( قوله وغسله بالماء أحب ) أي أفضل ; لأنه قالع للنجاسة والحجر مخفف لها فكان الماء أولى كذا ذكره غسل المحل بالماء الشارح الزيلعي وهو ظاهر في أن المحل لم يطهر بالحجر ويتفرع عليه أنه يتنجس السبيل بإصابة الماء وفيه الخلاف المعروف في مسألة الأرض إذا جفت بعد التنجس ثم أصابها ماء وكذا في نظائرها ، وقد اختاروا في الجميع عدم عود النجاسة كما قدمناه عنهم فليكن كذلك هنا ويدل على ذلك من السنة ما رواه وصححه عن الدارقطني أنه صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } فعلم أن ما أطلق الاستنجاء به يطهر إذ لو لم يطهر لم يطلق الاستنجاء به بحكم هذه العلة وفي فتح القدير وأجمع المتأخرون أنه لا يتنجس بالعرق حتى لو نهى أن يستنجى بروث أو عظم وقال أنهما لا يطهران لا يمنع وظاهر ما في الكتاب يدل على أن الماء مندوب سواء كان قبله الحجر أو لا ، فالحاصل أنه إذا اقتصر على الحجر كان مقيما للسنة وإذا اقتصر على الماء كان مقيما لها أيضا وهو أفضل من الأول وإذا جمع بينهما كان أفضل من الكل سال العرق منه وأصاب الثوب والبدن أكثر من قدر الدرهم
وقيل الجمع سنة في زماننا وقيل سنة على الإطلاق وهو الصحيح وعليه الفتوى ، كذا في السراج الوهاج وفي فتح القدير هذا والنظر إلى ما تقدم أول الفصل من حديث أنس يفيد أن الاستنجاء بالماء سنة مؤكدة في كل زمان لإفادته المواظبة وفيه ما قدمناه من البحث ، أطلق الغسل بالماء ولم يقيده بعدد ليفيد أن الصحيح تفويضه إلى رأيه فيغسل حتى يقع في قلبه أنه طهر ، كذا في الخلاصة بعد نقل الخلاف فمنهم من شرط الثلاث ومنهم من شرط السبع ومنهم من شرط العشرة والمراد بالاشتراط الاشتراط في حصول السنة وإلا فترك الكل لا يضره عندهم كما قدمناه وفي فتاوى وعائشة قاضي خان والاستنجاء بالماء أفضل إن أمكنه ذلك من غير كشف العورة ، وإن احتاج إلى كشف العورة يستنجي بالحجر ولا يستنجي بالماء قالوا من يصير فاسقا وفي فتح القدير ولو كان على شط نهر ليس فيه سترة لو استنجى بالماء قالوا يفسق وكثيرا ما يفعله عوام المصريين في الميضأة فضلا عن شاطئ كشف العورة للاستنجاء النيل . ا هـ . ، وقد قدمنا الكلام عليه أول الباب .
( قوله : ويجب إن جاوز النجس المخرج ) أي ويجب غسل المحل بالماء ; لأن للبدن حرارة جاذبة أجزاء النجاسة فلا يزيلها المسح بالحجر وهو القياس في محل الاستنجاء إلا أنه ترك فيه للنص على خلاف القياس فلا يتعداه وفسرنا فاعل يجب بالغسل دون الاستنجاء كما فعل إن تعدت النجاسة المخرج الشارح الزيلعي لما أن غسل ما عدا المخرج لا يسمى استنجاء ولما قدمنا من أن الاستنجاء لا يكون إلا سنة وأراد بالماء هنا كل مائع طاهر مزيل بقرينة تصريحه أول الباب وهو أولى من حمله على رواية المعينة للماء كما أشار إليه في الكافي ; لأنها ضعيفة في المذهب كما علمت سابقا وأراد بالمجاوزة أن يكون أكثر من قدر الدرهم بقرينة ما بعده وحينئذ فالمراد بالوجوب الفرض . ( قوله : ويعتبر القدر المانع وراء موضع الاستنجاء ) أي ويعتبر في منع صحة الصلاة أن تكون محمد مع سقوط موضع الاستنجاء حتى إذا كان المجاوز للمخرج مع ما على المخرج أكثر من قدر الدرهم فإنه لا يمنع ; لأن ما على المخرج ساقط شرعا ولهذا لا تكره الصلاة معه فبقي المجاوز غير مانع وهذا عندهما خلافا النجاسة أكثر من قدر الدرهم بناء على أن ما على المخرج في حكم الباطن عندهما وفي حكم الظاهر عنده لمحمد
وهذا بعمومه يتناول ما إذا كانت مقعدته كبيرة وكان فيها نجاسة أكثر من قدر الدرهم ولم يتجاوز المخرج فإنه ينبغي أن يعفى عنه اتفاقا لاتفاقهم على أن ما على المقعدة ساقط ، وإنما خلاف فيما إذا جاوزت النجاسة المخرج وكان قليلا وكان لو جمع مع ما على المخرج كان كثيرا فعلى هذا فالاختلاف المنقول في [ ص: 255 ] الشرح وغيره بين محمد الفقيه أبي بكر القائل بأنه لا يجزئه الاستنجاء بالأحجار وبين القائل بالجواز مشكل إلا أن يخص هذا العموم بالمقعدة المعتادة التي قدر بها الدرهم الكبير المثقالي ، وأما الكبيرة التي جاوز ما عليها الدرهم فليست ساقطة فله وجه مع بعده وفي السراج الوهاج هذا حكم الغائط إذا تجاوز ، وأما ابن شجاع فالظاهر أنه يجزئ فيه الحجر عند البول إذا تجاوز عن رأس الإحليل أكثر من قدر الدرهم وعند أبي حنيفة لا يجزئ فيه الحجر إلا إذا كان أقل من قدر الدرهم . ا هـ . محمد
وفي الخلاصة ولو أصاب طرف الإحليل من البول أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته هو الصحيح . ا هـ .
وتعبير المصنف بموضع الاستنجاء أولى من تعبير صاحب النقاية وغيرها بالمخرج ; لأنه لا يجب الغسل بالماء إلا إذا تجاوز ما على نفس المخرج وما حوله من موضع الشرج وكان المجاوز أكثر من قدر الدرهم كما في المجتبى وذكر في العناية معزيا إلى القنية أنه إذا يطهر بالحجر وقيل الصحيح أنه لا يطهر إلا بالغسل ، وقد قدمنا أنه يطهر بالحجر ، وقد نقلوا هذا التصحيح هنا بصيغة التمريض فالظاهر خلافه والله أعلم . أصاب موضع الاستنجاء نجاسة من الخارج أكثر من قدر الدرهم
[ ص: 254 ]