( قوله : بخلاف نبيذ التمر ) يعني إن ، فإنه يتوضأ ولا يجمع بينه وبين التيمم وذكر هذه المسألة هنا إما ; لأنه ما يجوز الوضوء به على رأي أو ; لأن فقد ماء مطلقا ولم يجد إلا نبيذ التمر لما أوجب الجمع صار عنده مشكوكا فيه فشابه سؤر الحمار كذا قيل لكن لا يخفى ضعف الثاني ; لأن محمدا المصنف جعله مخالفا لسؤر الحمار ثم اعلم أن الكلام هاهنا في ثلاثة مواضع :
الأول : في تفسيره الثاني في وقته الثالث في حكمه أما الأول فهو أن يلقي في الماء تميرات فيصير رقيقا يسيل على الأعضاء حلوا غير مسكر ولا مطبوخ ، وإنما قلنا حلوا ; لأنه توضأ به قبل خروج الحلاوة يجوز بلا خلاف ، وإنما قلنا غير مسكر ; لأنه لو كان مسكرا لا يجوز الوضوء به بلا خلاف لأنه حرام ، وإنما قلنا غير مطبوخ ; لأنه لو طبخ فالصحيح أنه لا يتوضأ به إذ النار قد غيرته حلوا كان أو مشتدا كمطبوخ الباقلاء كذا في المبسوط [ ص: 144 ] والمحيط يعني بلا خلاف بين الثلاثة ، وهو الأليق بما قدمناه من أن الماء يصير مقيدا بالطبخ إذا لم يقصد به المبالغة في التنظيف وبه يظهر ضعف ما صححه في المفيد والمزيد أنه يجوز الوضوء به بعدما طبخ وقد ذكر الزيلعي أن صاحب الهداية وقع منه تناقض فإنه ذكر هنا أن النار إذا غيرته يجوز الوضوء به عند لجواز شربه وذكر في بحث المياه أنه لا يجوز الوضوء بما تغير بالطبخ ا هـ . أبي حنيفة
ولا يخفى ثبوت الخلاف في هذه المسألة ; لأن اختلاف التصحيح ينبئ عنه فكان فيه روايتان فيحتمل أن يكون مراد صاحب الهداية نقل الرواية في الموضعين فلا تناقض حيث أمكن التوفيق وأما سائر الأنبذة ، فإنه لا يجوز الوضوء بها عند عامة العلماء ، وهو الصحيح ; لأن جواز ثابت بخلاف القياس بالحديث ; ولهذا لا يجوز عند القدرة على الماء المطلق فلا يقاس عليه غيره كذا في غاية البيان . التوضؤ بنبيذ التمر
وأما الثاني : قال : كل وقت يجوز التيمم فيه يجوز التوضؤ به ، وإلا فلا كذا في معراج الدراية ، وأما الثالث ففيه ثلاث روايات عن أبو حنيفة الأولى ، وهو قوله الأول أنه يتوضأ به جزما ويضيف التيمم إليه استحبابا والثانية يجب الجمع بينه وبين التيمم كسؤر الحمار وبه قال أبي حنيفة واختاره في غاية البيان ورجحه والثالثة أنه يتيمم ولا يتوضأ به قوله الآخر وقد رجع إليه ، وهو الصحيح وبه قال محمد أبو يوسف والشافعي ومالك وأكثر العلماء واختاره وأحمد وحكي عن الطحاوي أبي طاهر الدباس أنه قال إنما اختلفت أجوبة لاختلاف الأسئلة ، فإنه سئل عن التوضؤ به إذا كانت الغلبة للحلاوة قال يتيمم ولا يتوضأ به وسئل مرة إذا كان الماء والحلاوة سواء قال يجمع بينهما وسئل مرة إذا كانت الغلبة للماء فقال يتوضأ به ولا يتيمم وبالجملة فالمذهب المصحح المختار المعتمد عندنا هو عدم الجواز موافقة للأئمة الثلاث فلا حاجة إلى الاشتغال بحديث أبي حنيفة الدال على الجواز من { ابن مسعود } أخرجه قوله [ ص: 145 ] عليه السلام له ليلة الجن ما في إداوتك قال نبيذ تمر قال تمرة طيبة وماء طهور أبو داود والترمذي ; لأن من العلماء من تكلم فيه وضعفه وإن أجيب عنه بما ذكره وابن ماجه الزيلعي المخرج وغيره وعلى تقدير صحته هو منسوخ بآية التيمم لتأخرها إذ هي مدنية وعلى هذا مشى جماعة من المتأخرين فإذا علم عدم جواز الوضوء به علم عدم جواز الغسل به واختلفوا على قول من يجيز الوضوء به في جواز فصحح في المبسوط جوازه وصحح في المفيد عدمه ولا فائدة في التصحيحين بعد أن كان المذهب عدم الجواز به في الحديثين ; لأن المجتهد إذا رجع عن قول لا يجوز الأخذ به كما صرح به في التوشيح وتشترط النية له على قول من يجيز الوضوء به ولا يخفى أن سؤر الحمار مقدم عليه على المذهب وعلى القول الأول يقدم النبيذ وعند الغسل به يجمع بينهما مع التيمم محمد
وإذا شرع في الصلاة بالتيمم ثم وجده ، فهو كالمعدوم على المذهب وعلى الأول يقطعها وعند يمضي فيها ويعيدها بالوضوء به كما لو وجد سؤر حمار ، فإنه يمضي ويعيدها به بالاتفاق ولولا عبارة الوافي - أصل الكتاب - لشرحته بأن المراد أن النبيذ مخالف لسؤر الحمار حيث لا يجوز الوضوء به أصلا ليصير ما في الكتاب هو المعتمد ولقد أنصف محمد ناصر المذهب حيث قال ما ذهب إليه الإمام الطحاوي أولا اعتمد على حديث أبو حنيفة لا أصل له ا هـ والله سبحانه وتعالى أعلم . ابن مسعود
[ ص: 144 ]