قوله ( ولا يتم حتى يقبض ويفرز ويجعل آخره لجهة لا تنقطع ) على قول بيان لشرائطه الخاصة وقد مشى محمد المؤلف أولا على قول من عدم لزومه إلا بالقضاء وثانيا في الشرائط على قول أبي حنيفة وهو مما لا ينبغي لأن الفتوى على قولهما في لزومه بلا قضاء كما قدمنا وإذا لزم عندهما فإنه يلزم بمجرد القول عند محمد بمنزلة الإعتاق بجامع إسقاط الملك وعند أبي يوسف لا بد من التسليم إلى المتولي والإفراز والتأبيد أما الأول فلأن حق الله تعالى إنما يثبت فيه في ضمن التسليم إلى العبد لأن التمليك إلى الله تعالى وهو مالك الأشياء لا يتحقق مقصودا وقد يكون تبعا لغيره فيأخذ حكمه فينزل منزلة الزكاة والصدقة فلو قال هذه الشجرة للمسجد لا تكون له ما لم يسلمها إلى قيم المسجد عند محمد خلافا محمد وفي الخلاصة ومشايخ لأبي يوسف بلخ يفتون بقول . أبي يوسف
وقال الصدر الشهيد والفتوى على قول وفي شرح المجمع أكثر فقهاء الأمصار أخذوا بقول محمد والفتوى عليه وفي فتح القدير وقول محمد أوجه عند المحققين وفي المنية الفتوى على قول أبي يوسف وهذا قول مشايخ أبي يوسف بلخ وأما البخاريون فأخذوا بقول وفي المبسوط كان القاضي محمد أبو عاصم يقول قول من حيث المعنى أقوى إلا أنه قال وقول أبي يوسف أقرب إلى موافقة الآثار يعني ما روي أن محمد رضي الله عنه جعل وقفه في يد عمر حفصة وغير ذلك ورده في المبسوط بأنه لا يلزم كونه ليتم الوقف بل لشغله وخوف التقصير إلى آخره وفي البزازية الثاني في قوله الأول ضيق ثم وسع كل التوسع حتى قال يتم بقوله وقفت ومشايخ والإمام خوارزم أخذوا بقوله على ما حكاه نجم الزاهد في شرحه للمختصر توسط وبقوله أخذ عامة المشايخ على ما حكاه في الفتاوى ا هـ . ومحمد
فالحاصل أن الترجيح قد اختلف والأخذ بقول أحوط وأسهل ولذا قال في المحيط ومشايخنا أخذوا بقول أبي يوسف ترغيبا للناس في الوقف ويبتني على هذا الخلاف مسائل الأولى لو أبي يوسف أن له ذلك قال عزل الواقف القيم وأخرجه إلى غيره بلا شرط لا ينعزل والولاية للقيم . محمد
الثانية لو مات وله وصي فلا ولاية لوصيه والولاية للقيم الثالثة لو تولاه الواقف بنفسه لا يملك ذلك وقال الولاية للواقف وله أن يعزل القيم في حياته ويولي غيره أو يرد النظر إلى نفسه وإذا مات الواقف بطل ولاية القيم عنده لأنه بمنزلة وكيله وأما إذا جعله قيما في حياته وبعد موته فإنه لا ينعزل بموته اتفاقا وكذا لو شرط الولاية في عزل القوام والاستبدال بهم لنفسه أو لأولاده وأخرجه من يده وسلمه إلى المتولي فإنه جائز اتفاقا نص عليه في السير الكبير لأن هذا شرط لا يخل بشرائط الواقف . أبو يوسف
وفي الخلاصة إذا شرط الواقف أن يكون هو المتولي فعند الوقف والشرط كلاهما صحيحان وعند أبي يوسف محمد وهلال الوقف والشرط باطلان . ا هـ .
وسيأتي آخر الباب ما يتعلق بالمتولي نصبا وتصرفا وأما الثاني أعني اشتراط الإفراز فقد علمت أنه قول فلا يجوز وقف المشاع وقال محمد هو جائز وهو مبني على الشرط الأول لأن القسمة من تمام القبض فمن شرطه لم يجوز وقف المشاع ومن لم يشترطه جوزه والخلاف فيما يحتمل القسمة أما ما لا يحتمل القسمة فهو جائز اتفاقا اعتبارا عند أبو يوسف بالهبة [ ص: 213 ] والصدقة المنفذة إلا في المسجد والمقبرة فإنه لا يتم الشيوع فيما لا يحتمل القسمة عند محمد أيضا لأن بقاء الشركة يمنع الخلوص لله تعالى ولأن المهايأة في هذا في غاية القبح بأن يقبر فيها الموتى سنة وتزرع سنة ويصلى لله فيه في وقت ويتخذ إصطبلا في وقت بخلاف الوقف لإمكان الاستغلال . أبي يوسف
والحاصل أن غير جائز مطلقا اتفاقا وفي غيرهما إن كان مما لا يحتمل القسمة جاز اتفاقا . وقف المشاع مسجدا أو مقبرة
والخلاف فيما يحتملها ومن أخذ بقول في خروجه بمجرد اللفظ وهم مشايخ أبي يوسف بلخ أخذ بقوله في هذه ومن أخذ بقول في القبض وهم مشايخ محمد بخارى أخذ بقوله في وقف المشاع وصرح في الخلاصة من الإجارة والوقف بأن الفتوى على قول في وقف المشاع وكذا في البزازية والولوالجية وشرح المجمع محمد لابن الملك وفي التجنيس وبقوله يفتى وتبعه في غاية البيان وسيأتي بيان ما إذا قضى بجواره وفي الخلاصة وإذا على قول وقف أحد الشريكين نصيبه المشاع ثم اقتسما فوقع نصيب الواقف في موضع لا يجب عليه أن يقفه ثانيا لأن القسمة تعين الموقوف وإذا أراد الاجتناب عن الخلاف يقف المقسوم ثانيا ولو كان الأرض له فوقف نصفها ثم أراد القسمة فالوجه في ذلك أن يبيع ما بقي ثم يقتسمان وإن لم يبع ورفع إلى القاضي ليأمر إنسانا بالقسمة معه جاز . أبي يوسف
كذا في الخلاصة أيضا وفيها حانوت بين اثنين وقف أحدهما نصيبه وأراد أن يضرب لوح الوقف على بابه فمنعه الشريك الآخر ليس له الضرب إلا إذا أمره القاضي بذلك وهذا قول أما على قول أبي يوسف فلا يتأتى هذا . محمد
وفي الظهيرية ولو كانت فإنه جائز في قياس قول له أرضون ودور بينه وبين آخر فوقف نصيبه ثم أراد أن يقاسم شريكه ويجمع الوقف كله في أرض واحدة ودار واحدة أبي يوسف وهلال وإذا قاسم الواقف شريكه وبينهما دراهم فإن كان الواقف هو الذي أعطى الدراهم جاز لأنه في حصة الوقف قاسم شريكه واشترى أيضا ما لم يقف من نصيب شريكه فجاز ذلك كله ثم حصة الوقف للواقف وما اشتراه بالدراهم فذلك له وليس بوقف . ا هـ .
ولو بطل في الباقي عند وقف جميع أرضه ثم استحق جزء منه لأن الشيوع مقارن كما في الهبة بخلاف ما إذا رجع الواهب في البعض أو رجع الوارث في الثلثين بعد موت المريض وقد وهب أو وقف في مرضه وفي المال ضيق لأن الشيوع في ذلك طارئ ولو استحق جزء مميز بعينه لم يبطل في الباقي لعدم الشيوع ولهذا جاز في الابتداء . محمد
وعلى هذا الهبة والصدقة المملوكة كذا في الهداية ولو كانت الأرض بين رجلين فوقفاها على بعض الوجوه ودفعاها إلى وال يقوم عليها كان ذلك جائزا عند لأن المانع من تمام الصدقة شيوع في المحل المتصدق به ولا شيوع هنا لأن الكل صدقة غاية الأمر أن ذلك مع كثرة المتصدقين والقبض من الوالي في الكل وجد جملة واحدة فهو كما لو تصدق بها رجل واحد بخلاف ما لو وقف كل منهما نصفها شائعا على حدة وجعل لها واليا على حدة لا يجوز لأنهما صدقتان ولو وقف كل منهما نصيبه وجعلا الوالي فسلماها إليه جميعا جاز لأن تمامها بالقبض والقبض يجتمع . محمد
كذا في فتح القدير والمشاع غير المقسوم من شاع يشيع شيعا وشيوعا ومشاعا كذا في القاموس وأما الثالث وهو أن يجعل آخره لجهة لا تنقطع فهو قولهما وقال إذا سمى فيه جهة تنقطع جاز وصار بعدها للفقراء ولو لم يسمهم لهما أن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك وأنه يتأبد كالعتق وإذا كانت الجهة يتوهم انقطاعها لا يتوفر عليه مقتضاه ولهذا كان التوقيت مبطلا له كالتوقيت في البيع و أبو يوسف أن المقصود هو التقرب إلى الله تعالى وهو موفر عليه لأن التقرب تارة يكون بالصرف إلى جهة تنقطع ومرة بالصرف إلى جهة [ ص: 214 ] تتأبد فصح في الوجهين وقيل التأبيد شرط بالإجماع إلا عند لأبي يوسف لا يشترط ذكر التأبيد لأن لفظة الوقف والصدقة منبئة عنه لما بينا أنه إزالة الملك بدون التمليك كالعتق . أبي يوسف
ولهذا قال في الكتاب في بيان قوله وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم وهذا هو الصحيح وعند ذكر التأبيد شرط لأن هذا صدقة بالمنفعة وبالغلة وذلك قد يكون موقتا فمطلقه لا ينصرف إلى التأبيد فلا بد من التنصيص كذا في الهداية . محمد
والحاصل أن عن في التأبيد روايتين في رواية لا بد منه وذكره ليس بشرط وصححه وفي رواية ليس بشرط وتفرع على الروايتين ما لو أبي يوسف فعلى الأول يعود إلى ورثة الواقف قال وقف على إنسان بعينه أو عليه وعلى أولاده أو على قرابتهم وهم يحصون أو على أمهات أولاده فمات الموقوف عليه الناطفي في الأجناس وعليه الفتوى .
وعلى الثاني تصرف إلى الفقراء وهي رواية البرامكة كذا في فتح القدير وظاهر ما في المجتبى والخلاصة أن الروايتين عنه فيما إذا ذكر لفظ الصدقة أما إذا ذكر لفظ الوقف فقط فلا يجوز اتفاقا إذا كان الموقوف عليه معينا ثم قال متى ذكر موضع الحاجة على وجه يتأبد يكفيه عن ذكر الصدقة وكذا على أبناء السبيل أو الزمنى ويكون للفقراء منهم
[ ص: 212 ]