( قوله : بطاهر ) متعلق بيتيمم يعني لقوله تعالى { يشترط لصحة التيمم طهارة الصعيد فتيمموا صعيدا طيبا } ولا طيب مع النجاسة حتى لو لا يجوز إلا إذا وقع ذلك الغبار عليه بعد ما جف ولا بد أن تكون طهارته مقطوعا بها حتى لو تيمم بغبار ثوب نجس لم يجز في ظاهر الرواية والفرق بين التيمم منها وجواز الصلاة عليها أن الجفاف مقلل لا مستأصل وقليلها مانع في التيمم دون الصلاة ويجوز أن يعتبر القليل مانعا في شيء دون شيء كقليلها في الماء مانع [ ص: 155 ] دون الثوب كذا في البدائع وسيأتي تمامه في الأنجاس إن شاء الله تعالى وظاهر كلامهم أن الأرض التي جفت نجسة في حق التيمم طاهرة في حق الصلاة والحق أنها طاهرة في حق الكل ، وإنما منع التيمم منها لفقد الطهورية كالماء المستعمل طاهر غير طهور ، وكان ينبغي تيمم بأرض قد أصابتها نجاسة فجفت وذهب أثرها للمصنف أن يقول بمطهر ليخرج ما ذكرنا كما عبر به في منظومة وللحديث الوارد من قوله صلى الله عليه وسلم { ابن وهبان } بناء على أن الطهور بمعنى المطهر وقد تقدم الكلام فيه وفي المحيط والبدائع ولو جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا جاز ; لأنه لم يصر مستعملا ; لأن التيمم إنما يتأدى بما التزق بيده لا بما فضل كالماء الفاضل في الإناء بعد وضوء الأول ا هـ . تيمم اثنان من مكان واحد
وهو يفيد تصور استعماله وقصره على صورة واحدة ، وهي أن يمسح الذراعين بالضربة التي مسح بها وجهه ليس غير ( قوله : من جنس الأرض ) يعني يتيمم بما كان من جنس الأرض قال المصنف في المستصفى : كل ما يحترق بالنار فيصير رمادا كالشجر أو ينطبع ويلين كالحديد فليس من جنس الأرض وما عدا ذلك فهو من جنس الأرض ا هـ .
فلا يجوز وغيره والماء المتجمد والمعادن إلا أن تكون في محالها فيجوز للتراب الذي عليها لا بها نفسها واللؤلؤ ، وإن كان مسحوقا ; لأنه متولد من حيوان في البحر والدقيق والرماد ويجوز بالحجر والتراب والرمل والسبخة المنعقدة من الأرض دون الماء والجص والنورة والكحل والزرنيخ والمغرة والكبريت والفيروزج والعقيق والبلخش والزمرد والزبرجد وفي فتح القدير عدم الجواز بالمرجان وفي غاية البيان والتوشيح والعناية والمحيط ومعراج الدراية والتبيين الجواز فكان الأول سهوا التيمم بالأشجار والزجاج المتخذ من الرمل
وأما الملح ، فإن كان مائيا فلا يجوز به اتفاقا ، وإن كان جبليا ففيه روايتان وصحح كل منهما ذكره في الخلاصة لكن الفتوى على الجواز به كذا في التجنيس ويجوز بالآجر المشوي ، وهو الصحيح ; لأنه طين مستحجر وكذا بالخزب الخالص إلا إذا كان مخلوطا بما ليس من جنس الأرض أو كان عليه صبغ ليس من جنس الأرض كذا أطلق في التجنيس والمحيط وغيرهما مع أن المسطور في فتاوى قاضي خان التراب إذا خالطه شيء ما ليس من أجزاء الأرض يعتبر فيه الغلبة ، وهذا يقتضي أن يفصل في المخالط للنيء بخلاف المشوي لاحتراق ما فيه من أجزاء الأرض كذا في فتح القدير وفي فتاوى قاضي خان ، وإذا احترقت الأرض بالنار إن اختلطت بالرماد يعتبر فيه الغالب إن كانت الغلبة للتراب جاز به التيمم ، وإلا فلا وفي فتح القدير يجوز في الأصح ولم يفصل والظاهر التفصيل ، وفي المحيط ولو التيمم بالأرض المحترقة إن كان مسبوكا لا يجوز ، وإن لم يكن مسبوكا ، وكان مختلطا بالتراب والغلبة للتراب جاز ا هـ . تيمم بالذهب والفضة
فعلم بهذا أن ما أطلقه في فتح القدير محمول على هذا التفصيل
وإذا يلطخه بثوبه فإذا جف تيمم به وقيل عند لم يجد إلا الطين يتيمم بالطين ، وهو الصحيح ; لأن الواجب عنده وضع اليد على الأرض لا استعمال جزء منه والطين من جنس الأرض إلا إذا صار مغلوبا بالماء فلا يجوز التيمم به كذا في المحيط وقيد الجواز بالطين أبي حنيفة الولوالجي في فتاويه [ ص: 156 ] وصاحب المبتغى بأن يخاف خروج الوقت أما قبله فلا كي لا يتلطخ وجهه فيصير بمعنى المثلة من غير ضرورة ، وهو قيد حسن ينبغي حفظه وذكر الإسبيجابي ولو أن ينظر إن كان يستبين أثره بمده عليه جاز ، وإن كان لا يستبين لا يجوز ا هـ . الحنطة أو الشيء الذي لا يجوز عليه التيمم إذا كان عليه التراب فضرب يده عليه وتيمم
وبهذا يعلم حكم فالظاهر عدم الجواز لقلة وجود هذا الشرط في نحو الجوخة فليتنبه له والله سبحانه الموفق ، وهذا كله عند التيمم على جوخة أو بساط عليه غبار أبي حنيفة ومحمد
وقال لا يجوز إلا بالتراب ، وهو قول أبو يوسف لما أخرجه الشافعي عن مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم { حذيفة } وروى قال وجعلت لي الأرض مسجدا وجعل تربتها لنا طهورا أحمد { والبيهقي } وجعل لي التراب طهورا ولأبي حنيفة قوله تعالى { ومحمد فتيمموا صعيدا طيبا } والصعيد اسم لوجه الأرض ترابا كان أو غيره قال لا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك ، وإذا كان هذا مفهومه وجب تعميمه وتعين حمل تفسير الزجاج الصعيد بالتراب على الأغلب ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين { ابن عباس } ; لأن اللام فيها للجنس فلا يخرج شيء منها ; لأن الأرض كلها جعلت مسجدا وما جعل مسجدا هو الذي جعل طهورا وما في الصحيحين أيضا من حديث وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا { عمار } ولم يقل التراب وما رواه إنما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض من { البخاري } قال أنه صلى الله عليه وسلم تيمم على الجدار حيطان الطحاوي المدينة مبنية من حجارة سود من غير تراب ولو لم تثبت الطهارة بهذا التيمم لما فعله صلى الله عليه وسلم
وأما رواية { } فالجمهور على خلافه وأن الثابت وتربتها ولا يراد بها التراب بل مكان تربتها ما يكون فيه من التراب والرمل وغيره من جنس الأرض ولو سلم فالاستدلال به عمل بمفهوم اللقب ، وهو ليس بحجة عند الجمهور وما قد يتوهم أن هذا يخصص رواية الأرض ; لأنه فرد من أفراد العام فخطأ ; لأن التخصيص إخراج الفرد من حكم العام ، وهذا ربط حكم العام نفسه ببعض أفراده كذا في فتح القدير بمعناه ويدل له ما ذكر في البدائع أن الجمهور أنه إذ وافق خاص عاما لم يخصصه خلافا وترابها طهور كقوله { لأبي ثور أيما أهاب } وكقوله في شاة ميمونة { } لنا لا تعارض فالعمل بهما واجب ، فإن قيل المفهوم مخصص عند قائليه فذكرها يخرج غيرها قلنا أما على أصلنا فظاهر ومن أجاز المفهوم فبغير اللقب ا هـ . دباغها طهورها
وكذا ذكر في أصوله وبهذا اندفع ما ذكره ابن الحاجب النووي في شرح أنه من قبيل حمل المطلق على المقيد قال مسلم في تفسيره : وقولهم هذا من باب المطلق والمقيد فليس كذلك ، وإنما هو من باب النص على بعض أشخاص العموم كقوله تعالى { القرطبي فيهما فاكهة ونخل ورمان } ا هـ .
وعلى تسليم أنهما منه وقولهم إن مفهوم اللقب حجة إذا اقترن بقرينة ، وهي هنا موجودة ; لأنه لولا أن الحكم متعلق بالمذكور لم يكن لذكره فائدة قلنا إنه إنما ذكره جريا على الغالب وإشارة إلى أنه الأصل .
[ ص: 155 ]