( قوله ولكل منهما فسخه ) أي يجوز رفعا للفساد ، وذكر لكل من البائع والمشتري في البيع الفاسد فسخه الزيلعي أن اللام بمعنى على لأن رفع الفساد واجب ، ولا حاجة إليه لأنه حكم آخر ، وإنما مراده بيان أن لكل منهما ولاية الفسخ دفعا لتوهم أنه إذا ملك بالقبض لزم فإن كان قبل القبض فلكل ذلك بعلم صاحبه لا برضاه ، وإن كان بعد القبض فإن كان الفساد في صلب العقد بأن كان راجعا إلى البدلين المبيع ، والثمن كبيع درهم بدرهمين ، وكالبيع بالخمر أو الخنزير فكذلك ، وإن كان بشرط زائد كالبيع إلى أجل مجهول أو بشرط فيه نفع لأحدهما فكذلك عندهما لعدم اللزوم ، وعند لمن له منفعة الشرط ، ولم يشترط محمد علم الآخر ، واقتصر في الهداية على قول أبو يوسف ، ولم يذكر خلافا ، واعلم أن قوله لمن له منفعة الشرط يقتضي أن للمعقود عليه الآدمي أن يفسخه إذا كان الشرط له كما قدمناه ، وهو بعيد لقولهم لكل منهما فسخه فليتأمل ، وفي القنية رده المشتري بفساد البيع فلم يقبله فأعاده المشتري إلى منزله فهلك عنده لا يلزمه الثمن ، ولا القيمة ، وقيده محمد ابن سلام بأن يكون فساد البيع متفقا عليه فإن كان مختلفا فيه لا يبرأ إلا بقبوله أو قضاء القاضي .
وقال أبو بكر الإسكاف يبرأ في الوجهين ، وما قاله ابن سلام أشبه كخيار البلوغ ، وفسخ الإجارة للعذر ا هـ .
وفيها تبايعا فاسدا ثم مات أحدهما فلورثته النقض . ا هـ .
وفي البزازية باع منه صحيحا ثم باعه فاسدا منه انفسخ الأول لأن الثاني لو كان صحيحا ينفسخ الأول به فكذا لو كان فاسدا لأنه ملحق بالصحيح في كثير من الأحكام ، وكذا لو باع المؤجر المستأجر من المستأجر فاسدا تنفسخ الإجارة كما إذا باعه صحيحا ا هـ .
[ ص: 103 ] ثم قال ولو باع فاسدا ، وسلم ثم باع من غيره ، وادعى أن الثاني كان قبل فسخ الأول ، وقبضه ، وزعم المشتري الثاني أنه كان بعد الفسخ والقبض في الأول فالقول له لا للبائع ، وينفسخ الأول بقبض الثاني ثم قال لو فالمشتري أحق به من الغرماء كما في الصحيح بعد الفسخ ، ولو مات المشتري فالبائع أحق من سائر الغرماء بماليته ا هـ . مات البائع ، وعليه دين آخر
ثم قال ولا يشترط القضاء في فسخ البيع الفاسد . ا هـ .
ولم يذكر المصنف أن للقاضي فسخ الفاسد جبرا عليهما قال في البزازية ، وإذا أصر البائع والمشتري على إمساك المشتري فاسدا ، وعلم به القاضي له فسخه حقا للشرع فبأي طريقة رده المشتري إلى البائع صار تاركا للمبيع ، وبرئ عن ضمانه . ا هـ .
( قوله إلا أن يبيع المشتري ) أي فليس لكل منهما فسخه ، وإنما نفذ بيعه لأنه ملكه بملك التصرف فيه ، وسقط حق الاسترداد لتعلق حق العبد بالثاني ونقض الأول إنما كان لحق الشرع ، وحق العبد مقدم لحاجته ، ولأن الأول مشروع بأصله دون وصفه .
والثاني مشروع بأصله ووصفه فلا يعارضه مجرد الوصف ، ولأنه حصل بتسليط من جهة البائع بخلاف تصرف المشتري في الدار المشفوعة لأن كل واحد منهما حق العبد فيستويان في المشروعية ، ولم يحصل بتسليط من الشفيع أراد بالبيع الصحيح لأنه لو باعه فاسدا فإنه لا يمنع النقض ، وأطلقه فشمل ما إذا قبضه المشتري الثاني أو لا ، ولكنه مقيد بما إذا لم يكن فيه خيار شرط لأنه ليس بلازم ، وفي البزازية ، وجامع الفصولين أقام المشتري بينة على بيعه من فلان الغائب لا يقبل فللبائع الأخذ لا لو صدقه فله قيمته . ا هـ .
ولو فسخ البيع بعيب بعد قبضه بقضاء فللبائع حق الفسخ لو لم يقض بقيمته لزوال المانع ، ولو رد بعيب بغير قضاء لا يعود حق الفسخ كما لو اشتراه ثانيا ، وسيأتي في الضابط ، وقيد ببيع المشتري لأن البائع لو باعه بعد قبض المشتري ، وادعى أن الثاني كان قبل فسخ الأول ، وقبضه ، وزعم المشتري الثاني أنه كان بعد الفسخ ، والقبض من الأول فالقول له لا للبائع ، وينفسخ الأول بقبض الثاني كذا في البزازية ، ويستثنى من لزومه بالبيع مسألتان الأولى لو باعه لبائعه فقدمنا أنه يكون ردا ، وفسخا للبيع ، والثانية لو كان فاسدا بالإكراه فإن تصرفات المشتري كلها تنقض بخلاف سائر البياعات الفاسدة .
كذا في البزازية قيد بالبيع الفاسد احترازا عن الإجارة الفاسدة لما في جامع الفصولين قيل ليس للمستأجر فاسدا أن يؤجره من غيره إجارة صحيحة استدلالا بما ذكر إلى آخره ، وقيل يملكها بعد قبضه كمشتر فاسد له البيع جائزا ، وهو الصحيح إلا أن للمؤجر الأول نقض الثانية لأنها تنفسخ بالأعذار ( قوله أو يهب ) يعني إذا ارتفع الفساد ، ولا يفسخ لما قدمناه في البيع ، وشرط في الهداية التسليم فيها لأنها لا تفيد الملك إلا به بخلاف البيع ، وفي جامع الفصولين ثم الأصل أن المانع إذا زال كفك رهن ورجوع هبة ، وعجز مكاتب ورد مبيع على المشتري بعيب بعد قبضه بقضاء فللبائع حق الفسخ لو لم يقض بقيمة لأن هذه العقود لم توجب الفسخ من كل وجه في حق الكل . ا هـ . وهبه المشتري
ولا فرق في الرجوع في الهبة بين القضاء وغيره كما في فتح القدير ثم اعلم أن المشترى فاسدا لا يطيب للمشتري ، ويطيب لمن انتقل الملك منه إليه لكون الثاني ملكه بعقد صحيح بخلاف المشتري الأول فإنه يحل له التصرف فيه ، ولا يطيب له لأنه ملكه بعقد فاسد ، ولو ملكه ، ولا يطيب له ، ويفنى بالرد ، ويقضي له ، ولو باعه صح بيعه ، ولا يطيب للمشتري كما لا يطيب للأول بخلاف البيع الفاسد [ ص: 104 ] كذا ذكره دخل دار الحرب بأمان ، وأخذ مال الحربي بغير طيبة من نفسه ، وأخرجه إلى دار الإسلام الإسبيجابي .
( قوله أو يحرر ) أي يعتق المشتري العبد لما قدمناه ، وتوابع الإعتاق كهو من التدبير ، والاستيلاد والكتابة صرح في جامع الفصولين بالاستيلاد فقال إذا حبلت منه صارت أم ولده ، وصرح الشارح ، وغيره بالكتابة ، ولم أر من صرح بالتدبير ، وإذا عجز المكاتب زال المانع من الاسترداد .
وأشار بالتحرير إلى الوقف ، ولكن قال في جامع الفصولين فلو وقفه أو جعله مسجدا لا يبطل حقه ما لم يبن ا هـ .
فعلم أن الوقف ليس كالتحرير ، وينبغي أن يحمل على ما قبل القضاء به أما إذا قضى به فإنه يرتفع الفساد للزومه ، والظاهر أن ما في جامع الفصولين تبعا للعمادي ليس بصحيح فقد قال الإمام الخصاف في أحكام الأوقاف لو اشترى أرضا بيعا فاسدا وقبضها ووقفها وقفا صحيحا ، وجعل آخرها للمساكين فقال الوقف فيها جائز ، وعليه قيمتها للبائع من قبل أنه استهلكها حين وقفها ، وأخرجها عن ملكه ا هـ .
وهكذا في الإسعاف ، ولم يذكر المؤلف من التصرفات القولية غير ذلك ، وفاته الرهن لأنه من العقود اللازمة فيمنع حق الرد فإذا فك أو فسخ قبل القضاء بالقيمة عاد حق الاسترداد ، وفاته أيضا الوصية فإذا وصى به المشتري ثم مات سقط الفسخ لأن المبيع انتقل عن ملكه إلى ملك الموصى له ، وهو ملك مبتدأ فصار كما لو باعه بخلاف ما إذا مات المشتري فإنه لوارثه الفسخ ، وللبائع أيضا لأن الوارث قائم مقام المورث كذا في السراج الوهاج قالوا كل تصرف قولي فإنه يمنع الفسخ إلا الإجارة والنكاح فلا يمنعانه لأن الإجارة تفسخ بالأعذار ، ورفع الفساد من الأعذار ، والنكاح ليس فيه الإخراج عن الملك ، ولكن إذا ردت الجارية إلى البائع ، وانفسخ البيع هل ينفسخ النكاح قال في السراج الوهاج إنه لا ينفسخ لأنه لا يفسخ بالأعذار ، وقد عقده المشتري ، وهي على ملكه . ا هـ .
ويشكل عليه ما ذكره الولوالجي من الفصل الأول من كتاب النكاح لو زوج الجارية المبيعة قبل قبضها ، وانتقض البيع فإن النكاح يبطل في قول ، وهو المختار لأن البيع متى انتقض قبل القبض انتقض [ ص: 105 ] من الأصل معنى فصار كأنه لم يكن فكان النكاح باطلا ا هـ . أبي يوسف
إلا أن يحمل أن ما في السراج قول أو يظهر بينهما فرق . محمد
( قوله أو يبني ) أي إذا بنى المشتري فاسدا فعليه القيمة عند رواه عنه أبي حنيفة يعقوب في الجامع الصغير ثم شك بعد ذلك في الرواية ، وقال أبو يوسف إنه ينقض البناء ، وترد الدار ، والغرس على هذا الاختلاف لهما أن حق الشفيع أضعف من حق البائع حتى يحتاج فيه إلى القضاء ، ويبطل بالتأخير بخلاف حق البائع ثم أضعف الحقين لا يبطل بالبناء فأقواهما أولى ، وله أن البناء والغرس مما يقصد به الدوام ، وقد حصل بتسليط منه جهة البائع فينقطع حق الاسترداد كالبيع بخلاف حق الشفيع لأنه لم يوجد منه التسليط ، ولهذا لم تبطل بهبة المشتري ، وبيعه فكذا ببنائه ، وشك يعقوب في حفظ الرواية عن ومحمد ، وقد نص محمد على الاختلاف ، ولم يذكر أبي حنيفة المؤلف من الأفعال الحسية إلا البناء قالوا متى فعل المشتري بالمبيع فعلا ينقطع به حق المالك في الغصب ينقطع به حق البائع في الاسترداد كما إذا كان حنطة فطحنها ، ولم يذكر أيضا ما إذا زاد المبيع أو نقص إلا الزيادة بالبناء .
وفي جامع الفصولين زوائد المبيع فاسدا لا تمنع الفسخ إلا متصلة لم تتولد كصبغ وخياطة ولت سويق ، ولو منفصلة متولدة تضمن بالتعدي لا بدونه ، ولو هلك المبيع لا المتولدة فللبائع أخذ الزوائد ، وقيمة المبيع ، ولو منفصلة غير متولدة فله أخذ المبيع مع هذه الزوائد ، ولا تطيب له ، ولو هلكت في يد المشتري لم يضمن ، ولو أهلكها ضمن عندهما لا عند ، ويماثلها زوائد الغصب ، ولو هلك المبيع لا الزوائد فهي للمشتري بخلاف المتولدة كما يفترقان في الغصب فيضمن قيمة المبيع فقط ، وأما حكم نقصانه فلو نقص في يد المشتري بآفة سماوية فللبائع أخذه مع أرش نقصه ، وكذا لو بفعل المشتري أو المبيع ، ولو بفعل البائع صار مستردا حتى لو هلك عند المشتري ، ولم يوجد منه حبس عن البائع هلك على البائع ، ولو بفعل أجنبي يخير البائع إن شاء أخذه من المشتري ، وهو يرجع على الجاني ، وإن شاء اتبع الجاني ، وهو لا يرجع على المشتري كالغصب ا هـ . أبي حنيفة
( قوله : وله أن يمنع المبيع عن البائع حتى يأخذ الثمن ) أي للمشتري المنع بعد فسخ البيع لأن المبيع مقابل به فيصير محبوسا به كالرهن أشار المؤلف إلى أن البائع إذا مات كان المشتري أحق به حتى يستوفي الثمن لأنه يقدم عليه في حياته فكذا على ورثته وغرمائه بعد وفاته كالراهن ، وإلى أنه لو استأجر إجارة فاسدة ، ونقد الأجرة أو ارتهن رهنا فاسدا أو أقرض قرضا فاسدا ، وأخذ به رهنا كان له أن يحبس ما استأجر ، وما ارتهن حتى يقبض ما نقد اعتبارا للعقد الجائز إذا تفاسخا .
وكذا لو مات المؤجر أو الراهن أو المستقرض فهو أحق بما في يده من العين من سائر الغرماء ، وإلى أن الثمن لو لم يكن منقودا للبائع ، وإنما كان دينا له على المشتري فليس له الحبس قالوا لو اشترى من مدينه عبدا بدين سابق له عليه شراء فاسدا أو قبض العبد بإذن البائع فأراد البائع استرداد العبد بحكم الفساد ليس للمشتري أن يحبس العبد لاستيفاء ما له عليه من الدين بخلاف الصحيح ، وله أن يسترد العبد قبل إيفاء الأجرة ، وليس للمستأجر [ ص: 106 ] الحبس بالأجرة بخلاف الصحيح ، وكذا الرهن الفاسد لو كان بدين سابق ، والفرق أن البيع إذا أضيف للدراهم لا يتعلق الملك في الثمن بمجرد العقد فإذا وجب للمديون على المشتري مثل الدين صار الثمن قصاصا لاستوائهما قدرا ، ووصفا فيصير البائع مستوفيا ثمنه بطريق المقاصة فاعتبر بما لو استوفاه حقيقة ، وثم للمشتري حق حبس المبيع إلى أن يستوفي الثمن فكذا هذا ، وفي الفاسد لم يملك الثمن بل تجب قيمة المبيع عند القبض ، والقيمة قبل القبض غير مقررة لاحتمالها السقوط كل ساعة بالفسخ ، ولأن القيمة قد تكون من جنس الدين ، وقد لا تكون ، ودين المشتري على البائع مقرر ، والمقاصصة إنما تكون عند استواء الواجبين وصفا .
ولذا لا تجب المقاصصة بين الحال والمؤجل ، والجيد والرديء ، وإذا لم تقع المقاصصة لم يصر البائع مستوفيا الثمن أصلا فلا يكون للمشتري حق حبس المبيع بعد فسخ البيع ، ولو كان الرهن باطلا بأن استقرض ألفا ، ورهن أم ولد أو مدبرا له أن يسترد قبل قضاء الدين لعدم الانعقاد ، والكل من الكافي شرح الوافي ، وإلى أن الثمن لو كان دراهم ، وهي قائمة فإنه يأخذها بعينها لأنها تتعين في البيع الفاسد ، وهو الأصح لأنه بمنزلة الغصب ، وإن كانت مستهلكة أخذ مثلها لما بينا كذا في الهداية ( قوله لا للمشتري ) أي طال للبائع ما ربحه في ثمن الفاسد ، ولا يطيب للمشتري ربح المبيع فلا يتصدق الأول ، ويتصدق المشتري ، والفرق أن المبيع مما يتعين فتعلق العقد به فتمكن الخبيث فيه ، والنقد لا يتعين في عقود المعاوضات فلم يتعلق العقد الثاني بعينه فلم يتمكن الخبث فلا يجب التصدق قيد بالبيع الفاسد لأن ما ربحه الغاصب ، والمودع بعد أداء الضمان لا يطيب له مطلقا عندهما خلافا وطاب للبائع ما ربح لأن الخبث في الأول لفساد الملك ، وفي الثاني لعدمه لتعلق العقد فيما يتعين حقيقة ، وفيما لا يتعين شبهة من حيث إنه يتعلق به سلامة المبيع أو تقدير الثمن ، وعند فساد الملك تنقلب الحقيقة شبهة ، والشبهة تنزل إلى شبهة الشبهة ، والشبهة هي المعتبرة دون النازل عنها . لأبي يوسف
ثم اعلم أن قولهم تبعا لما في الجامع الصغير أن الربح يطيب للبائع في الثمن النقد دليل على أن [ ص: 107 ] النقد لا يتعين في البيع الفاسد على الأصح ، وقولهم إنه يتعين على الأصح يخالفه فإن اعتبر تصحيح التعيين فحينئذ يجب التصدق على البائع ، والرواية بخلافه ، ولم أر من أوضحه من الشارحين ، وقد ظهر لي أنه منافاة بينهما فقالوا فيما مضى إنه يتعين على الأصح بالنسبة إلى وجوب رد غير ما أخذه ، وقالوا هنا لا يتعين أي بالنسبة إلى أنه يطيب له ما ربحه فهو متعين من جهة فساد الملك كالمغصوب ، وغير متعين من جهة أن فاسد المعاوضات كصحيحها فاعتبروا الوجه الأول في لزوم رد عين المقبوض ، والثاني في حل ربحه ، وإنما لم يعكس لدليل الخراج بالضمان ، ومعناه كما في الفائق ، والقاموس غلة العبد للمشتري إذا رده بعد الاطلاع على العيب بسبب أنه في ضمانه ا هـ . أبي يوسف
[ ص: 102 ]