وحاصله أن الدين لا يمنع تحرير الرقبة الموجودة ويمنع وجوب شرائطها بمال على أحد القولين ، فإن قلت : إذا كان عليه كفارتا ظهار لامرأتين وفي ملكه رقبة فقط فصام عن إحداهما ثم أعتق عن ظهار الأخرى هل يجزئه الصوم عن الأولى قلت لم أره صريحا ولكن في المحيط في نظيره ما يقتضي عدم الإجزاء قال عليه كفارتا يمين وعنده طعام يكفي لإحداهما فصام عن إحداهما ثم أطعم عن الأخرى لا يجوز صومه ; لأنه فلا يجزئه ا هـ . صام وهو قادر على التكفير بالمال
وبما نقلناه عن المحيط من أن من له عبد غائب في ملكه لا يجزئه الصوم ظهر أن ما ذكره الإمام فخر الدين الرازي عن أصحاب استنباطا من تعبيره تعالى بعدم الوجود عند الانتقال إلى الصوم وبعدم الاستطاعة عند الانتقال إلى الإطعام من أنه لو كان له مال غائب فإنه ينتظره ولا يصوم ومن كان مريضا مرضا يرجى برؤه فإنه يطعم ولا ينتظر الصحة ليصوم موافق لمذهبنا أيضا في الصوم لا في الإطعام لما سيأتي وإن كان المال أعم من العبد ; لأنه لا فرق بين العبد وبين قدر ما يشتري به وأراد بالأيام المنهية الخمسة المعروفة وهي يوما العيد وأيام التشريق ; لأن الصوم بسبب النهي فيها ناقص فلا يتأدى به الكامل وشهر رمضان في حق الصحيح المقيم لا يسع غير فرض الوقت قيدنا بالمقيم الصحيح ; لأن المسافر له أن يصوم عن واجب آخر ، وفي المريض روايتان كما علم في الأصول في بحث الأمر ، وفي اقتصاره على نفي الأيام المنهية وشهر رمضان دلالة على أنه لا يشترط أن لا يكون فيهما وقت نذر صومه ; لأن المنذور المعين إذا نوى فيه واجبا آخر وقع عما نوى بخلاف رمضان كما علم في الصوم . الشافعي
وفي كلامه إشارة إلى أن هذه الأيام لو دخلت على الصوم انقطع التتابع صامها أو لا لإمكان وجود شهرين يصومهما خاليين عنها فلذا قطع النفاس والمرض التتابع وكان حيضها غير قاطع لصوم كفارتها لعدم الإمكان وينبغي أن يكون مخصوصا بكفارة قتلها وفطرها في الحيض ; لأنها لا تجد شهرين خاليين عن حيضها بخلاف كفارة اليمين فإنها تجد ثلاثة أيام خالية عنه ثم رأيت الفرق مصرحا به في المحيط ، وفي البدائع عليها أن تصل أيام القضاء بعد الحيض بما قبله حتى لو لم تصل وأفطرت يوما بعد الحيض استقبلت لتركها التتابع بلا ضرورة بخلاف نفاسها ، وهذا مما خالف فيه [ ص: 115 ] النفاس الحيض فإن النفاس قاطع للتتابع في صوم كل كفارة لها بخلاف الحيض فإنه غير قاطع في كفارة الفطر والقتل وعن في المنتقى لو محمد استقبلت ; لأنها قدرت على مراعاة التتابع فلزمها التتابع وعن صامت شهرا ثم حاضت ثم أيست أنها إذا حبلت في الشهر الثاني بنت كذا في المحيط ، فعلى الأول قولهم حيضها غير قاطع في كفارة الشهرين إلا إذا أيست بعده فحينئذ يقطع وأما صوم المضللة عن الكفارة فقد استوفاه في المحيط من الحيض وقد أفاد كلامه أن كل صوم شرط فيه التتابع نصا فحكمه كالكفارة فإذا أفطر فيه يوما بطل ما قبله ولزمه الاستقبال كالمنذور المشروط فيه التتابع معينا أو مطلقا بخلاف المعين الخالي عن اشتراطه فإن التتابع فيه وإن لزم لكن لا يستقبل إذا أفطر فيه يوما كرجب مثلا ; لأنه لا يزيد على رمضان وحكمه ما ذكرنا كما في فتح القدير من الأيمان . أبي يوسف
وأراد بعدم الوجود عدما مستمرا إلى فراغ صوم الشهرين حتى لو وجب عليه الإعتاق وكان صومه تطوعا والأفضل إتمامه وإن أفطر لا قضاء عليه ; لأنه شرع فيه مسقطا لا ملتزما خلافا قدر على الإعتاق في اليوم الأخير قبل غروب الشمس وقيد الصوم بعدم الوجود ; لأنه غير جائز من القادر على التحرير لترك الواجب في قوله تعالى { لزفر فتحرير رقبة } ; إذ المعنى فالواجب عليه تحرير رقبة لا عملا بمفهوم الشرط كما لا يخفى واليسار والإعسار معتبران وقت التكفير أي الأداء لا وقت الوجوب كمذهب ولا أغلظ الحالين كمذهب أحمد ; لأن القدرة إنما يحتاج إليها للأداء فيشترط وجودها وعدمها عند الأداء ، وفي المحيط لو الشافعي جاز ، ولو صام بغير الأهلة تسعة وخمسين يوما يصوم ثانيا ; لأن الأصل اعتبار الشهر بالأهلة فإن غم الهلال اعتبر كل شهر ثلاثين يوما ا هـ . صام بالأهلة فاتفق تسعة وخمسين يوما
وينبغي أن يقال فاتفق ثمانية وخمسين جاز لجواز كون كل منهما تسعة وعشرين يوما وقد أفاده في التتارخانية .