( قوله ) : ( إن لم أشرب ماء هذا الكوز اليوم فكذا ، ولا ماء فيه أو كان فصب أو أطلق ، ولا ماء فيه لا يحنث ، وإن كان فصب حنث ) بيان لشرط من شروط انعقاد اليمين ، وهو إمكان تصور البر في المستقبل ، وكذا من شرط بقائها ، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد ، وقال أبو يوسف لا يشترط ; لأنه يمكن القول بالانعقاد موجبا للبر على وجه يظهر في حق الحلف ، وهو الكفارة ، ولهما أنه لا بد من تصور الأصل لتنعقد في حق الحلف وبهذا لا تنعقد الغموس موجبة للكفارة ، ولا فرق على هذا الخلاف بين اليمين بالله تعالى أو بالطلاق ، ولهذا صورها في المختصر بيمين الطلاق أو العتاق ، وقد ذكر المصنف [ ص: 358 ] مسألة الكوز ، وهي مفرعة على هذا الأصل ، وذكر أنها على أربعة أوجه وجهان في المقيدة ووجهان في المطلقة أما في المقيدة فهي على وجهين إما أن لا يكون فيه ماء أصلا أو كان فيه ماء وقت الحلف ثم صب قبل مضي الوقت ، وفي كل منهما لا يحنث لعدم انعقاد اليمين في الأول ، ولبطلانها عند الصب في الثاني عندهما ، ولا فرق في الوقت بين أن يكون اليوم أو الشهر أو الجمعة .
وأما المطلقة فعلى وجهين إما أن لا يكون فيه ماء أصلا فلا يحنث لعدم انعقاد اليمين أو كان فيه وصب فإنه يحنث لانعقادها لإمكان البر ثم يحنث بالصب ; لأن البر يجب عليه كما فرغ فإذا صب فقد فات البر فيحنث في ذلك الوقت كما لو مات الحالف والماء باق وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين أن يكون قد صبه هو أو غيره أو مال الكوز فانصب ما فيه من غير فعل أحد ، وأما عند أبي يوسف فيحنث في الوجوه كلها غير أنه في المؤقت يحنث في آخر الوقت ، وفي المطلق يحنث للحال إن لم يكن فيه ماء ، وإن كان فيه ماء يحنث عند الصب ، وأطلق المصنف في عدم حنثه في المسائل الثلاثة فشمل ما إذا علم الحالف أن فيه ماء أو لا ، وما إذا علم أن لا ماء فيه ، وقيده الإسبيجابي بعدم علمه بأن لا ماء فيه ، وأما إذا علم بأن لا ماء فيه يحنث بالاتفاق . ا هـ .
; لأنه إذا علم وقعت يمينه على ما يخلق الله تعالى فيه ، وقد تحقق العدم فيحنث وروي عن أبي حنيفة في رواية أخرى أنه قال لا يحنث علم أو لم يعلم ، وهو قول زفر . ا هـ .
وصحح في التبيين هذه الرواية في شرح قوله إن لم أقتل فلانا فكذا ، ولذا أطلق هنا في المختصر وجزم بالإطلاق في فتح القدير ، وقد تفرع على هذا الأصل مسائل : منها ما لو حلف ليقتلن زيدا اليوم فمات زيد قبل مضي اليوم لا يحنث عند هما كما سيأتي بيانه . ومنها لو حلف ليأكلن هذا الرغيف اليوم فأكله غيره قبل الليل . ومنها لو حلف ليقضين فلانا دينه غدا ، وفلان قد مات ، ولا علم له أو مات أحدهما قبل مضي الغد أو قضاه قبله أو أبرأه فلان قبله لم تنعقد ، ومنها ما لو [ ص: 359 ] قال لزيد إن رأيت عمرا فلم أعلمك فعبدي حر فرآه مع زيد فسكت ، ولم يقل شيئا أو قال هو عمرو لا يعتق عندهما . ومنها لو حلف لا يعطيه حتى يأذن فلان فمات فلان ثم أعطاه لم يحنث ، وكذا ليضربنه أو ليكلمنه ، ومنها لو قال رجل لامرأته إن لم تهبي لي صداقك اليوم فأنت طالق ، وقال أبوها إن وهبت له صداقك فأمك طالق فحيلة عدم حنثهما أن تشتري منه بمهرها ثوبا ملفوفا وتقبضه فإذا مضى اليوم لم يحنث أبوها ; لأنها لم تهب صداقها ، ولا الزوج ; لأنها عجزت عن الهبة عند الغروب ; لأن الصداق سقط عن الزوج بالبيع ثم إذا أرادت عود الصداق ردته بخيار الرؤية الكل في فتح القدير ، ومنها ما في الولوالجية من تعليق الطلاق رجل قال إن لم أدخل الليلة البلد ، ولم ألق فلانا فامرأته طالق فدخل ، ولم يصادفه في منزله فلم يلقه حتى أصبح إن كان عالما بأنه غاب عن المنزل وقت الحلف يحنث ، وإن لم يكن عالما لا يحنث . ا هـ .
ومنها ما في المبتغى ، وفي يمينه لامرأته إن لم تصل صلاة الفجر غدا فأنت كذا لا يحنث بحيضها بكرة في الأصح . ا هـ .
ومنها لو قال لامرأته بعدما أصبح إن لم أجامعك هذه الليلة فأنت طالق ، ولم تكن له نية ، وكان يعلم أنه أصبح وقع يمينه على الليلة القابلة ; لأنه حلف نهارا فينصرف إلى الليلة القابلة المستقبلة ، وإن نوى تلك الليلة لا تنعقد اليمين عند أبي حنيفة ومحمد فرعا لمسألة الكوز . ومنها قال إن نمت هذه الليلة في هذه الدار فامرأته كذا ، وقد انفجر الصبح ، وهو لا يعلم لا يحنث في يمينه ; لأن شرط الحنث ، وهو النوم في الليلة الماضية لا يتصور فصار كأنه قال إن صمت أمس فامرأته طالق لا يحنث في يمينه . ومنها ما لو قال إن لم أبت الليلة في هذه الدار والمسألة بحالها فكذلك في قولهما . ومنها لو غاب الرجل عن داره ساعة ثم رجع فظن أن المرأة غائبة عن الدار فقال إن لم آت بامرأتي إلى داري الليلة فهي طالق ثلاثا فلما أصبح قالت المرأة كنت في هذه الدار لم يحنث عند أبي حنيفة ومحمد ; لأن اليمين لم تنعقد ، وإن قالت كنت غائبة فإن صدقها الزوج طلقت ; لأن الزوج أقر بالطلاق ، ومنها ما لو قال إن لم تردي الدينار الذي أخذتيه من كيسي فأنت طالق فإذا الدينار في كيسه لم تطلق ; لأن البر هنا لم يتصور فلم تنعقد اليمين فلا يترتب الحنث بمنزلة مسألة الكوز ، ومنها قوم حلفهم السلطان على أن يؤدوا خراج تلك البلدة إلى وقت معلوم فأدي الخراج كله لكن بعضهم بغير أمر الباقين أو أدى الخراج كله رجل واحد غيرهم بغير أمرهم لم يحنثوا في قول أبي حنيفة ومحمد ; لأنه لما أدى واحد منهم أو غيرهم لم يبق الخراج عليهم فلا يتصور شرط البر فتبطل اليمين عندهما ; لأنها مؤقتة بوقت الكل في الواقعات ، وقد قدمنا شيئا من مسائل هذا النوع في تعلق الطلاق عند قولهم وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها .


