قوله ( والإبراء عن الدين ) بأن ; لأنه تمليك من وجه حتى يرتد بالرد وإن كان فيه معنى الإسقاط فيكون معتبرا بالتمليكات فلا يجوز تعليقه بالشرط ، كذا ذكره قال أبرأتك عن ديني على أن تخدمني شهرا أو إن قدم فلان العيني قيد بالدين ; لأن الإبراء عن الكفالة يصح تعليقه بشرط ملائم كقوله إن وافيت به غدا فأنت بريء فوافاه به برئ من المال وهو قول البعض واختاره في فتح القدير ، وقال : إنه الأوجه . معللا بأنه إسقاط لا تمليك ذكره في الكفالة ، وعلى هذا يحمل قول المصنف رحمه الله تعالى فيها وبطل على ما إذا كان غير ملائم ، وفي فتاوى تعليق البراءة من الكفالة بشرط قاضي خان من فصل في هبة المرأة من الزوج ، ولو جاز وتكون وصية من الطالب للمطلوب ، ولو قال الطالب لمديونه إذا مت فأنت بريء من الدين الذي لي عليك لا يبرأ وهو مخاطره كقوله قال إن مت فأنت بريء من ذلك الدين لا يبرأ . ا هـ . إن دخلت الدار فأنت بريء مما لي [ ص: 198 ] عليك
وفيها أيضا لو كان مهرها على زوجها لأن هذه مخاطرة فلا تصح . ا هـ . قالت المريضة لزوجها إن مت من مرضي هذا فمهري عليك صدقة أو أنت في حل من مهري فماتت من ذلك المرض
وحاصله أن التعليق بموت الدائن صحيح إلا إذا كان المديون وارثا له وعلق في مرض موته فيكون مخصصا لإطلاق الكتاب وفي البزازية من الدعوى صح ; لأنه تعليق بأمر كائن . ا هـ . قال المديون دفعت إلى فلان فقال إن كنت دفعت إليه فقد أبرأتك
ومن فروع عدم صحة تعليق الإبراء ما في المبسوط لو فهذا باطل ; لأنه تعليق البراءة بخطر وهي لا تحتمل التعليق . ا هـ . قال الطالب للخصم إن حلفت فأنت بريء
وفي الخانية من الهبة فإن لم يقبل الزوج ذلك بطلت الهبة وإن قبل ذلك في المجلس جازت الهبة ، ثم إن فعل الزوج ذلك فالهبة ماضية وإن لم يفعل فكذلك عند البعض كمن امرأة قالت لزوجها وهبت مهري منك على أن كل امرأة تتزوجها تجعل أمرها بيدي عتقت تزوجت أو لم تتزوج أعتق أمة على أن لا تتزوج فقبلت قال امرأة قالت لزوجها وهبت مهري إن لم تظلمني فقبل الزوج ذلك ، ثم طلقها بعد ذلك أبو بكر الإسكاف وأبو القاسم الصفار الهبة فاسدة ; لأنها تعليق الهبة بالشرط وهذا بخلاف ما لو صحت الهبة لأن هذا تعليق الهبة بالقبول ، فإذا قبلت تمت الهبة فلا يعود المهر بعد ذلك وهو نظير ما لو قالت وهبت منك مهري على أن لا تظلمني فقبل لا تطلق ما لم تدخل ، ولو قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار وقع الطلاق ، وقال قال أنت طالق على دخولك الدار فقالت قبلت محمد بن مقاتل في مسألة الظلم مهرها عليه على حاله إذا ظلمها ; لأن المرأة لم ترض بالهبة إلا بهذا الشرط ، فإذا فات الشرط فات الرضا ، أما الطلاق فالرضا فيه ليس بشرط والدليل على هذا ما ذكر في كتاب الحج إذا كان المهر عليه على حاله والفتوى على هذا القول قال مولانا رضي الله تعالى عنه ويمكن الفرق بين مسألة الحج وبين مسألة الظلم ووجه ذلك أن في مسألة الحج لما شرطت الحج بها فقد شرطت نفقة الحج عليه فيكون هذا بمنزلة الهبة بشرط العوض ، فإذا لم يحصل العوض لا تتم الهبة ، أما في مسألة الظلم شرطت عليه ترك الظلم وترك الظلم لا يصلح عوضا قال مولانا رضي الله تعالى عنه ، ثم ذكر في بعض النسخ إذا شرطت عليه أن لا يظلمها فقبل الزوج ، ثم ضربها وأجابا كما ذكر وعندي إذا ضربها بغير حق ، أما إذا ضربها لتأديب مستحق عليها لا يعود المهر ; لأن ما كان حقا لا يكون ظلما . تركت المرأة مهرها على الزوج على أن يحج بها فقبل الزوج ذلك ولم يحج بها
قال امرأة وهبت مهرها من زوجها ليقطع لها في كل حول ثوبا مرتين وقبل الزوج فمضى حولان ولم يقطع الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل إن كان ذلك شرطا في الهبة فمهرها عليه على حاله لأن هذا بمنزلة الهبة بشرط العوض فإذا لم يحصل العوض لا تصح الهبة ، وإذا لم يكن ذلك شرطا في الهبة سقط مهرها ولا يعود بعد ذلك ، وكذا لو كانت الهبة باطلة ويكون بمنزلة الهبة بشرط العوض . وهبت مهرها على أن يحسن إليها ولم يحسن
كان المهر عليه كما كان . رجل قال لامرأته أبرئيني من مهرك حتى أهب لك كذا فأبرأته ، ثم أبى الزوج أن يهب منها ما قال
قال امرأة وهبت مهرها من زوجها على أن يمسكها ولا يطلقها فقبل الزوج ذلك ، ثم طلقها الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل إن لم يكن وقت للإمساك وقتا لا يعود مهرها على الزوج وإن وقت وقتا وطلقها قبل ذلك الوقت كان المهر عليه على حاله فقيل له إذا لم يوقت لذلك وقتا كان قصدها أن يمسكها ما عاش قال نعم إلا أن العبرة لإطلاق اللفظ فإنه ذكر في كتاب الوصايا فإنها تستحق الثلث بحكم الوصية . رجل أوصى لأم ولده بثلث ماله إن لم تتزوج فقبلت ذلك ، ثم تزوجت بعد انقضاء عدتها بزمان
قال امرأة وهبت مهرها من زوجها على أن لا يطلقها فقبل الزوج خلف صحت الهبة طلقها [ ص: 199 ] أو لم يطلقها ; لأن ترك الطلاق لا يكون عوضا بقيت هذه هبة بشرط فاسد والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة .
وذكر في النوازل إذا قال مهرها عليه ما لم تطلق نفسها ، ولو قالت المرأة لزوجها تركت مهري عليك على أن تجعل أمري بيدي ففعل الزوج ذلك قالوا مهرها عليه على حاله تزوجها أو لم يتزوجها ; لأنها جعلت المال على نفسها عوضا عن النكاح وفي النكاح العوض لا يكون على المرأة . ا هـ . وهبت مهرها الذي على المطلق منه على أن يتزوجها ، ثم أبى أن يتزوجها
ما في الخانية فإن قلت : إن هبة الدين إبراء فكيف صح تعليقه بالشرط في بعض هذه المسائل قلت : الإبراء يصح تعليقه بالشرط المتعارف وبهذا يجب تقييد كلام المصنف رحمه الله تعالى ومن أطلق ففي المسائل التي قدمناها التي قالوا فيها بصحة التعليق إنما هو في المتعارف وما قالوا فيها بعدمها فإنما هو في غير المتعارف ويدل على هذا التقييد أيضا ما في القنية من باب مسائل الإبراء بالطلاق من كتاب الطلاق ، ولو صح التعليق ; لأنه شرط متعارف وتعليق الإبراء بشرط متعارف جائز فإن قبل الإمهار وهم بأن يمهرها فأبت ولم تزوج نفسها منه لا يبرأ لفوات الإمهار الصحيح ، ولو أبرأته مطلقته بشرط الإمهار لا يبرأ بدون الشرط أبرأته المبتوتة بشرط تجديد النكاح بمهر ومهر مثلها مائة ، فلو جدد لها نكاحا بدينار فأبت يبرأ إذا تزوجها وإلا فلا ; لأنه إبراء معلق دلالة وقيل لا يبرأ وإن تزوجها لأن هذا الإبراء على سبيل الرشوة فلا يصح قالت المسرحة لزوجها تزوجني فقال لها هبي لي المهر الذي لك علي فأتزوجك فأبرأته مطلقا غير معلق بشرط التزوج فالإبراء بهذا الشرط غير صحيح وساق فيها فروعا كثيرة في بعضها لا يصح التعليق وفي بعضها يصح ، وفي جامع الفصولين لو أبرأته بشرط أن يمسكها بمعروف ويحسن معاشرتها ولا يؤذيها ولا يطلقها فقبل ، ثم تزوج عليها وأغار على مالها وأذاها وطلقها لا يصح وكذا إضافة الإبراء إلى ما يجب في الزمن الثاني لا يصح ، ولو قال كل حق لي عليك فقد أبرأتك صح الإبراء سواء أعطاه الخمسة أو لا لأنه تنجيز الإبراء لا تعليقه ، ولو قال لمديونه الدنانير العشرة التي لي عليك اعطني منها خمسة ووهبت منك الخمسة فإن كانت العشرة حالة صح الإبراء ; لأن أداء الخمسة يجب عليه حالا فلا يكون هذا تعليق الإبراء بشرط تعجيل الخمسة ، ولو مؤجلة بطل الإبراء إذا لم يعطه الخمسة حالا . ا هـ . قال أبرأتك عن الخمسة على أن تدفع الخمسة حالة
ثم اعلم أن الإبراء يصح تقييده بالشرط وليس هو تعليقا وعليه فروع كثيرة مذكورة في آخر كتاب الصلح وذكر الشارح هناك أن الإبراء يصح تقييده لا تعليقه ، والله تعالى أعلم . وهذا التقرير - إن شاء الله تعالى - من خواص هذا الشرح فاغتنمه واحفظ هذا التفصيل في الإبراء .