( قوله : إلا عصر يومه ) لما روى الجماعة إلا ومنع عن الصلاة وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة عند الطلوع والاستواء والغروب من حديث البخاري رضي الله عنه قال { عقبة بن عامر الجهني } ومعنى تضيف تميل وهو بالمثناة الفوقية المفتوحة فالضاد المعجمة المفتوحة فالمثناة التحتية المشددة وأصله تتضيف حذف منه إحدى التاءين والمراد بقوله وأن نقبر صلاة الجنازة كناية ; لأنها ذكر الرديف وإرادة المردوف إذ الدفن غير مكروه خلافا ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل وحين تضيف للغروب حتى تغرب لأبي داود لما رواه ابن دقيق العيد في الإمام عن عقبة قال { } أطلق الصلاة فشمل فرضها ونفلها ; لأن الكل ممنوع فإن المكروه من قبيل الممنوع ; لأنها تحريمية لما عرف من أن النهي الظني الثبوت غير المصروف عن مقتضاه يفيد كراهة التحريم وإن كان قطعيه أفاد التحريم فالتحريم في مقابلة الفرض في الرتبة وكراهة التحريم في رتبة الواجب والتنزيه في رتبة المندوب والنهي في حديث نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي على موتانا عند طلوع الشمس عقبة من الأول فكان الثابت به كراهة التحريم ،
فإن كانت الصلاة فرضا أو واجبة فهي غير صحيحة ; لأنها لنقصان في الوقت بسبب الأداء فيه تشبيها بعبادة الكفار المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم { } رواه إن الشمس تطلع بين قرني شيطان إذا ارتفعت فارقها ، ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها وإذا غربت فارقها ونهى عن الصلاة في تلك الساعات في الموطإ وهذا هو المراد بنقصان الوقت وإلا فالوقت لا نقص فيه نفسه بل هو وقت كسائر الأوقات إنما النقص في الأركان فلا يتأدى بها ما وجب كاملا فخرج الجواب عما قيل لو ترك بعض الواجبات صحت الصلاة مع أنها ناقصة يتأدى بها الكامل ; لأن ترك الواجب لا يدخل النقص في الأركان التي هي المقومة للحقيقة بخلاف فعل الأركان في هذه الأوقات ، وإنما جاز القضاء في أرض الغير وإن كان النهي ثم لمعنى في غيره أيضا ; لأن النهي ثم ورد للمكان وهنا للزمان واتصال الفعل بالزمان أكثر ; لأنه داخل في ماهيته ولهذا فسد صوم يوم النحر وإن ورد النهي فيه لمعنى في غيره ; لأن النهي فيه باعتبار الوقت والصوم يقوم به ويطول بطوله ويقصر بقصره ; لأنه معياره فازداد الأثر فصار فاسدا وإن كانت الصلاة نفلا فهي صحيحة مكروهة حتى وجب قضاؤه إذا قطعه ويجب قطعه وقضاؤه في غير مكروه في ظاهر الرواية ، ولو أتمه خرج عن عهدة ما لزمه بذلك الشروع وفي المبسوط القطع أفضل والأول هو مقتضى الدليل والوتر داخل في الفرض ; لأنه فرض عملي أو في الواجب فلا يصح في هذه الأوقات كما في الكافي والمنذور المطلق الذي لم يقيد بوقت الكراهة داخل فيه أيضا كما صرح به مالك الإسبيجابي داخل فيه أيضا فلا يصح في هذه الأوقات كما في المحيط بخلاف ما لو والنفل إذا شرع فيه في وقت مستحب ، ثم أفسده وحيث يخرجه عن العهدة وإن كان آثما ; لأن وجوبه ضرورة صيانة المؤدي عن البطلان ليس غير والصون عن البطلان يحصل مع النقصان كما لو قضى في وقت مكروه ما قطعه من النفل المشروع فيه في وقت مكروه يصح ويأثم ويجب أن يصلي في غيره وقول الشارح فيهما والأفضل أن يصلي في غيره ضعيف كما قدمناه ، ويدخل في الواجب ركعتا الطواف فلا تصح في هذه الأوقات الثلاثة اعتبرت واجبة في حق هذا الحكم ونفلا في كراهتها بعد صلاة الفجر والعصر احتياطا [ ص: 263 ] فيهما وعبارة الكتاب أولى من عبارة أصله الوافي حيث قال لا تصح صلاة إلى آخره لما علمت أن عدم الصحة إنما هن من الفرائض والواجبات لا في النوافل بخلاف المنع فإنه يعم الكل وأراد بسجدة التلاوة وصلاة الجنازة ما وجبت قبل هذه الأوقات ، أما إذا تلاها فيها أو حضرت الجنازة فيها فأداها فإنه يصبح من غير كراهة إذ الوجوب بالتلاوة والحضور لكن الأفضل التأخير فيهما وفي التحفة الأفضل أن يصلي على الجنازة إذا حضرت في الأوقات الثلاثة ولا يؤخرها بخلاف الفرائض وظاهر التسوية بين صلاة الجنازة وسجدة التلاوة أنه لو نذر أن يصلي في الوقت المكروه فأدى فيه فإنها لا تصح وتجب إعادتها كسجود التلاوة وذكر حضرت الجنازة في غير مكروه فأخرها حتى صلى في الوقت المكروه الإسبيجابي لو صلى صلاة الجنازة فإنه يجوز مع الكراهة ولا يعيد ولو سجد سجدة التلاوة ينظر إن قرأها في هذا الوقت تجوز مع الكراهة وتسقط عن ذمته وإن قرأها قبل ذلك ، ثم سجدها في هذا الوقت لا يجوز ويعيد . ا هـ .
وسجدة السهو كسجدة التلاوة ، كذا في المحيط حتى لو دخل وقت الكراهة بعد السلام وعليه سهو فإنه لا يسجد لسهوه وسقط عنه ; لأنه لجبر النقصان المتمكن في الصلاة فجرى ذلك مجرى القضاء ، وقد وجب ذلك كاملا فلا يتأدى بالناقص ، كذا في شرح المنية وذكر في الأصل ما لم ترتفع الشمس قدر رمح فهي في حكم الطلوع واختار الفضلي أن الإنسان ما دام يقدر على النظر إلى قرص الشمس في الطلوع فلا تحل الصلاة فإذا عجز عن النظر حلت وهو مناسب لتفسير التغير المصحح كما قدمناه وأراد بالغروب التغير كما صرح به قاضي خان في فتاويه حيث قال وعند احمرار الشمس إلى أن تغيب رحمه الله أخرج من النهي في حديث والشافعي عقبة الفوائت عملا بقوله عليه السلام { } متفق عليه والجواب عنه أن كونه مخصصا لعموم النهي متوقف على المقارنة فلما لم تثبت فهو معارض في بعض الأفراد فيقدم حديث من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها عقبة ; لأنه محرم ولو تنزلنا إلى طريقهم في كون الخاص مخصصا كيفما كان فهو خاص في الصلاة عام في الأوقات ، فإن وجب تخصيص عموم الصلاة في حديث عقبة وجب تخصيص حديث عقبة عموم الوقت ; لأنه خاص في الوقت وتخصيص عموم الوقت هو إخراجه الأوقات الثلاثة من عموم وقت التذكر في حق الصلاة الفائتة
كما أن تخصيص الآخر هو إخراج الفوائت من عموم منع الصلاة في الأوقات الثلاثة وحينئذ فيتعارضان في الفائتة في الأوقات المكروهة إذ تخصيص حديث عقبة يقتضي إخراجها عن الحل في الثلاثة وتخصيص حديث التذكر للفائتة من عموم الصلاة يقتضي حلها فيها ، ويكون إخراج حديث عقبة أولى ; لأنه محرم وأخرج أيضا النوافل بمكة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم { بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار } وجوابه أنه عام في الصلاة والوقت فيتعارض عمومهما في الصلاة ويقدم حديث يا عقبة لما قلنا وكذا يتعارضان في الوقت إذ الخاص يعارض العام عندنا وعلى أصولهم يجب أن يخص منه حديث عقبة في الأوقات الثلاثة ; لأنه خاص فيها وأخرج منه النفل يوم الجمعة وقت الزوال لما رواه أبو يوسف في مسنده { الشافعي } وجوابه أن الاستثناء عندنا تكلم بالباقي فيكون حاصله نهيا مقيدا بكونه بغير يوم الجمعة فيقدم عليه حديث نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة عقبة المعارض له فيه ; لأنه محرم وبحث فيه المحقق ابن الهمام بأنه يحمل المطلق على المقيد لاتحادهما حكما وحادثة ولم يجب عنه فظاهره ترجيح قول فلذا قال في الحاوي وعليه الفتوى كما عزاه له أبي يوسف ابن أمير حاج في شرح المنية وفي العناية إن حديث منقطع أو معناه ولا يوم الجمعة واستثنى أبي يوسف المصنف من المنع [ ص: 264 ] عصر يومه فأفاد أنه لا يكره أداؤه وقت التغير ، وقد قدمنا أن المكروه إنما هو تأخيره لا أداؤه لأنه أداه كما وجب ; لأن سبب الوجوب آخر الوقت إن لم يؤد قبله وإلا فالجزء المتصل بالأداء وإلا فجميع الوقت وعلل المصنف في كافيه بأنه لا يستقيم إثبات الكراهة للشيء ; لأنه مأمور به وقيل الأداء مكروه أيضا . ا هـ .
وعلى هذا مشى في شرح والتحفة والبدائع والحاوي وغيرها على أنه المذهب من غير حكاية خلاف وهو الأوجه للحديث السابق الثابت في صحيح الطحاوي وغيره وقيد بعصر يومه ; لأن عصر أمسه لا يجوز وقت التغير ; لأن الأجزاء الصحيحة أكثر فيجب القضاء كاملا ترجيحا للأكثر الصحيح على الأقل الفاسد وأورد عليه أن من بلغ أو أسلم في الجزء الناقص لا يصح منه في ناقص غيره مع تعذر الإضافة في حقه إلى الكل لعدم الأهلية وأجيب بأن لا رواية فيها فتلتزم الصحة والصحيح أن النقص لازم الأداء في ذلك الجزء ، وأما الجزء فلا نقص فيه ، غير أن تحمل ذلك النقص لو أدى فيه العصر ضرورة ; لأنه مأمور بالأداء فيه فإذا لم يؤد لم يوجد النقص الضروري وهو في نفسه كامل فيثبت في ذمته كذلك فلا يخرج عن عهدته إلا بالكامل وبهذا اندفع ما ذكره مسلم السراج الهندي في شرح المغني من أن السبب لما كان ناقصا في الأصل كان ما ثبت في الذمة ناقصا أيضا فعند مضي الوقت لا يتصف بالكمال لما علمت أنه لا نقص في الوقت أصلا ، وأشار إلى أن فجر يومه يبطل بالطلوع والفرق بينهما أن السبب في العصر آخر الوقت وهو وقت التغير وهو ناقص فإذا أداها فيه أداها كما وجبت ووقت الفجر كله كامل فوجبت كاملة فتبطل بطرو الطلوع الذي هو وقت فساد لعدم الملاءمة بينهما ، فإن قيل روى الجماعة عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } أجيب بأن التعارض لما وقع بين هذا الحديث وبين النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة في الفجر رجعنا إلى القياس كما هو حكم التعارض فرجحنا حكم هذا الحديث في صلاة العصر وحكم النهي في صلاة الفجر ، كذا في شرح النقاية وظاهره أن ترجيح المحرم على المبيح إنما هو عند عدم القياس من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح
أما عنده فالترجيح له ، وفي القنية كسالى العوام إذا صلوا الفجر وقت الطلوع لا ينكر عليهم ; لأنهم لو منعوا يتركونها أصلا ظاهرا ولو صلوها تجوز عند أصحاب الحديث والأداء الجائز عند البعض أولى من الترك أصلا وفي البغية أفضل من قراءة القرآن . ا هـ . الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الأوقات التي تكره فيها الصلاة والدعاء والتسبيح
ولعله ; لأن القراءة ركن الصلاة وهي مكروهة فالأولى ترك ما كان ركنا لها والتعبير بالاستواء أولى من التعبير بوقت الزوال ; لأن وقت الزوال لا تكره فيه الصلاة إجماعا ، كذا في شرح منية المصلي .
[ ص: 263 ]