( باب تفويض الطلاق ) .
لما فرغ من بيان ما يوقعه الزوج بنفسه صريحا وكناية شرع فيما يوقعه غيره بإذنه تفويض وتوكيل ورسالة ، والتفويض إليها يكون بلفظ التخيير ، والأمر باليد ، والمشيئة وقدم الأول لثبوته بصريح الدليل ( قوله : ولو وهو ثلاثة أنواع بانت بواحدة ) لأن المخيرة لها خيار المجلس بإجماع الصحابة رضي الله عنهم إجماعا سكوتيا عند تصريح بعضهم وما نقل من خلاف قال لها اختاري ينوي الطلاق فاختارت في مجلسها رضي الله عنه لم يثبت وتمسك علي لمن لم يشترطه بقوله عليه السلام ابن المنذر رضي الله عنها { لعائشة } ضعيف لأن هذا التخيير لم يكن للتنازع فيه وهو أن توقع بنفسها بل على أنها إن اختارت نفسها طلقها بدليل قوله تعالى { لا تعجلي حتى تستأمري أبويك فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا } وأجاب في المعراج بأنه عليه السلام جعل لها الخيار إلى غاية استشارة أبويها لا مطلقا وكلامنا في المطلق ا هـ .
ولأنه تمليك الفعل منها لكونها عاملة لنفسها وهو يقتصر عليه وأورد على أنه تمليك منها أنه كيف يعتبر تمليكا مع بقاء ملكه ، والشيء الواحد يستحيل أن يكون كله مملوكا لشخصين ، وأجاب في الكافي بأنه تمليك الإيقاع لا تمليك العين فقبل الإيقاع بقي ملكه ا هـ .
وأورد على كونها عاملة لنفسها لو وكله بإبراء نفسه كان وكيلا بدليل صحة رجوعه قبل الإبراء مع أن المديون عامل لنفسه وسيأتي جوابه وما فيه في فصل المشيئة وقول الزيلعي في الوكالة عند قوله وبطل توكيل الكفيل بمال أنه مالك وليس بوكيل يقتضي أن لا يصح الرجوع عنه ليس بصحيح فقد صرح في العناية وغيرها أنه لا يتقيد بالمجلس ويصح الرجوع عنه ، وفي العناية أن التمليك هو الإقدار الشرعي على محل التصرف ، والتوكيل الإقدار على التصرف فاندفعت هذه الشبهة ا هـ .
وفيه نظر لأن التمليك الإقدار الشرعي على نفس التصرف ابتداء ، والتوكيل الإقدار الشرعي على نفس التصرف لا ابتداء كما أشار إليه في فتح القدير في أول كتاب البيع وهو الحق لأنه لا معنى للإقرار على المحل إلا باعتبار التصرف فيه ، وفي المعراج لا يلزم من التمليك عدم صحة الرجوع لانتقاضه بالهبة فإنها تمليك ويصح الرجوع لكنه تمليك يخالف سائر التمليكات من حيث إنه يبقى إلى ما وراء المجلس إذا كانت غائبة ولا يتوقف على القبول لكونها تطلق نفسها بعد التفويض وهو بعد تمام التمليك قيد بالنية لأنه من الكنايات ودلالة الحال قائمة مقامها قضاء لا ديانة ، والدلالة مذاكرة الطلاق أو الغضب وقدمنا أنه مما تمحض للجواب ، والقول قوله مع اليمين في عدم النية أو الدلالة وتقبل بينتها على إثبات الغضب أو المذاكرة لا على النية إلا إذا قامت على إقراره بها كما ذكره الولوالجي .
وإذا لم يصدق [ ص: 336 ] قضاء لا يسعها الإقامة معه إلا بنكاح مستقبل لأنها كالقاضي وإنما ترك ذكر الدلالة هنا للعلم مما قدمه أول الكنايات وأراد بنية الطلاق نية تفويضه وقيد بالمجلس لأنها لو قامت عنه أو أخذت في عمل آخر بطل خيارها كما سنذكره وأفاد بذكر مجلسها أنه لا اعتبار بمجلسه فلو خيرها ثم قام هو لم يبطل بخلاف قيامها كذا في البدائع وأشار باقتصاره على التخيير إلى أنه لو زاد متى شئت فإنه لا يتقيد بالمجلس فهو لها فيه وبعده وبخطابها إلى أنه لو خيرها وهي غائبة اعتبر مجلس علمها ، ولو اعتبر مجلس علمها في هذا اليوم فلو مضى اليوم ثم علمت خرج الأمر من يدها وكذا كل وقت قيد التفويض به وهي غائبة ولم تعلم حتى انقضى بطل خيارها ، ولو قال : جعلت لها أن تطلق نفسها اليوم فالقول لها لأنها منكرة كذا في المحيط ، ولو قال الزوج علمت في مجلس القول وأنكرت المرأة فلها الخيار في الليلة الأولى ، واليوم الأول من الشهر ، ولو قال لها : اختاري رأس الشهر فلها الخيار ساعة يقدم أو أهل الهلال في المجلس ، ولو قال : اختاري إذا قدم فلان وإذا أهل الهلال فهما خياران ، ولو قال في اليوم وغد فهو خيار واحد كذا في المحيط أيضا . قال : اختاري اليوم واختاري غدا
وأشار بعدم ذكر قبولها إلى أنه تمليك يتم بالمملك وحده فلو رجع قبل انقضاء المجلس لم يصح وما علل به في الذخيرة من كونه بمعنى اليمين إذ هو تعليق الطلاق بتطليقها نفسها فخلاف التحقيق لأنه اعتبار ممكن في سائر الوكالات لتضمنه معنى إذا بعته فقد أجزأته فكان يقتضي أن لا يصح الرجوع عنها مع أنه صحيح كذا في فتح القدير ، وفيه نظر لأن هذا الاعتبار لا يمكن في الوكالة لأنه لا يصح تعليق الإجازة بالشرط كما في الكنز وغيره بخلاف الطلاق فكان سهوا ، والحق ما في الذخيرة ، وفي جامع الفصولين أنه تمليك فيه معنى التعليق فلكونه تمليكا تقيد بالمجلس ولكونه تعليقا بقي إلى ما وراء المجلس ولم يصح الرجوع عنه عملا بشبهيه ، وفي جامع الفصولين قيل هو وكالة يملك عزلها وإلا صح أنه لا يملكه ا هـ . تفويض الطلاق إليها
وإنما وقع البائن به لأنه ينبئ عن الاستخلاص ، والصفا من ذلك الملك وهو بالبينونة وإلا لم تحصل فائدة التخيير إذ كان له أن يراجعها شاءت أو أبت وقيد باقتصاره على التخيير المطلق لأنه لو فهي واحدة رجعية لأنه لما صرح بالطلاق فقد خيرها بين نفسها بتطليقة واحدة رجعية وبين ترك التطليقة وكذا في قوله : أمرك بيدك كذا في البدائع وهو مستفاد من قول قال لها : اختاري الطلاق فقالت اخترت الطلاق المصنف آخر الباب اختاري تطليقة أو أمرك بيدك في تطليقة ، والمراد بقوله فاختارت اختيارها نفسها فلو اختارت زوجها لم يقع وخرج الأمر من يدها ، ولو يقع ، ولو قالت زوجي لا بل نفسي لا يقع وخرج الأمر من يدها ولو عطفت بأو فقالت اخترت نفسي أو زوجي لا يقع ، ولو كان بالواو فالاعتبار للمقدم ويلغو ما بعده . قالت اخترت نفسي لا بل زوجي
ولو خيرها ثم جعل لها شيئا لتختاره فاختارته لم يقع ولا يجب المال لأنه رشوة كذا في فتح القدير ، وفي تلخيص الجامع من باب إجازة الطلاق لو طلقت اعتبارا بالإنشاء كذا أبنت إذا نويا ، ولو ثلاثا بخلاف الأول كذا حرمت وبدون النية إيلاء لأنه يمين ، وفي اخترت لا يقع إذ لا وضع أصلا [ ص: 337 ] ولا عرف إلا جوابا كذا جعلت الخيار إلي أو أمري بيدي فطلقت لأن الفاء للتفسير فاعتبر المفسر ولغا لفقد التمليك سابقا بخلاف الواو لأنه للابتداء فتقع رجعية وتتخير إذ يوقف ماله إنشاؤه وهو التخيير دون الاختيار ولم يستند لأنه سبب عند الإجازة للتعليق بها فاعتبر المجلس بعدها ولم يقيد بوجود الشرط قبلها في تعليق الفضولي بخلاف البيع لأنه لا يقبل التعليق فاعتبر سببا حال العقد كذا جعلت أمس أمري بيدي ، وفي قلت أمس أمري بيدي اليوم لا خيار لها لأن الوقت ثم للجعل ، والمجلس بعد الإجازة وهناك للأمر فانتهى بمضيه . ا هـ . قالت طلقت نفسي فأجاز