قوله ( والملك يزول بالقضاء لا إلى مالك ) أي يزول عن ملك المالك بقضاء القاضي بلزوم الوقف من غير أن ينتقل إلى ملك أحد وهذا أعني اللزوم بالقضاء متفق عليه لأنه قضاء في محل الاجتهاد فينفذ وفي الخانية وطريق القضاء أن يسلم الواقف ما وقفه للمتولي ثم يريد أن يرجع عنه فينازعه بعلة عدم اللزوم ويختصمان إلى القاضي يقضي القاضي بلزومه ا هـ . ملك العين الموقوفة
وإنما يحتاج إلى الدعوى عند البعض والصحيح أن [ ص: 207 ] مقبولة ولذا قالوا لو باع ثم ادعى الوقفية لا تسمع دعواه للتناقض ولا يحلف فإن برهن تقبل قال في البزازية لا لصحة الدعوى بل لأن البرهان يقبل عليه بلا دعوى كالشهادة على عتق الأمة في المختار ولا تسمع الدعوى من غير المتولي وعليه الفتوى . ا هـ . الشهادة بالوقف بدون الدعوى
ولذا قال في المحيط ولو يصح لأن حكمه هو التصدق بالغلة وهو حق الله تعالى وفي حقوق الله تعالى يصح قضى بالوقفية بالشهادة القائمة على الوقف من غير دعوى . ا هـ . القضاء بالشهادة من غير دعوى
وقيد بالقضاء لأنهما لو اختلفوا فيه والصحيح أن بحكم المحكم لا يرتفع الخلاف وللقاضي أن يبطله كذا في الخانية حكما رجلا ليحكم بينهما بلزوم الوقف قال وهل القضاء به قضاء على الناس كافة كالحرية أو لا قاضي خان قالوا تقبل بينة المدعي لأن القضاء بالوقف بمنزلة استحقاق الملك وليس بتحرير ألا ترى أنه لو جمع بين وقف وملك وباعهما صفقة واحدة جاز بيع الملك ولو جمع بين حر وعبد وباعهما صفقة واحدة لا يجوز بيع العبد دل أن القضاء بالوقف بمنزلة القضاء بالملك وفي الملك القضاء يقتصر على المقضي عليه وعلى من يلتقي الملك منه ولا يتعدى إلى الغير فكذلك في الوقف . ا هـ . أرض في يد رجل ادعى رجل أنها وقف وبين شرائط الوقف وقضى القاضي بالوقف ثم جاء آخر وادعى أنه ملك
ذكره في باب ما يبطل دعوى المدعي وعزاه في الخلاصة إلى الفتاوى الصغرى ثم قال بخلاف العبد إذا ادعى العتق على إنسان وقضى القاضي بالعتق ثم ادعى رجل أن هذا العبد ملكه لا تسمع لأن القضاء بالعتق قضاء على جميع الناس بخلاف الوقف قال الصدر الشهيد لم نر لهذا رواية لكن سمعت أن فتوى السيد الإمام أبي شجاع على هذا وفي فوائد شمس الأئمة الحلواني وركن الإسلام علي السعدي أن الوقف كالعتق في عدم سماع الدعوى بعد قضاء القاضي بالوقفية لأن الوقف بعدما صح بشرائطه لا يبطل إلا في مواضع مخصوصة وهكذا في النوازل . ا هـ .
وذكر القولين في جامع الفصولين أو لا قال في جامع الفصولين ومتول ذو يد لو برهن على الوقف فبرهن الخارج على الملك يحكم بالملك للخارج فلو برهن المتولي بعده على الوقف لا تسمع لأن المتولي صار مقضيا عليه مع من يدعي تلقي الوقف من جهته وعند وهل يقدم الخارج على ذي اليد ولا ترجيح للوقف على الملك تقبل بينة ذي اليد على الوقف ولا تقبل بينة الخارج على الملك كمن ادعى قنا وقال ذو اليد هو ملكي وحررته فإنه يقضي ببينة ذي اليد وفاقا بقولهما يفتى . ا هـ . أبي يوسف
فقد علمت أن المفتى به تقديم الخارج وفيه [ ص: 208 ] ادعى ملكا في دار بيد متول يقول وقفه زيد على مسجد كذا وحكم به للمدعي فلو ادعى متول آخر على هذا المدعي أنه وقف على مسجد كذا من جهة بكر تقبل إذ المقضي عليه هو زيد الواقف لا مطلق الواقف . ا هـ .
والحاصل أن ليس قضاء على الكافة على المعتمد فتسمع الدعوى من غير المقضي عليه وأما القضاء بالوقفية فقضاء على الكافة فلا تسمع الدعوى بعده بالملك لأحد ولا فرق بين الحرية الأصلية والعارضية بالإعتاق بأن شهدوا بإعتاقه وهو يملكه صرح به القضاء بالحرية قاضي خان وأما القضاء بالملك فليس على الكافة بلا شبهة وفي الفتاوى الصغرى من فصل دعوى النكاح إذا قضى القاضي لإنسان بنكاح امرأة أو بنسب أو بولاء عتاقة ثم ادعاه الآخر لا تسمع . ا هـ .
فعلى هذا القضاء الذي يكن على الكافة في أربعة أشياء وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى في الدعوى وفي القنية دار في يد رجل أقام رجل بينة أنها وقفت عليه وأقام قيم المسجد بينة أنها وقف على المسجد فإن أرخا فهي للسابق منهما وإن لم يؤرخا فهي بينهما نصفان . ا هـ .
وقد ذكر المصنف رحمه الله للزومه طريقا واحدة وهي القضاء فظاهره أنه لا يلزم لو علقه بموته قال في الهداية قال في الكتاب لا يزول ملك الواقف عن الوقف حتى يحكم به الحاكم أو يعلقه بموته وهذا في حكم الحاكم صحيح لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه أما في تعليقه بالموت فالصحيح أنه لا يزول ملكه إلا أنه تصدق بمنافعه مؤبدا فيصير بمنزلة الوصية بالمنافع مؤبدا فيلزمه ا هـ .
والحاصل أنه إذا علقه بموته كما إذا فالصحيح أنه وصية لازمة لكن لم تخرج عن ملكه فلا يتصور التصرف فيه ببيع ونحوه بعد موته لما يلزم من إبطال الوصية وله أن يرجع قبل موته كسائر الوصايا وإنما يلزم بعد موته وإنما لم يكن وقفا لما قدمنا من أنه لا يقبل التعليق بالشرط وكذا إذا قال إذا مت من مرضي هذا فقد وقفت أرضي على كذا فمات لم تصر وقفا وله أن يبيعها قبل الموت بخلاف ما إذا قال إذا مت فاجعلوها وقفا فإنه يجوز لأنه تعليق التوكيل لا تعليق الوقف نفسه وهذا لأن الوقف بمنزلة تمليك الهبة من الموقوف عليه والتمليك غير الوصية لا تتعلق بالخطر ونص قال إذا مت فقد وقفت داري على كذا في السير الكبير أن الوقف إذا أضيف إلى ما بعد الموت يكون باطلا أيضا عند محمد وعلى ما عرفت بأن صحته إذا أضيف إلى ما بعد الموت يكون باعتباره وصية وفي المحيط لو أبي حنيفة لا يصح الوقف برئ أو مات لأنه تعليق وفي الخانية لو قال إن مت من مرضي هذا فقد وقفت أرضي هذه جاز وتصير الأرض موقوفة أبدا لأنه في معنى الوصية بخلاف ما إذا لم يضف إلى ما بعد الموت بأن قال أرضي موقوفة سنة لأن ذاك ليس بوصية بل هو محض تعليق أو إضافة فالحاصل أن على قول قال أرضي بعد موتي موقوفة سنة هلال إذا شرط في الوقف شرطا يمنع التأبيد لا يصح الوقف ا هـ .
وفي التبيين لو صح ولزم إذا خرج من الثلث لأن الوصية بالمعدوم جائزة كالوصية بالمنافع ويكون ملك الواقف باقيا فيه حكما يتصدق منه دائما وإن لم يخرج من الثلث يجوز بقدر الثلث ويبقى الباقي إلى أن يظهر له مال أو تجيز الورثة فإن لم يظهر له مال ولم تجز الورثة تقسم الغلة بينهما أثلاثا ثلثه للوقف وثلثاه للورثة . ا هـ . علق الوقف بموته ثم مات
قال الإمام السرخسي فللتحرز عنه طريقان إحداهما القضاء والثاني أن يذكر الواقف بعد الوقف والتسليم فإن أبطله قاض بوجه من الوجوه فهذه الأرض بأصلها وجميع ما فيها وصية من فلان الواقف تباع ويتصدق بثمنها على الفقراء ومتى فعل ينبرم الوقف لأن أحدا من الورثة لا يسعى في إبطاله لأن سعيه حينئذ يعرى عن الفائدة للزوم التصدق بها أو بثمنها قال إذا خاف الواقف إبطال وقفه شمس الأئمة [ ص: 209 ]
والذي جرى به الرسم في زماننا أنهم يكتبون إقرارا لواقف أن قاضيا من قضاة المسلمين قضى بلزوم هذا الوقف فذاك ليس بشيء ولا يحصل به المقصود لأن إقراره لا يصير حجة على القاضي الذي يريد إبطاله ولو لم يكن القاضي قضى بلزوم الوقف فإقراره يكون كذبا محضا ولا رخصة في الكذب وبه لا يتم المقصود ومن المتأخرين من مشايخنا من قال إذا كتب في آخر الصك وقد قضى بصحة هذا الوقف ولزومه قاض من قضاة المسلمين ولم يسم القاضي يجوز .
وتمسك هذا القائل بقول في الكتاب إذا خاف الواقف أن يبطله القاضي فإنه يكتب في صك الوقف إن حاكما من حكام المسلمين قضى بلزوم هذا الوقف ولم يذكر الكاتب اسم القاضي ونسبه ومتى علم بتاريخ الوقف يصير القاضي في ذلك الزمان معلوما كذا في الظهيرية وقد وسع في ذلك محمد قاضي خان أيضا وقيد زوال الملك بالقضاء ليفيد عدمه قبله وهو قول لكن قيل لا يجوز الوقف عنده أصلا كما صرح به في الأصل لأن المنفعة معدومة والتصدق بالمعدوم لا يصح والأصح أنه جائز عنده إلا أنه غير لازم بمنزلة العارية كذا في الهداية وغيرها . الإمام
وفي فتح القدير وإذا لم يزل عند قبل الحكم يكون موجب القول المذكور أبي حنيفة ولفظ حبس إلى آخره لا معنى له لأن له بيعه متى شاء وملكه مستمر فيه كما لو لم يتصدق بالمنفعة فلم يحدث الواقف إلا مشيئة التصدق بمنفعته وله أن يترك ذلك متى شاء وهذا القدر كان ثابتا قبل الوقف بلا ذكر لفظ الوقف فلم يفد الوقف شيئا وهذا معنى ما ذكر في المبسوط من قوله كان حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة لا يجيز الوقف وحينئذ فقول من أخذ بظاهر هذا اللفظ فقال الوقف عند أبو حنيفة لا يجوز صحيح لأنه ظهر أنه لم يثبت به قبل الحكم حكم لم يكن وإذا لم يكن له أثر زائد على ما كان قبله كان كالمعدوم والجواز والنفاذ والصحة فرع اعتبار الوجود ومعلوم أن قوله لا يجوز ولا يجيز ليس المراد التلفظ بلفظ الوقف بل لا يجيز الأحكام التي ذكر غيره أنها أحكام ذكر الوقف فلا خلاف إذا أبي حنيفة قال لا يجوز الوقف أي لا تثبت الأحكام التي ذكرت له إلا أن يحكم به حاكم وقوله بمنزلة العارية لأنه ليس له حقيقة العارية لأنه إن لم يسلمه إلى غيره فظاهر وإن أخرجه إلى غيره فذلك الغير ليس هو المستوفي لمنافعه ا هـ . فأبو حنيفة
وفيه نظر لأن قوله لم يفد الوقف شيئا غير صحيح لأنه يصح الحكم به ولولا صحة الوقف لم يصح الحكم به ويحل للفقير أن يأكل منه ولولا صحته لم يحل ويثاب الواقف عليه ولولا صحته ما أثيب فكيف يقال لم يفد شيئا وفي البزازية معنى الجواز جواز صرف الغلة إلى تلك الجهة ويتبع شرطه ويصح نصب المتولي عليه فإذا ثبتت هذه الأحكام كيف يقال لم يفد شيئا أو أنه لم يثبت به حكم لم يكن وقوله من أخذ بظاهر اللفظ إلى آخره ليس بصحيح لأن ظاهره عدم الصحة ولم يقل به أحد وإلا لزم أن لا يصح الحكم به ولذا رد شمس الأئمة على من ظن أنه غير جائز عنده أخذا من ظاهر المبسوط .
قال وإنما المراد أنه غير لازم كما في الظهيرية والحاصل أنه لا خلاف في صحته وإنما الخلاف في لزومه فقال بعدمه وقالا به فلا يباع ولا يورث ولفظ الواقف ينتظمهما والترجيح بالدليل وقد أكثر الخصاف من الاستدلال لهما بوقوف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وقد كان مع أبو يوسف حتى حج مع الإمام الرشيد ورأى وقوف الصحابة رضي الله عنهم بالمدينة ونواحيها رجع وأفتى بلزومه ولقد استبعد قول محمد في الكتاب لهذا وسماه تحكما على الناس من غير حجة وقال ما أخذ الناس بقول أبي حنيفة وأصحابه إلا لتركهم التحكم على الناس ولو جاز تقليد أبي حنيفة في هذا لكان من مضى قبيل أبي حنيفة مثل أبي حنيفة الحسن البصري أحرى أن يقلدوا ولم [ ص: 210 ] يحمد وإبراهيم النخعي على ما قاله بسبب أستاذه وقيل بسبب ذلك انقطع خاطره فلم يتمكن من تفريع مسائل الوقف محمد كالخصاف وهلال ولو كان في الأحياء حين ما قال لزأم عليه فإنه كما قال أبو حنيفة في مالك رأيت رجلا لو قال هذه الأسطوانة من ذهب لدل عليه ولكن كل مجر بالخلا يسر كذا في الظهيرية . أبي حنيفة
والحاصل أن المشايخ رجحوا قولهما وقال الفتوى عليه وفي فتح القدير أنه الحق ولا يبعد أن يكون إجماع الصحابة ومن مر بعدهم رضي الله عنهم متوارثا على خلاف قوله .