( قوله ، وهذه بيوع كانت في الجاهلية فنهي عنها ، وهو أن يتراوض الرجلان على سلعة أي يتساوما فإذا لمسها المشتري أو نبذها إليه البائع أو وضع المشتري عليها حصاة لزم البيع رضي البائع أو لم يرض ، والأول بيع الملامسة ، والثاني بيع المنابذة ، والثالث إلقاء الحجر ، ولأن فيه تعليقا بالحظر ، ولا بد في هذه البيوع أن يسبق الكلام منهما على الثمن ( قوله وثوب من ثوبين ) لجهالة المبيع ، وتقدم في خيار الشرط أنه إذا جعل للمشتري خيار التعيين جاز فيما دون الثلاثة فلذا أطلقه هنا ، وفي المعراج ، وكذا عبد من عبدين لا يجوز ، ولا خلاف فيه لأحد حتى لو قبضهما ، وماتا معا يضمن نصف قيمة كل واحد منهما لأن أحدهما مضمون بالقيمة لأنه مقبوض بحكم البيع الفاسد ، والآخر أمانة ، وليس أحدهما بأولى من الآخر فشاعت الأمانة والضمان ، ولهذا لو كان البيع صحيحا بأن كان فيه خيار المشتري يضمن نصف ثمن كل واحد ، والفاسد معتبر بالصحيح ، والقيمة هنا كالثمن ثمة ، ولو ماتا مرتبين ضمن قيمة الأول لأنه تعين مضمونا لتعذر الرد فيه . والملامسة وإلقاء الحجر ) ، ومثلها المنابذة
ولو حررهما معا عتق أحدهما لأنه ملك أحدهما بالقبض ، وإن حرر أحدهما لم يصح أي لو قال البائع أو المشتري أحدهما حر ، ولو قالا متعاقبا عتقا لأن كل واحد أعتق ملكه ، وملك غيره فيصح في ملكه ، والبيان إلى المشتري لأن من نفذ فيه عتقه مضمون بالقيمة ، والقول في المضمون قول الضامن ، ولو قبض أحدهما بإذن البائع فهلك غرم قيمته . ا هـ .
وقيد بالقيمي إذ بيع المبهم في المثلي جائز قال في التلخيص من باب بيع المبهم لو اشترى أحد عبدين أو ثوبين فسد لجهل يورث نزاعا ضد المثلي فلو قبضهما ملك أحدهما ، والآخر أمانة وفاء بالعهد إلى آخره ( قوله والمراعي وإجارتها ) أي لا يجوز أما البيع فلأنه ورد على ما لا يملكه لاشتراك الناس فيه بالحديث { بيع الكلأ ، وإجارته } ، وأما الإجارة فلأنها عقدت على استهلاك عين مباح ، ولو عقدت على استهلاك عين [ ص: 84 ] مملوكة بأن استأجر بقرة ليشرب لبنها لا يجوز فهذا أولى ، وفي المصباح : والرعي بالكسر والمرعى بمعنى ، وهو ما ترعاه الدواب ، والجمع المراعي ا هـ . الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار
قيد بالمراعي بمعنى الكلأ لأن بيع رقبة الأرض ، وإجارتها جائزان ، ومعنى الشركة في النار الاصطلاء بها ، وتجفيف الثياب يعني إذا أوقد رجل نارا فلكل أن يصطلي بها أما إذا أراد أن يأخذ الجمر فليس له ذلك إلا بإذن صاحبه ، ومعناه في الماء الشرب وسقي الدواب والاستقاء من الآبار والحياض والأنهار المملوكة ، وفي الكلأ أن له احتشاشه ، وإن كان في أرض مملوكة غير أن لصاحب الأرض أن يمنع من الدخول في أرضه ، وإذا منع فلغيره أن يقول إن لي في أرضك حقا فإما أن توصلني إليه أو تحشه أو تستقي ، وتدفعه لي ، وصار كثوب رجل وقع في دار رجل إما أن يأذن المالك في دخوله ليأخذه ، وإما أن يخرجه إليه أما إذا أحرز الماء بالاستقاء في آنية ، والكلأ بقطعه جاز حينئذ بيعه لأنه ملكه بذلك ، وظاهر أن هذا إذا نبت بنفسه فأما إذا كان سقى الأرض ، وأعدها للإنبات فنبت ففي الذخيرة ، والمحيط والنوازل يجوز بيعه لأنه ملكه ، وهو مختار الصدر الشهيد .
وكذا ذكر في اختلاف فيحمل كلام أبي حنيفة المصنف على ما إذا لم يعدها للإنبات ، ومنه لو حدق حول أرضه ، وهيأها للإنبات حتى نبت القصب صار ملكا له منع بيعه ، وإن ساق الماء إلى أرضه ، ولحقه مؤنة لبقاء الشركة ، وإنما تنقطع بالحيازة ، وسوق المال إلى أرضه ليس بحيازة لكن الأكثر على الأول إلا أن على هذا القائل أن يقول ينبغي إن حاز البئر يملك بناءها ، ويكون بتكلفة الحفر والطي لتحصيل الماء يملك الماء كما يملك الكلأ بتكلفة سوق الماء إلى الأرض لينبت فله منع المستقي ، وإن لم يكن في أرض مملوكة له كذا في فتح القدير ، وسيأتي إن شاء الله تعالى بقية الكلام عليه في كتاب الشرب ، والحيلة في جواز إجازته أن يستأجرها أرضا لإيقاف الدواب فيها أو لمنفعة أخرى بقدر ما يريد صاحبه من الثمن أو الأجرة فيحصل به غرضهما ، ويدخل في الكلأ جميع أنواع ما ترعاه المواشي رطبا كان أو يابسا بخلاف الأشجار لأن الكلأ ما لا ساق له ، والشجر له ساق فلا تدخل فيه حتى يجوز بيعها إذا نبتت في أرضه لكونها ملكه ، والكمأة كالكلأ ، وفي القاموس الكمء نبات ، والكمأة للواحد ، والكمء للجمع أو هي تكون واحدة ، وجمعا . ا هـ . . والقدوري
( قوله والنحل ) أي لم يجز بيعه ، وهذا عند أبي حنيفة ، وقال وأبي يوسف يجوز إذا كان محرزا ، وهو معنى ما في الذخيرة إذا كان مجموعا لأنه حيوان منتفع به حقيقة ، وشرعا فيجوز بيعه ، وإن كان لا يؤكل كالبغل والحمار ، ولهما أنه من الهوام فلا يجوز بيعه كالزنابير ، والانتفاع بما يخرج منه لا بعينه فلا يكون منتفعا به قبل الخروج أطلقه فشمل ما إذا كان بيع تبعا للكوارات ، وفيها عسل ، وهو قول محمد [ ص: 85 ] وذكر الكرخي أن بيعه تبعا للكوارة فيها عسل جائز ، وأنكره القدوري ، وقال إنما يدخل الشيء في البيع تبعا لغيره إذا كان من حقوقه كالشرب والطريق ، وهذا ليس من حقوقه كذا في الفوائد الظهيرية ، وأجيب عنه بأن التبعية لا تنحصر في الحقوق كالمفاتيح فالعسل تابع للنحل في الموجود ، والنحل تابع له في المقصود بالبيع ، والكوارة بضم الكاف وتشديد الواو معسل النحل إذا سوي من طين ، وفي التهذيب كوارة النحل مخففة ، وفي المغرب بالكسر من غير تشديد ، وقيد الكرخي بفتح الكاف ، وفي الغريبين بالضم كذا في فتح القدير ، وفي المصباح كوارة النحل بالضم والتخفيف ، والتثقيل لغة عسلها في الشمع ، وقيل بيتها إذا كان فيه العسل ، وقيل هو الخلية ، وكسر الكاف مع التخفيف لغة . ا هـ . وسيأتي أن الفتوى على قول الزمخشري . محمد
( قوله ويباع دود القز وبيضه ) أما الدود فلا يجوز بيعه عند لأنه من الهوام ، وعند أبي حنيفة يجوز إذا ظهر فيه القز تبعا ، وعند أبي يوسف يجوز كيفما كان لكونه منتفعا به ، وأما بيضه فلا يجوز بيعه عند محمد ، وعندهما يجوز لمكان الضرورة ، وقيل أبي حنيفة مع أبو يوسف كما في دوده ، وإنما اختار أبي حنيفة المؤلف قول في الدود ، والبيض لكونه المفتى به ، ولكن يرد عليه أن الفتوى على قول محمد أيضا في بيع النحل كما في الذخيرة والخلاصة فلم اختار قوله في الدود دون النحل بلا مرجح ، ولعله لم يطلع على أن الفتوى على قوله فيهما ، وفي المصباح القز معرب قال محمد هو ما يعمل منه الإبريسم ، ولهذا قال بعضهم : القز والإبريسم مثل الحنطة والدقيق . ا هـ . الليث
وأما الخز فاسم دابة ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها ، والجمع خزان مثل صرد وصردان منه أيضا قيد بالنحل والدود لأن ما سواهما من الهوام كالحيات والعقارب والوزغ والقنافذ والضب لا يجوز بيعه اتفاقا ، ولا يجوز بيع شيء من البحر إلا السمك كالضفدع والسرطان والسلحفاة وفرس البحر ، وغير ذلك ، ولكن في الذخيرة إذا اشترى العلق الذي يقال له بالفارسية مرعل يجوز ، به أخذ الصدر الشهيد لحاجة الناس إليه لتمول الناس له ، وفي المصباح العلق شيء أسود شبيه الدود يكون في الماء يعلق بأفواه الإبل عند الشرب ا هـ .
وقيد بالبيع لأنه لو كان الدود ، وورق التوت من واحد ، والعمل من آخر على أن يكون القز بينهما نصفين أو أقل أو أكثر لا يجوز عند ، وكذا لو كان العمل منهما ، وهو بينهما نصفان ، وفي فتاوى محمد الولوالجي فالفليق لصاحبة البزر لأنه حدث من بزرها ، ولها على صاحبة البزر قيمة الأوراق ، وأجر مثلها ، ومثله إذا دفع بقرة إلى آخر يعلفها ليكون الحادث بينهما بالنصف فالحادث كله لصاحب البقرة ، وله على صاحب البقرة ثمن العلف ، وأجر مثله ، وعلى هذا إذا دفع الدجاج ليكون البيض بالنصف كذا في فتح القدير ، ومحلها كتاب الإجارات ، ولم يذكر امرأة أعطت امرأة بزر القز ، وهو بزر الفيلق بالنصف فقامت عليه حتى أدرك المؤلف بيع الحمام ، وذكره في الهداية فقال : والحمام إذا علم عددها ، وأمكن تسليمها جاز بيعها لأنه مال مقدور التسليم ، وفي الذخيرة إذا باع برج حمام مع الحمام فإن باع ليلا جاز لأن في الليل يكون الحمام بجملته داخل البرج ، ويمكن أخذه منه من غير الاحتيال فيكون بائعا ما يقدر على تسليمه ، وفي النهار يكون بعضه خارج البيت فلا يمكن أخذه إلا بالاحتيال فلا يجوز ا هـ .
[ ص: 83 ]