( قوله : كالغسل ) أي لما تحتها وليس ببدل والجبيرة كما ذكره والمسح على الجبيرة وخرقة القرحة المصنف في الطلبة عيدان تربط على الجرح ويجبر بها العظام وفي المغرب جبر الكسر جبرا وجبر بنفسه جبورا والجبران في مصادره غير مذكورة والجبر غير فصيح وجبره بمعنى أجبره لغة ضعيفة ، وإن قل استعمال المجبور بمعنى المجبر وقرحه قرحا جرحه ، وهو قريح ومقروح ذو قرح ا هـ .
وفي القاموس القرحة قد يراد بها الجراحة وقد يراد بها ما يخرج في البدن من بثور . ا هـ . وأياما كان المراد هنا فالحكم المذكور [ ص: 194 ] لا يختلف ثم الأصل في شرعيته على ما ذكر غير واحد من مشايخنا ما عن { رضي الله عنه قال انكسرت إحدى زندي فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسح على الجبائر علي } رواه وفي إسناده ابن ماجه عمرو بن خالد الواسطي متروك قال النووي في هذا الحديث اتفقوا على ضعفه وفي المغرب انكسرت إحدى زندي صوابه كسر أحد زنديه ; لأن الزند مذكر والزندان عظما الساعد ونقل علي المصنف في المستصفى خلافا في أنه هل كان الكسر يوم أحد أو يوم خيبر وذكر الزيلعي المخرج أحاديث دالة على الجواز وضعفها ويكفي في هذا الباب ما صح عن رضي الله عنهما أنه مسح على العصابة كما ذكره ابن عمر الحافظ المنذري ، فإن الظاهر أن الموقوف في هذا كالمرفوع ، فإن الأبدال لا تنصب بالرأي والباقي استئناس لا يضره التضعيف إن تم إذا لم يقو بعضه ببعض أما إذا قوي فليستدل به كما قدمناه ولم يذكر المصنف رحمه الله صفة المسح على الجبيرة والملحق بها لوجود الاختلاف في نقل المذهب فاعلم أنه لا خلاف في أنه إذا كان المسح على الجبيرة يضره أنه يسقط عنه المسح ; لأن الغسل يسقط بالعذر فالمسح أولى ، وإنما الخلاف فيما إذا كان لا يضره ففي المحيط ولو جاز ، فإن لم يضره لم يجز تركه ترك المسح على الجبائر والمسح يضره
ولا تجوز الصلاة بدونه عند أبي يوسف ولم يحك في الأصل قول ومحمد وقيل عنده يجوز تركه والصحيح أن عنده مسح الجبيرة واجب وليس بفرض حتى يجوز بدونه الصلاة ; لأن الفرضية لا تثبت إلا بدليل مقطوع به وحديث علي من أخبار الآحاد فأوجب العمل به دون العلم فحكمنا بوجوب المسح عملا ولم نحكم بفساد الصلاة حال عدم المسح ; لأن الحكم بالفساد يرجع إلى العلم ، وهذا الدليل لا يوجبه ويوافقه ما في شرح أبي حنيفة والزيادات والذخيرة بأن المسح ليس بفرض عنده وكذا ذكر الطحاوي في تجريده أنه الصحيح وكذا صحح في الغاية كما في المحيط وفي التجنيس الاعتماد على أنه ليس بفرض عنده ، وفي الخلاصة أن القدوري رجع إلى قولهما بعدم جواز الترك ا هـ . أبا حنيفة
ويوافقه ما ذكره صاحب المجمع في شرحه من قوله وقيل الوجوب متفق عليه ، وهذا أصح وعليه [ ص: 195 ] الفتوى ; لأن المسح على الجبيرة كالغسل لما تحتها ووظيفة هذا العضو الغسل عند الإمكان والمسح على الجبيرة عند عدمه كالتيمم وكما لا يقال إن الوضوء لا يجب عند العجز عن الماء فلا يجب التيمم كذلك لا يقال إن غسل ما تحتها ساقط فسقط المسح بل هو واجب بدليله كما وجب التيمم بدليله ا هـ .
فحاصله أنه قد اختلف التصحيح في افتراضه أو وجوبه ولم أر من صحح استحبابه على قول وقد جنح المحقق في فتح القدير إلى تقوية القول بوجوبه حيث قال ما معناه وغاية ما يفيد الوارد في المسح على الجبيرة الوجوب فعدم الفساد بتركه أقعد بالأصول وحكم على قول الخلاصة الماضي بأنه اشتهر عن شهرة نقيضه عنه ولعل ذلك معنى ما قيل إن عنه روايتين . ا هـ . أبي حنيفة
وهذا مبني على ما ذكره في المحيط من أن حكم بالفساد يرجع إلى العلم فلا يثبت بدليل ظني وفيه بحث ، فإن الكلام في الصلاة مفسد لها مع أن ترك الكلام فيها ثابت بخبر الواحد ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام { } فلا يكون الحكم بالفساد من باب العلم فيجوز ثبوته بظني كذا في التوشيح وقد يقال إن الحكم بالفساد بسبب الكلام ليس ثابتا بالحديث ; لأنه إنما أفاد كونه محظورا فيها والاتفاق على أنه حظر يرتفع إلى الإفساد ، فهو إنما ثبت بالاتفاق لا بالحديث ولا يخفى أنه على القول بوجوبه لا الفساد بتركه إذا لم يمسح وصلى ، فإنه يجب عليه إعادة تلك الصلاة لما عرف من أن كل صلاة أديت مع ترك واجب وجبت إعادتها هذا وقد ذكر إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس تفصيلا على قول [ ص: 196 ] الشيخ أبو بكر الرازي فقال إن كان ما تحت الجبيرة لو ظهر أمكن غسله فالمسح واجب بالأصل ليتعلق بما قام مقامه كمسح الخف أبي حنيفة
وإن كان ما تحتها لو ظهر لا يمكن غسله فالمسح عليها غير واجب ; لأن فرض الأصل قد سقط فلا يلزم ما قام مقامه كالمقطوع القدم إذا لبس الخف قال الصريفني ، وهذا أحسن الأقوال ويؤيده ما ذكره المصنف في المصفى أن الخلاف في المجروح أما المكسور فيجب عليه المسح بالاتفاق كذا في السراج الوهاج فمبنى ما في المصفى على تفصيل لا كما توهمه في فتح القدير من أنه مبني على أن خبر المسح عن الرازي في المكسور . ا هـ . علي
وهذا كله بإطلاقة شامل لما إذا كانت الجراحة بالرأس وقد صرح به في البدائع فقال ولو كانت الجراحة على رأسه وبعضه صحيح ، فإن كان الصحيح قدر ما يجوز عليه المسح ، وهو قدر ثلاث أصابع لا يجوز إلا أن يمسح عليه ; لأن المفروض من مسح الرأس هذا القدر ، وهذا القدر من الرأس صحيح فلا حاجة إلى المسح على الجبائر ، وإن كان أقل من ذلك لم يمسح ; لأن وجوده وعدمه بمنزلة واحدة ويمسح على الجبائر ا هـ .
وفي المبتغى بالغين المعجمة ومن كان جميع رأسه مجروحا لا يجب المسح عليها ; لأن المسح بدل عن الغسل ولا بدل له وقيل يجب ا هـ .
والصواب هو الوجوب وقوله المسح بدل عن الغسل غير صحيح ; لأن المسح على الرأس أصل بنفسه لا بدل كما لا يخفى وفي شرح الجامع الصغير لقاضي خان والمسح على الجبائر على وجوه إن كان لا يضره غسل ما تحته يلزمه الغسل
وإن كان يضره الغسل بالماء البارد ولا يضره الغسل بالماء الحار يلزمه الغسل بالماء الحار ، وإن كان يضره الغسل ولا يضره المسح يمسح ما تحت الجبيرة ولا يمسح فوقها ا هـ .
قالوا ينبغي أن يحفظ هذا ، فإن الناس عنه غافلون ولكن قال في السراج الوهاج : ولو كان لا يمكنه غسل الجراحة إلا بالماء الحار خاصة ولا يمكنه بما سواه لم يجب عليه تكلف الغسل الحار ويجزئه المسح لأجل المشقة . ا هـ .
والظاهر الأول كما لا يخفى ; ولهذا اقتصر المحقق في فتح القدير عليه ولم ينقل غيره وقيده بأن يكون قادرا عليه ، وهو ظاهر وقد قدمنا أن المسح على الجبيرة ليس ببدل بخلاف المسح على الخفين ; ولهذا لا يمسح على الخف في أحد الرجلين ويغسل الأخرى ; لأنه يؤدي إلى الجمع بين الأصل والبدل
ولو كانت الجبيرة على إحدى رجليه ومسح عليها وغسل الأخرى لا يكون ذلك جمعا بين الأصل والبدل ; ولهذا أيضا لو ، فإنه يتوضأ وينزع الخف ; لأن المجروحة مغسولة حكما ولا يجتمع الوظيفتان في الرجل وعلى قياس ما روي عن مسح على خرقة المجروحة وغسل الصحيحة ولبس الخف عليها ثم أحدث إن ترك المسح على الجبائر ، وهو لا يضره يجوز ينبغي أن يجوز ; لأنه لما سقط غسل المجروحة صارت كالذاهبة هذا إذا لبس الخف على الصحيحة لا غير ، فإن لبس على الجريحة أيضا بعدما مسح على جبيرتها ، فإنه يمسح عليها ; لأن المسح عليها كالغسل لما تحتها كذا في الخلاصة ، وهذا كله ظاهر في أن هذا المسح ليس ببدل عن الغسل وظاهر ما في الهداية أنه بدل وتعقبه بعض الشارحين بأنه ليس ببدل بدليل ما ذكرنا من الفرق بينه وبين مسح الخف فكان أصلا لا بدلا . أبي حنيفة
وأجيب بأنه في نفسه بدل بدليل أنه لا يجوز عند القدرة على الغسل لكن نزل منزلة الأصل لعدم القدرة عليه فكان كالأصل بخلاف المسح على الخفين ، فإنه لم يعط له حكم الغسل بل هو بدل محض ; ولهذا لو جمع بينه وبين الغسل أو بين المسح على الجبيرة يلزم الجمع بين الأصل والبدل حقيقة أو حكما
[ ص: 194 ]