مالهما ; لأنه صرف نفقة الآمر إلى حج نفسه أطلق في الآمرين فشمل الأبوين وسيأتي إخراجهما ، وقيد بالأمر بهما ; لأنه لو أحرم عنهما بغير أمرهما فله أن يجعله عن أحدهما ; لأنه متبرع بجعل ثواب عمله لأحدهما [ ص: 68 ] أو لهما فبقي على خياره بعد وقوعه سببا لثوابه ، وأشار بالضمان إلى أنه لا يمكنه بأن يجعله عن أحدهما بعد ذلك ، وقيد بكونه أحرم عنهما معا ; لأنه لو أحرم عن أحدهما غير معين فالأمر موقوف فإن عين أحدهما قبل الطواف والوقوف انصرف إليه ، وإلا انصرف إلى نفسه ، ولا يكون مخالفا بمجرد الإحرام المذكور ; لأن كلا أمره بحجة ، وأحدهما صالح لكل منهما صادق عليه ، ولا منافاة بين العام والخاص ، ولا يمكن أن يصير للمأمور ; لأنه نص على إخراجها عن نفسه بجعلها لأحد الآمرين فلا ينصرف إليه إلا إذا وجد أحد الأمرين اللذين ذكرناهما ، ولم يتحقق بعد فإذا شرع في الأعمال قبل التعيين تعينت له ; لأن الأعمال لا تقع لغير معين ثم ليس في وسعه أن يحولها إلى غيره ، وإنما جعل له الشرع ذلك إلى الثواب ، ولولا الشرع لم يحكم به في الثواب أيضا ، ولو أحرم بحجة من غير تعيين فإنه يصح التعيين بعده لأحدهما بالأولى وذكر في الكافي أنه ينبغي أن يكون مجمعا عليه لعدم المخالفة ، ولو أحرم مبهما من غير تعيين ما أحرم به لآمر معين فإنه يجوز بلا خلاف ، وهو أظهر من الكل فصور الإبهام أربعة في واحدة يكون مخالفا ، وهي مسألة الكتاب منطوقا ، وفي الثلاثة لا يكون مخالفا ، وهي أن يكون الإبهام إما في الآمر أو في النسك أو فيهما ، ولو حج عن آمريه تكون الباقية عن الآمر كأنه أهل بها وحدها . أهل المأمور بالحج بحجتين إحداهما عن نفسه والأخرى عن الآمر ثم رفض التي أهل بها عن نفسه
وأشار المصنف إلى أن المأمور في كل موضع يصير مخالفا فإنه يضمن النفقة فمنها ما إذا أمره بالإفراد بحجة أو عمرة فقرن ، فهو ضامن للنفقة عنده خلافا لهما .
ومنها ما إذا مكة ; لأنه مأمور بحج ميقاتي ، وما أتى به مكي بخلاف ما إذا أمره بالحج فاعتمر ثم حج من لم يكن مخالفا ، والنفقة في مدة إقامته للحج في ماله ; لأنه أقام في منفعة نفسه بخلاف ما إذا حج أولا ثم اعتمر للآمر فإنه يكون مخالفا ; لأنه جعل المسافة للحج ، وأنه لم يؤمر به ، وإن كانت الحجة أفضل من العمرة ; لأنه خلاف من حيث الجنس كالوكيل بالبيع بألف درهم إذا باع بألف دينار كذا في المحيط ، وفي فتح القدير والحاج عن غيره إن شاء قال لبيك عن فلان ، وإن شاء اكتفى بالنية عنه ، أمره بالعمرة فاعتمر ثم حج عن نفسه ، وإن مرض في الطريق إلا أن يكون وقت الدفع قيل له اصنع ما شئت فحينئذ له أن يأمر غيره به ، وإن كان صحيحا فلو أحج رجلا فحج ثم أقام وليس للمأمور أن يأمر غيره بما أمر به عن الآمر بمكة جاز ; لأن الفرض صار مؤدى والأفضل أن يحج ثم يعود إلى أهله . ا هـ .
ثم اعلم أن النفقة ما يكفيه لذهابه ، وإيابه وأنه لا يخلو إما أن يكون المحجوج عنه حيا أو ميتا فإن كان حيا فإنه يعطيه بقدر ما يكفيه كما ذكرنا فإن أعطاه زائدا على كفايته فلا يحل للمأمور ما زاد بل يجب عليه رده إلى صاحبه إلا إذا قال : وكلتك أن تهب الفضل من نفسك وتقبضه لنفسك فإن كان على موت قال : [ ص: 69 ] والباقي مني لك وصية ، وإن كان قد فإما أن يعين قدرا أو لا فإن عين قدرا اتبع ما عينه حتى لا يجوز النقص عنه إذا كان يخرج من الثلث كما سيأتي تفصيله قريبا في مسألة الوصية ولهذا قال في المحيط أوصى بأن يحج عنه ثم مات ، وأخذ كل واحد منهما نصف المال ثم إن المقر دفع مائة وخمسين يحج بها عن الميت ثم أقر الآخر إن أحج بأمر القاضي يأخذ المقر من الجاحد خمسة وسبعين درهما ; لأنه جاز الحج عن الميت بمائة وخمسين وبقي مائة وخمسون ميراثا لهما فيكون لكل واحد نصفه ، وإن أحج لغير أمر القاضي فإنه يحج مرة أخرى بثلاثمائة ; لأنه لم يجز الحج عن الميت ; لأنه أمره بثلاثمائة . ا هـ . : رجل مات وترك ابنين ، وأوصى بأن يحج عنه بثلاثمائة وترك تسعمائة ، وأنكر أحدهما ، وأقر الآخر
ومع التعيين المذكور لا يحل للمأمور المذكور ما فضل بل يرده على ورثته ; ولهذا قالوا لو جاز عن الميت استحسانا ، وإن خالف أمره وصححه في المحيط ، وقال أصحاب الفتاوى : هو المختار ; لأنه لما ملك أن يملك رقبتها بالبيع ويحج بالثمن استحسانا هو المختار فلأن يملك أن يملك منفعتها بالإجارة ويحج ببدل المنفعة كان أولى ; لأنه لو لم يظهر في الآخرة أنه يملك ذلك يكون الكراء له ; لأنه غاصب ، والحج له فيتضرر الميت ثم يرد البعير إلى ورثة الميت ; لأنه ملك المورث . ا هـ . أوصى بأن يعطى بعيره هذا رجلا ليحج عنه فدفع إلى رجل فأكراه الرجل فأنفق الكراء على نفسه في الطريق وحج ماشيا
وهذه المسألة خرجت عن الأصل للضرورة فإن الأصل أن المأمور بالحج راكبا إذا حج ماشيا فإنه يكون مخالفا ، وإن لم يعين الموصي قدرا فإن الورثة يحجون عنه من الثلث بقدر الكفاية ولهذا قال : الولوالجي في فتاويه فالوصي إن أعطى إلى رجل ليحج عنه في محمل احتاج إلى ألف ، ومائتين ، وإن حج راكبا لا في محمل يكفيه الألف وكل ذلك يخرج من الثلث يجب أقلهما ; لأنه هو المتيقن . ا هـ . رجل مات ، وأوصى أن يحج عنه ، ولم يقدر فيه مالا
فالحاصل أن المأمور لا يكون مالكا لما أخذه من النفقة بل يتصرف فيه على ملك المحجوج عنه حيا كان أو ميتا معينا كان القدر أو غير معين ، ولا يحل له الفضل إلا بالشرط المتقدم سواء كان الفضل كثيرا أو يسيرا كيسير من الزاد كما صرح به في الفتاوى الظهيرية وينبغي أن تكون كذلك الحجة المشروطة من جهة الواقف كما شرط سليمان باشا بوقفه بمصر قدرا معينا لمن يحج عنه كل سنة فإنه يتبع شرطه ، ولا يحل للمأمور ما فضل منه بل يجب رده إلى الوقف ، وهذا كله إذا أوصى بأن يحج عنه أما إذا قال : أحجوا فلانا حجة ، ولم يقل عني ، ولم يسم كم يعطى فإنه يعطى قدر ما يحج به ويكون ملكا له ، وإن شاء حج به ، وإن شاء لم يحج ، وهو وصية كما في المبسوط وغيره .
فإذا عرف ذلك فللمأمور بالحج أن ينفق على نفسه بالمعروف ذاهبا وآيبا ، ومقيما من غير تبذير ، ولا تقتير في طعامه وشرابه وثيابه وركوبه ، وما لا بد له منه من محمل ، وقربة ، وأدوات السفر فلو توطن بمكة بعد الفراغ فإن كان لانتظار القافلة فنفقته في مال الميت ، وإلا فمن مال نفسه ، وما ذكره أكثر المشايخ من أنه إذا توطن خمسة عشر يوما فنفقته عليه فمحمول على ما إذا كان لغير عذر ، وهو عدم خروج القافلة ، وكذا ما ذكره بعضهم من اعتبار الثلاث ، وإذا صارت النفقة عليه بعد خروجها ثم بدا له أن يرجع رجعت نفقته في مال الميت ; لأنه كان استحق نفقة الرجوع في مال الميت ، وهو كالناشزة إذا عادت إلى المنزل والمضارب إذا أقام في بلد أو بلدة أخرى خمسة عشر يوما لحاجة نفسه ، وفي البدائع هذا إذا لم يتخذ مكة دارا فأما إذا اتخذها دارا ثم عاد لا تعود النفقة بلا خلاف ، وإن أقام بها من غير نية الإقامة قالوا إن كانت الإقامة معتادة لم تسقط ، وإن زاد على المعتاد سقطت ، ولو تعجل إلى مكة فهي في مال نفسه إلى أن يدخل عشر ذي الحجة فتصير في مال الآمر ، ولو سلك طريقا أبعد من المعتاد إن كان مما سلكه الناس ففي مال الآمر ، وإلا ففي ماله ، وله أن ينفق على نفسه [ ص: 70 ] نفقة مثله من طعام ، ومنه اللحم والكسوة ، ومنه ثوبا إحرامه وأجرة من يخدمه إن كان ممن يخدم ، وليس له أن ينفق ما فيه ترفيه كدهن السراج والأدهان والتداوي والاحتجام وأجرة الحمام والحلاق إلا أن يوسع عليه واختار في المحيط والخانية أن يعطى أجرة الحمام والحارس ، وصرح الولوالجي بأنه المختار ، وقالوا : له أن يشتري حمارا يركبه وذكر الولوالجي بأنه مكروه والجمل أفضل ; لأن النفقة فيه أكثر ، وليس له أن يدعو أحدا إلى طعامه ، ولا يتصدق به ، ولا يقرض أحدا ، ولا يصرف الدراهم بالدنانير ، ولا يشتري بها ماء لوضوئه ، ولو اتجر في المال ثم حج بمثله فالأصح أنها عن الميت ويتصدق بالربح كما لو خلطها بدراهمه حتى صار ضامنا ثم حج بمثلها ، وله أن يخلط الدراهم للنفقة مع الرفقة للعرف كذا في المحيط .