( قوله : : ومسه إلا بغلافه ) أي لما روى تمنع الحائض مس القرآن في المستدرك وقال صحيح الإسناد عن { الحاكم قال لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حكيم بن حزام اليمن قال لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر } واستدلوا له أيضا بقوله تعالى { لا يمسه إلا المطهرون } فظاهر ما في الكشاف صحة الاستدلال به هنا إن جعلت الجملة صفة للقرآن ، ولفظه : في كتاب مكنون مصون عن غير المقربين من الملائكة لا يطلع عليه من سواهم وهم المطهرون من جميع الأدناس أدناس الذنوب وما سواها إن جعلت الجملة صفة لكتاب مكنون وهو اللوح ، وإن جعلتها صفة للقرآن فالمعنى لا ينبغي أن يمسه إلا من هو على الطهارة من الناس يعني مس المكتوب منه . ا هـ .
لكن الإمام الطيبي في حاشيته ذكر صحة الاستدلال به على الوجه الأول أيضا فقال فالمعنى على الوجه الأول أن هذا الكتاب كريم على الله تعالى ومن كرمه أنه أثبته عنده في اللوح المحفوظ وعظم شأنه بأن حكم بأنه لا يمسه إلا الملائكة المقربون وصانه عن غير المقربين فيجب أن يكون حكمه عند الناس كذلك بناء على أن ترتب الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية ; لأن سياق الكلام لتعظيم شأن القرآن وعن الدارمي عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { عبد الله بن عمرو } . ا هـ . القرآن أحب إلى الله تعالى من السموات والأرض ومن فيهن
وذكر أنه على الوجه الثاني إخبار في معنى الأمر كقوله { الزاني لا ينكح إلا زانية } . ا هـ .
وتعبير المصنف بمس القرآن أولى من تعبير غيره بمس المصحف لشمول كلامه ما إذا مس لوحا مكتوبا عليه آية ، وكذا الدرهم والحائط وتقييده بالسورة في الهداية اتفاقي بل المراد الآية لكن لا يجوز مس المصحف كله المكتوب وغيره بخلاف غيره فإنه لا يمنع إلا مس المكتوب كذا ذكره في السراج الوهاج مع أن في الأول اختلافا فقال في غاية البيان ، وقال بعض مشايخنا المعتبر حقيقة المكتوب حتى إن مس الجلد ومس مواضع البياض لا يكره ; لأنه لم يمس القرآن وهذا أقرب إلى القياس والمنع أقرب إلى التعظيم ا هـ .
وفي تفسير الغلاف اختلاف فقيل الجلد المشرز وفي غاية البيان مصحف مشرز أجزاؤه مشدود بعضها إلى بعض من الشيرازة وليست بعربية وفي الكافي والغلاف الجلد الذي عليه في الأصح وقيل هو المنفصل كالخريطة ونحوها والمتصل بالمصحف منه حتى يدخل في بيعه بلا ذكر . ا هـ .
وصحح هذا القول في الهداية وكثير من الكتب وزاد في السراج الوهاج [ ص: 212 ] إن عليه الفتوى ، وقد تقدم أنه أقرب إلى التعظيم ، والخلاف في الغلاف المشرز جار في الكم ففي المحيط لا يكره مسه بالكم عند الجمهور واختاره المصنف في الكافي وعلله بأن المس محرم وهو اسم للمباشرة باليد بلا حائل ا هـ .
وفي الهداية ويكره مسه بالكم هو الصحيح ; لأنه تابع له ا هـ .
وفي الخلاصة من فصل القرآن وكرهه عامة مشايخنا ا هـ .
فهو معارض لما في المحيط فكان هو الأولى وفي فتح القدير والمراد بالكراهة كراهة التحريم ولهذا عبر بنفي الجواز في الفتاوى وقال لي بعض الإخوان قلت لا أعلم فيه منقولا ، والذي يظهر أنه إن كان بطرفه وهو يتحرك بحركته ينبغي أن لا يجوز ، وإن كان لا يتحرك بحركته ينبغي أن يجوز لاعتبارهم إياه في الأول تابعا له كبدنه دون الثاني قالوا فيمن صلى وعليه عمامة بطرفها نجاسة مانعة إن كان ألقاه وهو يتحرك لا يجوز وإلا يجوز اعتبارا له على ما ذكرنا . ا هـ . هل يجوز مس المصحف بمنديل هو لابسه على عنقه
وفي الهداية بخلاف كتب الشريعة حيث يرخص لأهلها في مسها بالكم ; لأن فيه ضرورة . ا هـ .
وفي فتح القدير أنه يقتضي أنه لا يرخص بلا كم قالوا : يكره مس كتب التفسير والفقه والسنن ; لأنها لا تخلو عن آيات القرآن وهذا التعليل يمنع مس شروح النحو أيضا ا هـ .
وفي الخلاصة يكره مس كتب الأحاديث والفقه للمحدث عندهما وعند الأصح أنه لا يكره ذكره من كتاب الصلاة في فضل القراءة خارج الصلاة وفي شرح الدرر والغرر ورخص المس باليد في الكتب الشرعية إلا التفسير ذكره في مجمع الفتاوى وغيره . ا هـ . أبي حنيفة
وفي السراج الوهاج معزيا إلى الحواشي المستحب أن لا يأخذ كتب الشريعة بالكم أيضا بل يجدد الوضوء كلما أحدث وهذا أقرب إلى التعظيم قال الحلواني إنما نلت هذا العلم بالتعظيم فإني ما أخذت الكاغد إلا بطهارة والإمام السرخسي كان مبطونا في ليلة وكان يكرر درس كتابه فتوضأ في تلك الليلة سبع عشرة مرة .
( فروع ) من التعظيم أن لا يمد رجله إلى الكتاب وفي التجنيس المصحف إذا صار كهنا أي عتيقا وصار بحال لا يقرأ فيه وخاف أن يضيع يجعل في خرقة طاهرة ويدفن ; لأن المسلم إذا مات يدفن فالمصحف إذا صار كذلك كان دفنه أفضل من وضعه موضعا يخاف أن تقع عليه النجاسة أو نحو ذلك يعلم والفقه كذلك ; لأنه عسى يهتدي لكن لا يمس المصحف ، وإذا اغتسل ثم مس لا بأس به في قول والنصراني إذا تعلم القرآن محمد وعندهما يمنع من مس المصحف مطلقا ، ولو بالإجماع وهو الصحيح ، أما عند كان القرآن مكتوبا بالفارسية يحرم على الجنب والحائض مسه فظاهر وكذلك عندهما ; لأنه قرآن عندهما حتى يتعلق به جواز الصلاة في حق من لا يحسن العربية ا هـ . أبي حنيفة
ذكره في كتاب الصلاة وفي القنية اللغة والنحو نوع واحد فيوضع بعضها فوق بعض ، والتعبير فوقهما والكلام فوق ذلك والفقه فوق ذلك والأخبار والمواعظ والدعوات المروية فوق ذلك والتفسير فوق ذلك والتفسير الذي فيه آيات مكتوبة فوق كتب القراءة ، بساط أو غيره كتب عليه الملك لله يكره بسطه واستعماله إلا إذا علق للزينة ينبغي أن لا يكره ، وينبغي أن لا يكره كلام الناس مطلقا وقيل يكره حتى الحروف المفردة ورأى بعض الأئمة شبانا يرمون إلى هدف كتب فيه أبو جهل لعنه الله فنهاهم عنه ، ثم مر بهم وقد قطعوا الحروف فنهاهم أيضا وقال إنما نهيتكم في الابتداء لأجل الحروف فإذا يكره مجرد الحروف لكن الأول أحسن وأوسع يجوز ويجوز أن يقول للصبي احمل إلي هذا المصحف ولا يجوز لف شيء في كاغد فيه مكتوب من الفقه وفي الكلام الأولى أن لا يفعل وفي كتب الطب يجوز ولو كان فيه اسم الله تعالى أو اسم النبي عليه السلام فيجوز محوه ليلف فيه شيء ومحو بعض الكتابة [ ص: 213 ] بالريق يجوز ، وقد ورد النهي في محو اسم الله تعالى بالبزاق محا لوحا يكتب فيه القرآن واستعمله في أمر الدنيا يجوز حانوت أو تابوت فيه كتب فالأدب أن لا يضع الثياب فوقه ، يجوز قربان المرأة في بيت فيه مصحف مستور يجوز رمي براية القلم الجديد ولا يرمي براية القلم المستعمل لاحترامه كحشيش المسجد وكناسته لا تلقى في موضع يخل بالتعظيم ا هـ . للمحدث الذي يقرأ القرآن من المصحف تقليب الأوراق بقلم أو عود أو سكين
ذكره في الكراهية وتكره القراءة في المخرج والمغتسل والحمام .
وعند لا بأس في الحمام ; لأن الماء المستعمل طاهر عنده ولو كانت رقية في غلاف متجاف لم يكره دخول الخلاء به والاحتراز عن مثله أفضل ، كذا في فتح القدير وفي الخلاصة لو كان على خاتمه اسم الله تعالى يجعل الفص إلى باطن الكف ا هـ . محمد
وفي التوشيح وتكره صونا عن وقوعه في أيدي الكفرة واستخفافه وفي السراج الوهاج المسافرة بالقرآن إلى دار الحرب يكره إذابته إلا إذا كسره فلا بأس به حينئذ وفي غاية البيان معزيا إلى الدرهم المكتوب عليه آية فخر الإسلام ، فإن غسل الجنب فمه ليقرأ أو يده ليمس أو غسل المحدث يده ليمس لم يطلق له المس ولا القراءة للجنب هذا هو الصحيح ; لأن الجنابة والحدث لا يتجزآن وجودا ولا زوالا وفي الخلاصة إنما تكره القراءة في الحمام إذا قرأ جهرا ، فإن قرأ في نفسه لا بأس به هو المختار وكذا التحميد والتسبيح وكذا لا يقرأ إذا كانت عورته مكشوفة أو امرأته هناك تغتسل مكشوفة أو في الحمام أحد مكشوف ، فإن لم يكن فلا بأس بأن يرفع صوته .