اعلم أن خمسة من أصحاب وهم أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد روى كل منهم عنه في هذه المسألة رواية إلا وابن المبارك محمدا فإنه روى عنه روايتين وأخذ بإحداهما فالأصل عند وهو قول أبي يوسف الآخر على ما في المبسوط أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان أقل من خمسة عشر يوما لا يصير فاصلا بل يجعل كالدم المتوالي ; لأنه لا يصلح للفصل بين الحيضتين فلا يصلح للفصل بين الدمين ، وإن كان خمسة عشر يوما فصاعدا يكون فاصلا لكنه لا يتصور ذلك إلا في مدة النفاس ، ثم إن كان في أحد طرفيه ما يمكن جعله حيضا فهو حيض وإلا فهو استحاضة ثم ينظر إن كان لا يزيد على العشرة فهو حيض كله ما رأت الدم فيه وما لم تره وسواء كانت مبتدأة أو لا وما سواه فدم استحاضة وطهره طهر ووافق أبي حنيفة محمد في أبا يوسف إن كان خمسة عشر يوما فصل بين الدمين فيجعل الأول نفاسا والثاني حيضا إن أمكن بأن كان ثلاثة بليالها فصاعدا أو يومين وأكثر الثالث عند الطهر المتخلل في مدة النفاس وإلا كان استحاضة وعند أبي يوسف لا يفصل ويجعل إحاطة الدم بطرفيه كالدم المتوالي فلو رأت بعد الولادة يوما دما وثمانية وثلاثين طهرا ويوما دما فالأربعون نفاس عنده وعندهما نفاسها الدم الأول ومن أصل أبي حنيفة أيضا أنه يجوز أبي يوسف بشرط أن يكون قبله وبعده دم ويجعل الطهر بإحاطة الدمين به حيضا بداية الحيض بالطهر وختمه به
وإن كان قبله دم ولم يكن بعده دم يجوز بداية الحيض بالطهر ولا يجوز ختمه به ، وعلى عكسه بأن كان بعده دم ولم يكن قبله دم يجوز ختم الحيض بالطهر ولا يجوز بدايته به فلو كانت العشرة الأولى حيضا يحكم ببلوغها ، ولو رأت مبتدأة يوما وأربعة عشر طهرا أو يوما دما فالعشرة التي لم تر فيها الدم حيض إن كانت عادتها العشرة ، فإن كانت أقل ردت إلى أيام عادتها والأخذ بقول رأت المعتادة قبل عادتها يوما دما وعشرة طهرا أو يوما دما أيسر وكثير من المتأخرين أفتوا به ; لأنه أسهل على المفتي والمستفتي ; لأن في قول أبي يوسف وغيره تفاصيل يحرج الناس في ضبطها ، وقد ثبت { محمد } وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما محمد عن أن الشرط أن يكون الدم محيطا بطرفي العشرة فإذا كان كذلك لم يكن الطهر المتخلل فاصلا بين الدمين وإلا كان فاصلا ، فلو أبي حنيفة فالعشرة حيض يحكم ببلوغها ، ولو كانت معتادة فرأت قبل عادتها يوما دما وتسعة طهرا ويوما دما لا يكون شيء منه حيضا ووجهه أن استيعاب الدم ليس بشرط إجماعا فيعتبر أوله وآخره كالنصاب في باب الزكاة رأت مبتدأة يوما دما وثمانية [ ص: 217 ] طهرا ويوما دما
وقد اختار هذه الرواية أصحاب المتون لكن لم تصحح في الشروح كما لا يخفى ولعله لضعف وجهها فإن قياسها على النصاب غير صحيح ; لأن الدم منقطع في أثناء المدة بالكلية وفي المقيس عليه يشترط بقاء جزء من النصاب في أثناء الحول ، وإنما الذي اشترط وجوده في الابتداء والانتهاء تمامه ، وروى عن ابن المبارك أنه يعتبر أن يكون الدم في العشرة مثل أقله وهو قول أبي حنيفة ، ووجهه أن الحيض لا يكون أقل من ثلاثة أيام وهو اسم للدم فإذا بلغ المرئي هذا المقدار كان قويا في نفسه فجعل أصلا وما يتخلله من الطهر تبع له ، وإن كان الدم دون هذا كان ضعيفا في نفسه لا حكم له إذا انفرد فلا يمكن جعل زمان الطهر تبعا له فلو رأت يوما دما وثمانية طهرا ويوما دما لم يكن شيء منه حيضا وقال زفر الطهر المتخلل إن نقص عن ثلاثة أيام ولو بساعة لا يفصل اعتبارا بالحيض ، فإن كان ثلاثة فصاعدا ، فإن كان مثل الدمين أو أقل فكذلك تغليبا للمحرمات ; لأن اعتبار الدم يوجب حرمتها واعتبار الطهر يوجب حلها فغلب الحرام الحلال ، وإن كان أكثر فصل ثم ينظر إن كان في أحد الجانبين ما يمكن أن يجعل حيضا فهو حيض والآخر استحاضة ، وإن لم يمكن فالكل استحاضة ولا يمكن كون كل من المحتوشين حيضا ; لأن الطهر حينئذ أقل من الدمين إلا إذا زاد على العشرة فيجعل الأول حيضا لسبقه لا الثاني ومن أصله أن لا يبدأ الحيض بالطهر ولا يختم به سواء كان قبله أو بعده دم أو لم يكن ولا يجعل زمان الطهر زمان الحيض بإحاطة الدمين به ولو محمد فالأربعة حيض ، ولو رأت يوما دما وثلاثة طهرا أو يومين دما فالستة حيض للاستواء رأت مبتدأة يوما دما ويومين طهرا ويوما دما
ولو رأت يوما دما وخمسة طهرا ويوما دما لا يكون حيضا لغلبة الطهر ، ولو رأت ثلاثة دما وخمسة طهرا أو يوما دما فالثلاثة حيض لغلبة الطهر فصار فاصلا والمتقدم أمكن جعله حيضا ، ولو رأت يوما دما وخمسة طهرا وثلاثة دما فالأخير حيض لما تقدم ، ولو رأت ثلاثة دما وستة طهرا و ثلاثة دما فحيضها الثلاثة الأول لسبقها ولا تكون العشرة حيضا لغلبة الطهر فيها ، وإن كان مساويا باعتبار الزائد عليها ، وقد صحح قول في المبسوط والمحيط وعليه الفتوى لكن قال محمد المحقق في فتح القدير الأولى الإفتاء بقول لما قدمناه ، وفي معراج الدراية جعل قول أبي يوسف رواية عن محمد فثبت أنه روي عنه روايتين أخذ بإحداهما وروى أبي حنيفة عن زفر أنها إذا أبي حنيفة فهي حيض وإلا فلا ذكر هذه الرواية في التوشيح والمعراج والخبازية إلا أن المذكور في المبسوط وأكثر الكتب المشهورة أن قول رأت في طرفي العشرة ثلاثة أيام دما رواية زفر المتقدمة ولم يذكروا له رواية عن ابن المبارك والظاهر أن هذه الرواية لا تخالف رواية أبي حنيفة إلا أن يقال : إن هذه الرواية تفيد اشتراط [ ص: 218 ] وجود الدم في العشرة ورواية ابن المبارك لا تفيد إلا اشتراط وجود ثلاثة أيام دما ولو في طرف واحد . ابن المبارك
وروى عن الحسن بن زياد إن نقص الطهر عن ثلاثة لم يفصل ، وإن كان ثلاثة فصل كيفما كان ثم ينظر إن أمكن أن يجعل أحدهما بانفراده حيضا يجعل ذلك حيضا كما قاله أبي حنيفة ، وإنما خالفه في أصل واحد وهو أنه لم يعتبر غلبة الدم ولا مساواته بالطهر وفي فتح القدير فرع على هذه الأصول رأت يومين دما وخمسة طهرا ويوما دما ويومين طهرا و يوما دما فعند محمد العشرة الأولى حيض إن كانت عادتها أو مبتدأة ; لأن الحيض يختم بالطهر ، وإن كانت معتادة فعادتها فقط لمجاوزة الدم العشرة وعلى قول أبي يوسف الأربعة الأخيرة فقط ; لأنه تعذر جعل العشرة حيضا لاختتامها بالطهر وتعذر جعل ما قبل الطهر الثاني حيضا ; لأن الغلبة فيه للطهر فطرحنا الدم الأول والطهر الأول فبقي بعده يوم دم ويومان طهر ويوم دم والطهر أقل من ثلاثة فجعلنا الأربعة حيضا . وعند محمد الثمانية حيض لاشتراطه كون الدم ثلاثة في العشرة ولا يختم عنده بالطهر ، وقد وجد أربعة دما وكذلك هو أيضا رواية زفر محمد عن لخروج الدم الثاني عن العشرة . أبي حنيفة
( فرع آخر )
عند عادتها عشرة فرأت ثلاثة وطهرت ستة لا يجوز قربانها وعند أبي يوسف يجوز ; لأن المتوهم بعده من الحيض يوم والستة أغلب من الأربعة فيجعل الدم الأول فقط حيضا بخلاف قول محمد ولو كانت أبي يوسف اختلفوا على قول طهرت خمسة وعادتها تسعة قيل لا يباح قربانها لاحتمال الدم في يومين آخرين وقيل يباح وهو الأولى ; لأن اليوم الزائد موهوم ; لأنه خارج العادة وفي نظم محمد إفادة أن المجيز للقربان يكرهه . ا هـ . ابن وهبان
ما في فتح القدير وعبارة النظم هذه
ولو طهرت بعد الثلاث وطهرت وعادتها لم تمض فالوطء يذكر كراهته بعض وينفيه بعضهم
وبالصوم تأتي والصلاة وتذكر