( قوله والخلوة بلا مرض أحدهما وحيض ونفاس وإحرام وصوم فرض كالوطء ) ; لأنها سلمت المبدل حيث رفعت الموانع وذلك وسعها فيتأكد حقها في البدل اعتبارا بالبيع ، وقد حكى بيان للسبب الثالث المكمل للمهر وهي الخلوة الصحيحة إجماع الصحابة عليه ويدل عليه حديث الطحاوي { الدارقطني } وحينئذ فالمراد بالمس في قوله تعالى { من كشف خمار امرأة أو نظر إليها وجب الصداق دخل أو لم يدخل وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } الخلوة إطلاقا لاسم المسبب على السبب إذ المس مسبب عن الخلوة عادة ويكون كماله بالجماع بحضرة الناس بالإجماع لا بالآية ومن فروع لزوم المهر بالخلوة لو فعليه مهران مهر الزنا ; لأنه سقط الحد بالتزوج قبل تمام الزنا والمهر المسمى بالنكاح ; لأن هذا يزيد على الخلوة زنى بامرأة فتزوجها وهو على بطنها
وقد شرط المصنف في إقامتها مقام الوطء شروطا ترجع إلى أربعة أشياء الخلوة الحقيقية وعدم مانع حسي وعدم مانع طبعي وعدم مانع شرعي من الوطء فالأول للاحتراز عما إذا كان هناك [ ص: 163 ] ثالث فليست بخلوة سواء كان ذلك الثالث بصيرا أو أعمى أو يقظانا أو نائما بالغا أو صبيا يعقل وفصل في المبتغى في الأعمى فإن لم يقف على حاله تصح وإن كان أصم إن كان نهارا لا تصح وإن كان ليلا تصح ا هـ .
وشمل الثالث زوجته الأخرى وهو المذهب بناء على كراهة وطئها بحضرة ضرتها واختلف في الجارية على أقوال قيل لا تمنع مطلقا ولو كانت جارية لغيرهما ، وقيل جاريتها تمنع بخلاف جاريته والمختار أن جاريتها لا تمنع كجاريته كما في الخلاصة وعليه الفتوى كما في المبتغى
وجزم الإمام السرخسي في المبسوط بأن كلا منهما يمنع وهو قول وصاحبيه ; لأنه يمتنع من غشيانها بين يدي أمته طبعا ا هـ . أبي حنيفة
وشمل الثالث الكلب إن كان عقورا مطلقا وإن لم يكن عقورا فكذلك إن كان لها وإن كان له صحت الخلوة وخرج من الثالث الصبي الذي لا يعقل والمجنون والمغمى عليه والمراد بالذي يعقل هنا ما يمكنه أن يعبر ما يكون بينهما كافي الخانية وللاحتراز عن مكان لا يصلح للخلوة والصالح لها أن يأمنا فيه اطلاع غيرهما عليهما كالدار والبيت ولو لم يكن له سقف ، وكذا الخيمة في المفازة والمحل الذي عليه قبة مضروبة
وكذا البستان الذي له باب وأغلق فلا تصح في المسجد والطريق الأعظم والحمام وسطح الدار من غير ساتر والبستان الذي ليس له باب وإن لم يكن هناك أحد واختلف في البيت إذا كان بابه مفتوحا أو طوابقه بحيث لو نظر إنسان رآهما ففي مجموع النوازل إن كان لا يدخل عليهما أحد إلا بإذن فهي خلوة واختار في الذخيرة أنه مانع وهو الظاهر ويصح أن تكون هذه الفروع داخلة في المانع الحسي ; لأن وجود ثالث وعدم صلاحية المكان مانع حسي كما في الأسرار ، وأشار بالمرض إلى المانع الحسي وعممه بعدم الفرق بين مرضه ومرضها وأطلقه فأفاد أن مطلق المرض مانع وهو كذلك في مرضه ، وأما في مرضها فلا بد أن يكون مرضا يمنع الجماع أو يلحقه به ضرر وهو الصحيح ; لأن مرضه لا يعرى عن تكسر وفتور عادة ومن المانع الحسي الرتق والقرن والعفل والشعر داخل الفرج المانع من جماعها والقرن في الفرج مانع يمنع من سلوك الذكر فيه إما غدة غليظة أو لحم أو عظم وامرأة رتقاء بها ذلك كذا في المغرب وامرأة رتقاء بينة الرتق إذا لم يكن لها خرق إلا المبال وضبط القرن في شرح المجمع بسكون الراء والرتق بفتح التاء والعفل شيء مدور يخرج بالفرج ومنه صغرها بحيث لا تطيق الجماع وليس له أن يدخل بها قبل أن تطيقه وقدر بالبلوغ ، وقيل بالتسع ، والأولى عدم التقدير كما قدمناه فلو فالقاضي يريها النساء ولم يعتبر السن كذا في الخلاصة وفي قال الزوج تطيقه وأراد الدخول وأنكر الأب قولان وجزم خلوة الصغير الذي لا يقدر على الجماع قاضي خان بعدم الصحة فكان هو المعتمد
ولذا قيد في الذخيرة بالمراهق وسيأتي الكلام على الخصي ونحوه ، وأشار بالحيض والنفاس إلى المانع الطبعي وهو شرعي أيضا ولا يخفى أنه عند عدم درور الدم ليس مانعا طبعا مع أنه مانع شرعا ; لأن الطهر المتخلل بين الدمين في المدة حيض ونفاس . والظاهر أنه لا يوجد لنا مانع طبعي إلا وهو شرعي فلو اكتفوا بالمانع الشرعي عنه لكان أولى
وأشار بالإحرام والصوم إلى المانع الشرعي أما الإحرام فأطلقه فشمل الإحرام بحج فرض أو نفل أو بعمرة وعلله في الهداية وغيرها بأنه يلزم من الوطء معه الدم وفساد النسك والقضاء فظاهره أنه لو خلا بها بعد الوقوف بعرفة فإنها صحيحة للأمن من الفساد مع أن الجواب مطلق وهو الظاهر للحرمة شرعا ، وأما الصوم فقيده المصنف بصوم الفرض للاحتراز عن صوم التطوع ; لأنه لا يمنع صحة الخلوة وإن كان واجبا بالشروع ; لأن وجوبه لضرورة صيانة المؤدي فلا يظهر في حق غيره مع أن الإفطار فيه بغير عذر جائز في رواية وشمل صوم الفرض قضاء رمضان والكفارات والمنذور فإنها تمنع صحة [ ص: 164 ] الخلوة وهو قول البعض والصحيح أنه لا يمنع صحتها ; لأنها لا كفارة في إفسادها فلو قال المصنف وصوم رمضان أي أداء كما في المجمع لكان أولى ; لأنه الصحيح أو قال والصوم اختيارا لقول البعض لأمكن ; لأنه لا فرق عند البعض بين صوم التطوع والفرض في أنه يمنع صحتها كالإحرام فتقييده بصوم الفرض ليس على قول من الأقوال وينبغي أن يكون صوم الفرض ولو منذورا يمنع صحة الخلوة اتفاقا ; لأنه يحرم إفساده وإن كان لا كفارة فيه فهو مانع شرعي ،
وأما الصلاة ، فقالوا فرضها كفرض الصوم ونفلها كنفله كذا في الهداية وعلله في غاية البيان بأنه لا يأثم بترك النافلة وهو الصحيح فلا يكون مانعا بخلاف صلاة الفرض فإنه يأثم بتركها ا هـ .
وفيه نظر ; لأنه ليس الكلام في الترك ، وإنما هو في الإفساد ولا شك أن إفساد الصلاة لغير عذر حرام فرضا كانت أو نفلا فينبغي أن يكون مطلق الصلاة مانعا مع أنهم قالوا إن الصلاة الواجبة كالنفل لا تمنع صحة الخلوة كما في شرح النقاية مع أنه يأثم بتركها وأغرب منه ما في المحيط أن صلاة التطوع لا تمنع صحتها إلا الأربع قبل الظهر فإنها تمنع صحة الخلوة ; لأنها سنة مؤكدة فلا يجوز تركها بمثل هذا العذر ا هـ .
فإنه يقتضي عدم الفرق بين السنن المؤكدة ويقتضي أن الواجبة تمنع صحتها بالأولى ومن المانع الشرعي أن يكون طلاقها معلقا بخلوتها فلو طلقت فيجب نصف المهر لحرمة وطئها كذا في الواقعات قال لها إن خلوت بك فأنت طالق فخلا بها
زاد في البزازية والخلاصة بأنه لا تجب العدة في هذا الطلاق ; لأنه لا يتمكن من الوطء وسيأتي وجوبها في الخلوة الفاسدة على الصحيح فتجب العدة في هذه الصورة احتياطا وصورها في المبتغى [ ص: 165 ] بالمعجمة بأن كان لها نصف المسمى ومن المانع الشرعي أن لا يعرفها حين دخلت عليه أو حين دخل عليها على الأصح ; لأنها إنما تقام مقام الوطء إذا تحقق بالخلوة التسليم والتمكين وذا لا يحصل إلا بالمعرفة كذا في المحيط ويصدق في أنه لم يعرفها كذا في الخانية ولو عرفها هو ولم تعرفه هي تصح الخلوة كذا في التبيين قال إن تزوجت فلانة فخلوت بها فهي طالق فتزوجها وخلا بها
ولعل الفرق أنه متمكن من وطئها إذا عرفها ولم تعرفه بخلاف عكسه فإنه يحرم عليه وطؤها وفي الخانية صحت الخلوة ولو الكافر إذا خلى بامرأته بعدما أسلمت لا تصح الخلوة ا هـ . أسلم الكافر وامرأته مشركة فخلا بها
ولعل الفرق مبني على أن الكافر غير مخاطب بالفروع فكان متمكنا من وطء المسلمة بخلاف وطء المسلم المشركة وفي الخلاصة ولو دخلت عليه وهو نائم صحت علم أو لم يعلم ا هـ .
وهو مشكل ; لأنه لم يتمكن مع النوم من وطئها كما إذا لم يعرفها لكن أقاموه مقام اليقظان هنا وينبغي أن يكون من المانع الشرعي كونه مظاهرا منها فلو لم تصح لحرمة وطئها عليه ويدل عليه أن ظاهر منها ثم خلا بها قبل التكفير الإمام الدبوسي في الأسرار فسر المانع الشرعي بما يحرم عليه معه جماعها وأطلق في إقامتها مقام الوطء في الأحكام فأفاد أنه يكمل لها المسمى وإن قالت لم يطأني كما في الخانية ولو لم تمكنه من الوطء في الخلوة ففيه اختلاف المتأخرين كذا في الذخيرة وقياس وجوب النفقة أن تصح الخلوة كما لا يخفى واختار الطرسوسي تفقها من عنده أنها إن كانت بكرا صحت الخلوة ; لأنها لا توطأ إلا كرها وإن كانت ثيبا لم تصح لعدم تسليم البضع اختيارا وكانت راضية بإسقاط حقها بخلاف البكر فإنها تستحي وأفاد أنها كالوطء في الأحكام لكن هي كالوطء في أحكام دون أحكام فأقاموها مقامه في حق كمال المهر وثبوت النسب ووجوب العدة والنفقة والسكنى في هذه العدة وحرمة نكاح أختها وأربع سواها وحرمة نكاح الأمة في قياس قول ومراعاة وقت الطلاق في حقها ، كذا ذكروا أبي حنيفة
وينبغي أن لا يذكر ثبوت النسب من أحكام الخلوة القائمة مقام الوطء ; لأنها من أحكام العقد وإن لم توجد خلوة أصلا كما صرح به في المبسوط ، وكذا النفقة والسكنى وحرمة نكاح الأخت ونحوها فإنها من أحكام العدة فذكرها يغني عنها هذا ما فهمته ثم بعد مدة رأيت في جامع الفصولين نقلا عن أدب القاضي للخصاف أنها قائمة مقام الوطء في حق تكميل المهر ووجوب العدة ولم تقم مقامه في بقية الأحكام ا هـ .
وهذا هو التحقيق ولم يقيموها مقامه في حق الإحصان إن تصادقا على عدم الدخول وإن أقرا به لزمهما حكم الإحصان وإن أقر به أحدهما صدق في حق نفسه دون صاحبه كما في المبسوط وفي حرمة البنات وحلها للأول [ ص: 166 ] والميراث حتى لو لم ترثه كما في المجتبى وفي الرجعة فلا يصير مراجعا بالخلوة ولا رجعة له بعد الطلاق الصريح بعد الخلوة أبانها ثم مات في عدتها
وأما في حق وقوع طلاق آخر ففيه روايتان والأقرب إلى الصواب الوقوع ; لأن الأحكام لما اختلفت يجب القول بالوقوع كذا في الذخيرة وجعلها في المجتبى كالوطء في حق التزويج فإنها تزوج كما تزوج الثيب وهو ضعيف لما قدمنا من أنها تزوج بعدها كالأبكار إذا قالت لم يدخل بي وفي غاية البيان إذا تكون إجازة ; لأن الخلوة بالأجنبية حرام وقال بعضهم نفس الخلوة لا تكون إجازة ا هـ . خلا بها في النكاح الموقوف
وزاد في المجتبى في عدم كونها كالوطء في منعها نفسها للمهر ولا ينبغي إدخاله هنا ; لأنه لو وطئها حقيقة فلها منعه بعده عند نعم يتأتى على قولهما كما لا يخفى وفي المجتبى الموت أقيم مقام الدخول في حكم العدة والمهر وفيما سواهما كالعدم وفي شرح أبي حنيفة الناصحي فإن ماتت الأم قبل أن يدخل بها فابنتها له حلال ا هـ .
( قوله ولو مجبوبا أو عنينا أو خصيا ) أي الخلوة بلا الموانع المذكورة كالوطء ولو فلها كمال المهر بعد الطلاق والخلوة عند كان الزوج مجبوبا أو نحوه وقالا كذلك في الخصي والعنين وفي المجبوب عليه النصف ; لأنه أعجز من المريض بخلاف العنين ; لأن الحكم أدبر على سلامة الآلة أبي حنيفة أن المستحق عليها التسليم في حق السحق ، وقد أتت به . ولأبي حنيفة
والحاصل أن الخلوة الصحيحة عنده هي التمكين من الوطء بأقصى ما في وسعها فإن قلت : يلزم على هذا أن توجب الخلوة بالرتقاء كمال المهر إذ ليس هنا تسليم غيره قلنا إن الرتق قد يزول فكان هذا التسليم منتظرا غيره فلم يجب كمال المهر لعدم التسليم كاملا كذا في غاية البيان والجب القطع ومنه المجبوب الخصي الذي استؤصل ذكره وخصيتاه ، وقد جب جبا وخصاه نزع خصيتيه يخصيه خصاء على فعال والإخصاء في معناه خطأ ، وأما الخصي على فعل فقياس وإن لم نسمعه والمفعول خصي على فعيل والجمع خصيان كذا في المغرب وفي الغاية الظاهر أن قطع الخصيتين ليس بشرط في المجبوب ، ولذا اقتصر الإسبيجابي على قطع الذكر .
وأشار المصنف إلى صحة بالأولى وإلى أن نسب الولد يثبت من المجبوب وهو بالإجماع كذا في البدائع ، وذكر خلوة الخنثى التمرتاشي إن علم أنه ينزل يثبت وإن علم خلافه فلا وعليها العدة والأولى أحسن وعلم القاضي أنه ينزل أولا ربما يتعذر أو يتعسر كذا في فتح القدير .
[ ص: 163 ]